لم يكد الحبر الذي كتب الشاعر نوري الجراح به قصيدته الأخيرة (الأيام السبعة للوقت) يجف حتى شق النص الشعري الملحمي طريقه إلى خشبة المسرح على يد المخرج وليد القوتلي والممثلة الشابة تياما كاملي، التي تعتلي خشبة المسرح لأول مرة في حياتها، والفنان التشكيلي ثائر هلال، الذين يجرون تدريباتهم هذه الأيام على خشبة مسرح دبي الشعبي استعداداً للسفر إلى قطر والمشاركة في مهرجان (وطن يتفتح في الحرية)، الذي تستضيف فيه وزارة الثقافة والفنون والتراث القطرية عشرات من الكتاب والفنانين السوريين والعرب بين 1 و8 يونيو، نصرة للقضية السورية.

وليد قوتلي، الذي عثر على بطلة عمله بالمصادفة، يوضح أن الموضوع الرئيس في هذه (الدراما الشعرية) يوحي بأسطورة قابيل وهابيل، حيث الغرابة في سفك الدماء من داخل البوتقة السورية الواحدة بكل تلاوينها التي انصهرت عبر عصور قديمة جداً، كما يقول مخرج العمل إن أحد أوجه الغرابة يكمن في أنه (بينما كنا نظنه شعباً واحداً متجانساً، تبين أن قسماً منه يستأثر بالسلطة ويسفك الدماء في سبيل البقاء فيها). عندما تحدثنا إلى تياما كاملي، التي درست الدراما والسينما في كندا، كانت تخيط ملابسها المسرحية بيدها، وبسؤالها عن شعورها وهي بصدد أن تلعب أول دور مسرحي لها.

قالت إنها تشعر بأنها مستعدة، وإنها محظوظة كثيرا بالعمل مع وليد، وإن حبها للنص هو دافعها للمشاركة في العرض، ودور تياما له مستويات متعددة، وينطوي على إشارات كثيرة لشخصية الأعمى، التي ترمز إلى الشخص البصير في مسرحية لا تعتمد على تجسيد معاني الكلمات كما هي، وإنما عكسها، حيث يروي العراف الأعمى مشاهداته الغنية التي تفضي إلى انعدام الإحساس العادي، بينما يتمتع بإحساس داخلي عال ورؤى كثيرة يتفاعل معها الممثل ويصبح جزءًا منها، حيث لا يصدق أن يديه ملطختان بدم أخيه، مثلا، بينما تتقمص الممثلة شخصيات عدة.

تعتمد سينوغرافيا العرض على خبرة الفنان التشكيلي ثائر هلال في تحويل النص المكتوب إلى لغة بصرية يمكن قراءتها، وفي هذه الحالة تحويل النص الشعري الذي كتبه الجراح إلى مادة بصرية في إطار رؤية المخرج وليد قوتلي، ويقول ثائر إنه يقف أمام نص شعري كثيف مليء بالتأويلات والحكايات، من خلال حركة الممثلة وصوتها والموسيقى والإضاءة، بحيث نقف في النهاية على مجموعة من المشاهد المندمجة.

مستقبل واعد

تمثل المشاركة بالمهرجان بالنسبة إلى بطلة العمل خطوة على طريق سوريا الغد بعد أن تخرج من هذه الأوقات العصيبة، حيث ثمة مستقبل واعد يلوح في الأفق، كما تعتبر هذه المشاركة نوعاً من الخطاب الموجه للمجتمع الدولي ودعوة له إلى التضامن مع الشعب السوري، بينما أعرب قوتلي عن سعادته بهذه المشاركة، التي وصفها بأنها (أول مهرجان ثقافي فني ينظم من أجل سوريا بعد الثورة، حيث تتاح الفرصة أمام الفنانين والمثقفين لعمل شيء في سبيل وطنهم، حيث تعتبر المشاركة واجباً). أما هلال فيرى أنه من واجب الفنان أن يشتغل على قضايا شعبه.

حيث لا يبقى له معنى عندما يعمل ويبقى بعيداً عن موضوع مثل الثورة السورية، وهذا أضعف الإيمان أمام ما يحدث على الأرض، ويرى هلال أن المثقف له دور تنويري مهم عبر التاريخ، ويقول: (نحن نعمل لأن هذا هو عملنا في الحقيقة على الرغم من التراجع المخجل لدور المثقفين العرب في الحراك الشبابي الثوري الصادم الذي أزاحهم إلى الصف الخلفي، وحولهم إلى مجرد حرس قديم. الثورة غيرت مفاهيم كبيرة، وكشفت شعاراتها المهترئة، بينما سيكون للسنوات المقبلة روح ومفهوم مختلفان كلياً) .