تقترب رحلة د. فيصل دراج الكتابية مع الأديب الفلسطيني الراحل جبرا إبراهيم جبرا، من الـ50 عاماً: نصف قرن من الزمن، ولكن كتابه الأخير «جبرا إبراهيم جبرا» الصادر، أخيراً، عن مجلة دبي الثقافية، أخذ منعطفاً جديداً وسلط الضوء على محطات استثنائية في إبداعه، حيث إن الكتاب عن جبرا قبل أن يكون عن رواياته، وعن جبرا الفلسطيني قبل أن يكون عن الشاعر الرومانسي الذي زامله الكاتب، من الشباب الأول إلى يوم الرحيل الأخير. في مطلع النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، كتب دراج عن الأديب الفلسطيني جبرا، دراسة في مجلة «شؤون فلسطينية»، ثم عاد إليه بعد عقدين في مجلة «الكرمل» التي كان يصدرها محمود درويش، وأنجز لاحقاً مع مجموعة أصدقاء آخرين، كتاباً تكريمياً عنوانه «جبرا إبراهيم جبرا: القلق وتمجيد الحياة»، كما كانت هناك دراسة عن الأديب الراحل في كتاب د. فيصل دراج الذي يحمل اسم «ذاكرة المغلوبين».
قراءات على مراحل
انطوت قراءات د. فيصل دارج للأديب الفلسطيني الراحل، في كتابه الجديد على مراحل ثلاث: أولاً، قراءة أولى متعسفة اختصرته إلى روائي شكلاني، يخلق بطلاً فلسطينياً وهمياً لا علاقة له بالواقع، يطرد الوقائع الملموسة برغبات مجردة.
أما القراءة الثانية، فلامس فيها دارج الوجوه الجمالية في روايات جبرا، من دون أن يقبل على صورة «البطل الفلسطيني الاستثنائي» التي يتعايش فيها الحلم والواقع، ويلتبس البطل فيها بمدينته المقدسة: القدس.
بينما عاينت القراءة الثالثة جبرا في وجوهه الإبداعية جميعها: القصة القصيرة، الشعر، الترجمة، الرواية، السيرة الذاتية، ودراساته عن الفن، ومساهماته النقدية اللامعة التي قرأ بها أعمالاً وفلسفات أدبية غريبة، وحواراته الطويلة.
جبرا الإنسان
وعلى الرغم من تعدد إسهامات جبرا إبراهيم جبرا الأدبية، وترجماته المتميزة الممتدة من شكسبير إلى وليم فوكنر، يظل الإنسان في جبرا، كما يبين دراج في دراسته، أوسع من كتاباته، ويبقى «الفلسطيني» فيه أكثر رحابة من «رؤاه» الفكرية، حيث ساوى في رواياته بين فلسطين والقدس، واختصر في القدس خير العالم وجماله، ولهذا كان في رواياته شاعراً، قبل أن يكون روائياً وشاعراً رومانسياً بخاصة.
القدس
يوضح فيصل دراج أن جبرا كان مثقفاً تنويرياً بامتياز، نظر إلى إنسان تحرر من قيوده، وإلى مدينة فاضلة يسكنها إنسان حر، يعرف الفرق بين الحاضر الضيق والمستقبل الذهبي الذي سيأتي، مشيراً في كتابه، إلى أن جبرا كان يهجس بمعرفة يحتاج إليها، تبدأ بالأنا الواسعة والواثقة بما ترى وتقول، وتبدأ بالقدس قبل أي شيء آخر، تلك المدينة التي عاش فيها شبابه وتلازم قلبه وتحضر في جميع رواياته وكتاباته.
رومانسية
ويؤكد دارج أن جبرا ساوى بين الثقافة والحقيقة، وأدرك أن الإعلان عن الحقيقة له دروب متعددة، تحتمل القصة القصيرة، حال مجموعته «عرق وقصص أخرى» التي نشرها في بيروت عام 1956، كما فتح جبرا عالم الإنسان المتناهي على العالم الإلهي اللامتناهي، وكان في مسعاه يصالح بين الدين والشعر ويدرجهما في حداثة مختلفة.
ويتناول فيصل دراج في كتابه مصادر رومانسية جبرا المتعددة، ومن بينها: إيمانه، وشعره الإبداعي، ودراساته العليا في بريطانيا التي تأثر خلالها بكبار الشعراء الرومانسيين، ومن أبرزهم: اللورد بايرون، شلي، كويردج وبليك.
بطاقة
د. فيصل دارج. ناقد أدبي فلسطيني. حصل كتابه «نظرية الرواية والرواية العربية» على جائزة أفضل كتاب عربي في القاهرة عام 2002، كما حصل على جائزة الإبداع الثقافي لدولة فلسطين عام 2004. كذلك نال دراج جائزة سلطان العويس لعام 2011.
قامة
حاز الراحل جبرا إبراهيم جبرا (1920- 1994 م) عدة جوائز، من بينها: جائزة «تارغا يوروبا» (جائزة أوروبا) للثقافة - 1983، وسام القدس للثقافة والفنون والآداب - 1990. كما فاز بجائزة مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، فئة الدراسات الأدبية والنقد، الدورة الأولى: 1988 - 1989
