صدر العدد الثالث من مجلة "المجلة" لشهر يونيو 2012 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، مفتتحًا بملف عن المثّال المصري محمود مختار، ومتضمنًا عددًا من الموضوعات المهمة من بينها ملف بعنوان "مكان" لمحمد السيسي عن قصر البارون الأسطوري، الذي تناثرت حوله الروايات الخيالية، وتعود قصة بنائه إلى تأسيس حي مصر الجديدة في بداية القرن العشرين.
كما ضم العدد قصيدة، بعنوان "بوابة النيل" للشاعر يسري خميس، من ديوانه "أيام الكلاب" الذي صدر في يونيو عام 2008، وقصة قصيرة لأحمد الخميسي، بعنوان "جلباب مواطن" وقصة مصورة بعنوان "الصراع العربي الصهيوني بريشة فنان أمريكي" لمحمد ربيع، وغيرها.
مسرح عالمي
في ملف المتاحف تناولت الكاتبة منى شديد شرح مقتنيات متحفي عبد الوهاب والآلات الموسيقية، فيما تضمن العدد أيضًا جولة حول المسرح العالمي، موضوع عن العروض الموسيقية التي تسيطر على "برودواي"، وجولة أخرى في العواصم الثقافية منها طهران وباماكو وموسكو وغيرها، بجانب بضعة عروض للكتب، منها: "دستور مصر بين الأمس واليوم" تأليف "إفيل روشفالد".
أعمال الرواد
وقدم العدد الثالث من مجلة "المجلة" رؤية لأعمال محمود مختار تقوم على الربط بين "مختار وتأسيس الثقافة الوطنية"، وذلك ردًا على الادعاءات التي سعى إلى إبرازها بعض النقاد في نزع المصرية عن أعماله، واتهامه بأنه كان مجرد تلميذ للمدارس الفرنسية التي عاصرها في باريس إبان دراسته.
وردًا على تلك الادعاءات تنشر المجلة مقالًا للناقد الفرنسي المرموق "لويس فوكسيل"، أحد كبار نقاد الفن الطليعي في باريس، يؤكد فيه أن "مختار ليس مثالًا خارجًا على جنسه، بل هو على العكس مصري صميم المصرية ينتسب إلى أقوى الأصول، وينحدر عن قومية صحيحة ناصعة.
ثقافة وفكر
وأجرت المجلة حوارًا مع الأديب علاء الديب، أبدى فيه رأيه في أثر الإحباطات المتتالية التي تعيشها الثورة على حالة الثراء الثقافي التي بدأت منذ 25 يناير 2011، فأكد أن النخبة المزيفة التي أضاعت فرص تحقيق دور سهلت الثورة تحقيقه، وهو أن تتحول أجهزة الثقافة والفكر والتعليم والإعلام إلى كيان واحد يكون في خدمة الشعب بجميع طبقاته.
كان يمكن أن تصير هذه الأدوات داعمة للثورة والثقافة لكن الصعوبة اليوم أن هذه الكيانات لا تواجه فقط نظامًا مضادًا يحرض ضد الثورة والثوار، بل أيضًا سوقًا له آلياته ويفرض الاعتبارات التجارية والحسابات المالية، كان من المفترض أن تواجه الثورة هذه الاعتبارات وتجد آلية للتخلص منها أو تجد آلية لتجنيبها، أو التعامل معها تعاملًا مختلفًا.
خصخصة الثقافة
كما أبدى الديب رأيه في عملية "خصخصة الثقافة" أو حتى تحول الدولة إلى مجرد ممول للأنشطة الثقافية دون بقية الأدوار، فرأى أن هذا الطرح يقع في إشكالية التصور الثابت لكلمة دولة، وهو أن "الدولة كيان فاسد"، وقال: ما تردد على ألسنة الثوار هو كلمة "تطهير" أي مواجهة البناء البيروقراطي، وفساد الأجهزة الإدارية في العمل العام والثقافي والفكري، فالأزمة ليست في الدور الثقافي للدولة، بل هي أزمة فساد أصاب إدارة هذه الدولة ومسئوليها، فما كان المسئولون يعملون عليه طوال الثلاثين عامًا الماضية هو تحويل الثقافة لاستثمار وسياحة بدلًا من تقديم خدمة ثقافية للشعب بكل طبقاته.
زمن النضال
وفي زاوية "شخصيات"، كتب د.محمد حافظ دياب عن المفكر"فرانزفانون"، المناضل والطبيب الذي ولد سنة 1925 في منطقة الكاريبي، من سلالة الأرقاء الذين انتُزعوا من موطنهم في غرب إفريقيا، وحارب خلال العالمية الثانية في جيش فرنسا الحرة، ثم التحق بمدرسة الطب في مدينة ليون وتخصص في الطب التنفسي، ثم عين سنة 1953 رئيسًا لقسم هذا التخصص في مستشفى البليدة في الجزائر.
وبعد ثلاث سنوات استقال من عمله، وانضم إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية، التي لم يقتصر فيها عمله على الكتابة، بل امتد إلى أنشطة تنظيمية مباشرة، ومهام دبلوماسية وعسكرية، وبعد رحلة طويلة من النضال توفي سنة 1961 في واشنطن متأثرًا بمرض سرطان الدم، ونُفذّت وصيته بأن يُدفن في الجزائر.
وعي جمال
كتبت الدكتورة عزة بدر في زاوية "ذاكرة" تحت عنوان "مجلة المجلة سيرة حياة"، مؤكدة أن عودة "المجلة" للصدور من جديد لحظة استثنائية في مسيرة الثقافة المصرية بعد ثورة 25 يناير، بل في مسيرة الثقافة العربية بتنوعها وغناها.
فمن إيمان عميق بأن القارئ العربي متعطش للثقافة، والثقافة العميقة بصفة خاصة انطلقت "المجلة" في مرحلتها الأولى 1957 ـ 1971 لتثري الواقع الثقافي في مصر والوطن العربي، وتلعب دورًا حيويًا في تنمية الوعي الجمالي والثقافي والفني من خلال ارتباطها بجمهور القرّاء، ووصولها إلى طالبي الثقافة.
وأوردت د.عزة بدر في مقالها تاريخ "المجلة" أهم إنجازات رؤساء تحريرها على مدى مرحلتها الأولى، ودورها في التأكيد على وحدة الثقافة العربية، ودور المجلة الأدبية في تحقيق هذه الوحدة، وأهمية الوصول إلى نظرية نقدية عربية، وقضية الأصالة والمعاصرة.
