كانت تجلس أمام مرضاها في العيادة، وتمسك بيدها ورقة لتكتب تقرير الحالة، وبينما المريض يطلعها على قصته، إذا بها تتأمله، وتبدأ في تدوين تفاصيل شعره المتعرج، وعينيه الواسعتين، مبتعدة عن منظومة الواقع، عبر حديثه، بل متعمقة في إيماءات جسده.

كأنها في تأسيس رواية أدبية، تستحق النشر.

الزميلة ريم غزال من صحيفة "ذا ناشيونال" في أبوظبي، وبعد رحلة طويلة مع العمل كطبيبة نفسانية وباحثة ومدرّسة ومصوّرة، اختارت البعد الحقيقي لمبدأ الاستمرار، كما وصفته، وصناعة التحدي الروحي والنفسي، من خلال كتابة رواية عنوانها "مسكون"، مستهدفة العمق الفلسفي لأسئلة فئة اليافعين.

في حوارها مع (البيان)، أكدت بحثها عن التحدي، مؤمنة أن الإبداع الروائي، نافذتها للخروج من روتين العمل الصحافي، جاعلاً منها " قاصة بلا حدود ".

وأن الخيال العربي، يمتلك قصصاً تحتاج إلى مرآة عاكسة، تختزل تفاصيله، وتصقل أسئلته نحو نفسه والآخر، بين دفتي كتاب.

روايتكِ " مسكون "، لغتكِ الأصلية فيها الإنجليزية، لذا فهي مترجمة، والكتاب العربي أصبح له مفارقات في مطالب دور النشر، ومجمل عدد القراء، إضافة إلى البعد التسويقي، وأزمتنا أحيانا مع التوزيع، لماذا الإصرار على الترجمة رغم التحديات؟

أكتب باللغة الإنجليزية، لأنها الأسهل بالنسبة لي، والأسرع في الصورة العملية، كما تعلمون دور النشر، يفضلون رؤية العمل قبل الولوج في كتابته، فعلياً قدمته لهم، وبينت تفاصيل الأفكار، وبعد الموافقة، سعيت جاهزة لتقديم رواية تستهدف فئة الشباب واليافعين. ولأكون أكثر صدقاً، أردت دغدغة تفاصيل الطفل، المسكون في داخل الكبار.

النشر بالعربية لهذه الفئة مهم جداً، التمست ذلك أكثر، مع أخي الصغير، فعندما كتبت رواية "مسكون"، قدمت له النسخة المترجمة، وطلبت منه أن يقرأ، لكنه فضل في البداية النسخة الأجنبية، ومع إصراري، تقبل العربية، وبدأت أدربه عليها.

وتحولت بعد ذلك إلى رسالة أسعى فعلياً أن يقرأ اليافعون بالدرجة الأولى في العالم العربي، وأن تكون لغتهم المفضلة العربية وليس غيرها، لما يحمله من بعد في قراءتهم للفكر، وتذوقهم للحياة المتصلة بمجتمعهم العربي بشكل مباشر.

أنتِ صحافية، وتحولك إلى العمل الإبداعي، إيحاء برغبة في التغيير أو التمرد أو الحاجة إلى البحث في حقل يؤمن بمفهوم الخيال، لذلك التوازي بين الواقع في العمل اليومي، وتبني الحُلم في العمق الروائي، كيف تصفينه؟

(مبتسمة)..كلانا في نفس المجال، وهذا سيسهل علي إقناعكِ بالإجابة. العمل الصحفي ميدان يخبرك الواقع، كما هو واضح للعيان، ومع الاستمرار فيه، جعلنا متلقين للأحداث.

على سبيل المثال، عندما تذهب إلى أحداث متتالية، وتحرر مقابلات عديدة، تتمكن بعد مرحلة متقدمة، من (حفظ) ما يقال، بل وكتابة بعض تقاريرك الصحفية قبل انتهاء الأحداث المتضمنة في داخل المقالة.

هنا السؤال ما هو الجديد، وما هو القابع في تفاصيل قصص تحتاج إلى استثمار الخيال فيها، لإعطائها مزيداً من الحياة.

هنا أريد أن أتحدث قليلاً عن عمودي الأسبوعي، الذي يحمل عنوان "عزباء في المدينة"، والذي تبنيت فيه قصصاً يومية، لا تخلو من الحس القصصي، وأجد نفسي فيها أكثر، بشكل ملح. والانتقال إلى الكتابة الأدبية قرار توصلت إليه بإلحاح من أصدقائي المقربين، حول عملي الصحافي الروتيني، وأهمية صناعة تحدٍّ متجدد، ويضمن لي الاستمرار، في حاجتي للبحث الذي أشرتِ إليه مسبقاً.

9 سنوات من العمل في كندا وأميركا، وتجربة العمل الإعلامي في العراق عام 2003، أثرتكِ من خلال معايشة قصص، وابتكار حالات، وتشخيص مراحل، ما ينبهنا إلى مسألة العمل الوثائقي، في الأدب من خلال الصحافة، ما رأيكِ في هذا التمازج، وهل تملكين مشروعاً باتجاهه؟

الالتقاط عادةً هو حس أدبي، وليس حساً صحفياً كما يدعيه البعض، ويعتمد بشكل واضح على الشخصية وأبعاده في القدرة على خلق نسيج يجمع بين الحقيقة والإبداع.

ولا أنكر أن العمل الصحفي ثراء معرفي، ولكنها تظل تمتلك ازدواجية أمام مفهوم نقل الواقع، تقدم قصصاً لا يمكن أن تنشرها في نماذجها الكلاسيكية كالمنشورات والصحف، ولكنها تقدم لشخص خدمة، لصناعة كتب متنوعة، توثق هذه القصص، وتخترع لها مجريات.

في هذا الصدد، ندمت كثيراً لأني لم أبحث مع جدتي من أصل بولندي، والتي توفيت قريباً، أحداثاً عاشتها إبان الحرب العالمية الثانية، وتعلم عنها ارهاصات عديدة. نحن لا نزال بطيئين في استثمار خيالنا العربي، منشغلين بالنقد، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا اعتبره جيداً، ولكن الإبداع الأدبي هو الأقدر على ترسيخ الإنتاج.

 

سيرة

 

ولدت ريم تينا غزال في بولندا، وهي من أب ذي أصول لبنانية سورية، وأم بولندية وألمانية الجنسية والأصل. ترعرعت في المملكة العربية السعودية، ثم انتقلت إلى كندا، حيث أكملت تعليمها هناك. كما أنها برزت في الفيلم الوثائقي الإماراتي: "الجمال الخفي" الذي تطرق لأوضاع المرأة العربية في المنطقة.

تعمل حاليًا في صحيفة "ذا ناشيونال" في أبوظبي. وكانت تعمل مسبقاً في صحيفة "انترناشونال هيرالد تريبيون"، "ذا ديلي ستار". حاصلة على درجة الماجستير في الصحافة من جامعة كارلتون بكندا. وشهادة البكالوريوس في علم النفس والاقتصاد من جامعة واترلو بكندا.