التداخل الكيميائي لعلاج بعض حالات الاكتئاب لا يسمح للمخ بالوصول إلى حالة الإبداع، لأن المبدع يفقد بعض التوهج العقلي الذي يؤدي إلى الإبداع. جاء هذا خلال المحاضرة التي ألقتها الروائية والأخصائية النفسية جودي بالارد بعنوان "ارتباط الإبداع والمبدعين بالحالات النفسية" مساء أول من أمس في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في أبوظبي، والتي استهلها الدكتور معن الطائي معرفا بالمحاضرة على أنها روائية وكاتبة أمريكية، لها خبرة طويلة في مجال علم النفس الذي وظفته في نشاطاتها الإبداعية المتمثلة في الرسم والكتابة والرواية، كما تعمل الآن على نشر روايتها "رائحة الطين".
حالات الاكتئاب
أشارت جودي بالارد ،بداية، إلى العلاقة بين الاكتئاب والإبداع، وقالت إنه يعطي نوعا من الطاقة المضاعفة في عملية الإبداع. وأوضحت الفرق بين الاكتئاب والحالات النفسية المشابهة، مؤكدة أن هناك من يستخدم كلمة الاكتئاب في غير مجالها الصحيح، ويقرنها بالحالات العابرة وهذا غير صحيح، فالاكتئاب حالة مستمرة لها أعراضها العلمية الدقيقة.
وفسرت ذلك بقولها إنه من الضروري أن يعرف المعالج مـع أيـة درجـة يتعـامل إذا قسـمنا الدرجات من واحد إلى عشرة، وتبدأ أعراضها من فقدان الاهتمام بالوسط المحيط، وعدم وجود الحافز للتواصل مع المجتمع، والامتناع او الافراط بالطعام، والأرق والشعور السوداوي والأفكار المتعلقة بالموت. وأضافت: " قد ينقلب الاكتئاب إلى نوع من السعادة والبهجة وهذا يعني أنه وصل المريض إلى الدرجة العاشرة من هذه الحالة، أما الأشخاص العاديون فيكونون بالوسط".
وعي تأملي
وقالت الكاتبة إن الشخص المبدع يتميز بوعي تأملي يختلف فيه عن الإنسان العادي، وهذا الحافز يدخل إلى العقل الباطن، ويجعله قادرا على خلق صور من التأملات التي تميزه كشخص مبدع. وأضافت إلى جانب هذا عليه أن يعرف الكثير من الدوافع والأسباب التي تقف خلف الكثير من الأسباب التي قد تبدو عادية، إلا أن الإبداع يتطلب التأمل والحساسية الجمالية العالية.
كما أشارت إلى أن هذه الحالة التأملية عند المبدع تقترب من حالة الاكتئاب فينعزل المبدع عن محيطه الخارجي، ويبدأ بتأمل أفكاره وتحليلها وفهم الدوافع والأفكار التي تتطلب نوعا من العزلة. ونوهت إلى أنه مهما اختلفت حالة الإبداع من رسم وكتابة، إلا أنها تتطلب انغلاقا وانقطاعا عن العالم الخارجي، والدخول إلى العلم الداخلي والتأمل والتفكير.
وأوضحت جودي بالارد أن هناك بعض الحالات تحتاج تدخلا علاجيا. وأخرى لا. وأضافت: "أنا مع نظرية كارل يونغ أحد تلاميذ فرويد وصاحب نظرية اللاوعي الجمعي، عندما طرح فكرة أن يتعامل الإنسان مع الاكتئاب بشجاعة ليصل للحل، هذا إن لم يكن الاكتئاب وراثيا".
واستعرضت المحاضرة رواية "عقل غير هادئ" التي تدور أحداثها حول أم تعاني من مشاكل بسبب الابن الذي يعاني من الاكتئاب، ولكن الابن فنان ويمارس الرسم. وقالت: "لا يؤثر الاكتئاب على الشخص فقط بل على المحيطين به، ولكن هذا لا ينزع عن الشخص صفته الإنسانية كفاعل اجتماعي في وسط معين".
تفعيل
قالت جودي بالارد إن الرسم والكتابة والموسيقى تفعيل للحالة العقلية والعصبية، ونوهت إلى عدد من المبدعين الذين كانوا مصابين بالاكتئاب، ومنهم غوغان، وفان غوخ، وموبسان، وديستوفسكي، وغيرهم ممن يعانون من هذا الاضطراب.
