لا يكتمل مشهد المجتمع أي مجتمع إلا بمثقفيه وكتابه، لا سيما في اللحظات المصيرية وزمن التغيير حين تضاهي قوة الكلمة فعل الرصاصة، إن لم تتفوق عليها وحين يخرج الكلام من دائرة الترف إلى ساحة الفعل ويصبح الصمت جريمة، وتنتصب مقولة الكفاح بالقلم واقعاً ملموساً ومفردة من مفردات الفعل والتأثير.
رابطة الكتاب السوريين كيان نقابي سوري ظهر من قلب الوجع السوري استجابة لمتطلبات ما يطلق عليه الشاعر السوري نوري الجراح البرهة الحرجة التي يمر بها المجتمع السوري بكل أطيافه وتلاوينه، بعد أن اطلق العنان لثورته الساعية للتخلص من حالة استبداد طال أجلها بكل المعايير. شاعر يعتبر الدم السوري الراعف قصيدة القصائد بعد أن أصبح الواقع أبلغ من الكلام وعصيا على الوصف في مأساويته التي يحياها الانسان السوري، لا لذنب إلا لأنه رفع صوته.
(البيان) التقت نوري الجراح، في دبي، التي يزورها قادماً من لندن، حيث يعيش كما الكثير من المثقفين السوريين في المنفى، الذي فرض عليهم منذ زمن بعيد لأسباب تتعلق في المقام الأول بضيق أو حتى انعدام مساحة حرية الرأي في بلادهم، فلاذوا مكرهين إلى تلك المهاجر البعيدة والباردة.
بينما استمرت أفئدتهم وضمائرهم تهفو لوطن طال فراقه، وما أن تداعت فرصة المشاركة في تغيير مجتمعهم حتى تنادوا إلى تشكيل كيانات نقابية- سياسية بديلة عن كيانات النظام في بلدهم. وكان من الطبيعي أن ينصب الحديث مع الجراح، أحد مؤسسي رابطة الكتاب السوريين، حول أسباب وظروف نشوئها والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها.
رابطة الكتاب السوريين لماذا عمدتم إلى إشهارها في هذه اللحظة بالذات؟
جاءت رابطة الكتاب في وقت بدا فيه أن الكتاب السوريين متناثرين فيما يتعلق بالثورة السورية، وبدا أن هناك لبساً فيما يتعلق بموقف المثقف السوري من الثورة ومن الحراك السوري بصورة عامة، كما كان هناك بعض الرمادية في بعض المواقف وكان هناك حاجة حقيقية فعلا لخلق إطار جامع يمكن المثقف السوري من أن يتخذ موقفا ويقوم بخطوة باتجاه مساندة هذه الثورة التي تخلى عنها العالم والعرب والجميع.
حيث تركت وحيدة، بحيث تكاد أن تكون ثورة شهيدة، وأتمنى ألا تكون كذلك، كما جاءت الرابطة أولا لخلق موقف جماعي للمثقفين السوريين بموازاة الموقف الجماعي للشارع السوري من دولة الاستبداد ومن النظام السياسي الحاكم، وثانيا لممارسة مهام عديدة منها إحاطة هذه الثورة بمتكلمين من غير السياسيين، لأن هؤلاء لا يمكن تركهم وحيدين في قيادة هذه الثورة، في ظل صراحة ما يجري في الشارع، صراحة في القتل و في مواجهة القتل.
وليس هناك أي التباس في حركة الناس، لكن الالتباس يكمن في مواقف المثقفين، مع أني لا أستطيع أن اقول إن جميع المثقفين السوريين على نفس الدرجة من المواجهة أو القدرة على المواجهة أو حتى الانتماء إلى هذه الثورة، لكن يمكن القول أن أكثرية المثقفين السوريين واقفون إلى جانب هذه الثورة.
وثانيا هناك حاجة مبكرة بصرف النظر عن الثورة السورية، لأننا نحن المثقفين السوريين من كتاب وشعراء وأدباء ليس لدينا إطار جامع يمكن وصفه بالإطار الديمقراطي، هناك إطار رسمي موجود داخل سوريا يستوعب الكتاب الذين يريد النظام أن يصورهم على أنهم يشكلون جزءاً من قصته وكيانه وعتاده وعدته.
ما مدى استجابة الحركة الفنية والثقافية لمخرجات الثورة؟
خرجنا من الدراما التلفزيونية إلى دراما الواقع، وما حدث هو أن كل تلك الدرامية صنعت نجوماً سوريين في سوريا وفي العالم العربي، لكن عندما جاءت دراما الواقع وتراجيديا الواقع ودراما القتل اليومي ودراما الاضطهاد ودراما الموت وعندما كشرت السلطة عن أنيابها، بدأ الفرز.
وهؤلاء الفنانون هم أسرى النظام لأن النظام هو الذي أنتج لهم كل هذه الدراما التلفزيونية وهو الذي ساعدهم على إيجاد المؤسسات الإنتاجية، لكن هناك الصورة الأخرى، هناك أصوات لمبدعين من أمثال: مي سكاف وفدوى سليمان، ومن أمثال جلال الطويل وفارس الحلو ومحمد آل رشي والأخوين ملص، كل هؤلاء في الحقيقة نحن نقدم لهم التحية من القلب ونعتبرهم أبناء مخلصين لشعبهم. علاقة الفنان والمثقف بشعبه تشكل معضلة.
والمثقفون قدموا إلى السجون عددا كبيرا من الأسماء وهذه الأسماء مثل المعارض رياض الترك، منديلا سوريا، إلى أحدث الشباب إلى فرج بيرقدار، إلى مفيد نجم وعارف دليلة، لكني لا أفهم موقف شاعر مثل أدونيس، موقف ملتبس قدم في الجنة وقدم في النار ولا استطيع أن أفهم تلكؤ وتردد المثقف في أن يقف على أرض الحرية.
ماذا عن الحركة الإبداعية نفسها في ظل الثورة كيف ترصد هذه الحركة شعرا أو رواية أو حتى تشكيلا؟
هذا ليس وقت كتابة الروايات ولا القصائد، إنه وقت الالتحاق بالثورة من باب تلبية متطلبات سريعة وعاجلة، إنه وقت القيام بأعمال سريعة وضاغطة تلبي الحاجيات الأصعب .
والأسرع. القصيدة الآن موجودة في الشارع السوري ليس في كتابات الشعراء، القصيدة هي هذه الحركة في الشارع. كل من يرسم رسمة أو يكتب كلمة مشكور عليها، لكني أرى أن الفعل الإبداعي في صناعة التاريخ في صناعة المستقبل يكتب بدم السورين الآن وعلينا أن ننصت إلى هذا الدم وأن نصون هذا الدم وأن نصون سوريا من أجل لا يهدر هذا الدم.
ما هي ردود فعل النظام عموماً والاتحاد خاصة على نشوء الرابطة ؟
حتى الآن هم فوجئوا بولادة الرابطة، وفوجئوا بالمنتسبين إليها، فهناك أسماء لامعة وكبيرة وبالتالي فعالة وأساسية ولن يستطيعوا رجمها بالحجارة لأنها مبرهن على وجودها وهناك قسم من أعضاء الرابطة مستقلين مثل صادق جلال العضم وفرج بيرقدار وياسين الحاج صالح أو علي كنعان ومفيد نجم وطيب تيزيني أو أي شخص وأغلبهم لم يكونوا أعضاء في اتحاد كتاب النظام.
