على مدى العصور القديمة، كان اللؤلؤ محط اهتمام الملوك والنبلاء في أوروبا وبلاد فارس، ويعتبر القرن السادس عشر العصر الذهبي للأزياء التي زينها اللؤلؤ، إذ كان في تلك الفترات رمزا للسلطة والثراء والجاه.
فالملكة إليزابيث الأولى وكاترين ديميتشي ونبيلات البلاط الإسباني استخدمن اللؤلؤ ليس فقط كإكسسوار، بل ايضا في تطريز أزيائهن، مع العلم انه كان محظورا على العامة اقتناء اللؤلؤ، بكل اشكاله، حفاظا على نخبويته وتميزه.ولا يختلف اثنان على أن صناعة المجوهرات، وبالذات العقود الثمينة، من اللؤلؤ كانت المنافس الأقوى للألماس. فقد كان اللؤلؤ من مقتنيات أصحاب الثروات وأصحاب السلطان، وظل محافظا على مكانته إلى منتصف القرن الماضي.
في ذلك الوقت طورت اليابان صناعة اللؤلؤ وجعلت زراعته بكميات كبيرة أمرا ممكنا في مزارع خاصة، وكانت النتيجة انخفاض قيمة اللؤلؤ كحجر نادر، وتحوله إلى احجار متوفرة للجميع وبأسعار متباينة حسب نوعيتها، وسرعان ما أصبح العقد الذي كان يساوي عشرة آلاف دولار يباع مثيله من لؤلؤ مزارع اليابان بمبلغ لا يزيد على مائة دولار.
بديل منافس
وعلى الرغم من أن اللؤلؤ المزروع صناعيا لا ينافس المستخرج طبيعيا في الجودة والنقاء واللمعان، إلا أنه كان البديل المنافس، الذي أقبل عليه الناس، والفرق بينهما لا يعرفه سوى الخبراء، على الرغم من أن النقاء والصفاء هما من علامات اللؤلؤ الطبيعي.
بينما يختلف اللون الطبيعي قليلا عن اللؤلؤ المزروع. وللحفاظ على قيمته، تم التخلص من استعماله في الأزياء بكثرة، وأعيدت صياغته في نمط جديد ليناسب الذوق العصري.
بيد انه لا يمكن هنا تناسي حب كل من الملكة ماري أنطوانيت والإمبراطورة جوزفين والإمبراطورة يوجين لهذا الحجر، ومداومتهن على استخدامه في الملابس كأدوات تعكس سلطتهن السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلقة.
كما أن كل من يتأمل في صور جاكلين كنيدي اوناسيس، يرى أنها خير من يمثل الصورة الرفيعة لصناعة اللؤلؤ، ومكانته كواحد من الأحجار الكلاسيكية والارستقراطية، كما ان صورة الراحلة أودري هيبورن في فيلم »إفطار في تيفاني« بعقد متعدد الصفوف صورة أيقونية رائعة.
وعند الحديث عن اللؤلؤ يبرز إلى الساحة اسم كارتييه، ملك فن صناعة اللؤلؤ في العالم من بداية القرن الماضي. فقد أضفى على هذا الحجر مسحة أنثوية ورقة وخفة لا تخطئها نظرة حواء أبدا.
كارتييه اعتبر أن اللؤلؤ مصدر لحسن الطالع، ومن خلال تصميماته الخلابة والمختلفة والمتنوعة جعله واحدا من أكثر الأحجار الكريمة إغراء لنساء العالم، فلو وقعت العين على مجموعة المجوهرات المدهشة من لؤلؤ الهملايا لن يستطيع المرء منع نفسه من الانبهار بالتدرج اللوني المدهش والبريق الأخاذ لتلك اللآلئ الرائعة.
ومن أحلى تصاميم كارتييه في هذا المجال، العقد الذي صممه للمهراجا بوبندار سينغ، مهراجا باتيالا في عام 1952، وظهر به في صورة مع العمامة التي ترصعها كذلك مجموعة من اللآلئ صغيرة الحجم.
العقد يتكون من عدة صفوف، تبدأ بعقد بحجم الرقبة، ثم يتدرج حتى يصل إلى منتصف الصدر بأحجام مختلفة من حجر اللؤلؤ الثمين والنادر. وفي 1927 سلبت النجمة إليزابيث تايلور الألباب في مدينة نيويورك بعقدها الذي صممه لها أيضا كارتييه بأكثر من 0 3 2 حبة من لؤلؤ »لا برجرينا«.
تجدر الإشارة إلى أن اللؤلؤ قطعة حية تحتاج للتدليل كحواء تماما، وعلى قدر ما تلقى من عناية تعيش مدة أطول من الزمن تصل إلى مئات السنين.
وقد أكد باتريك نورماند، المدير التنفيذي لمجموعة كارتييه في الشرق الأوسط، أنه يجب عدم رش العطر مباشرة على حبة اللؤلؤ، وتركها في مكان جاف للغاية.
كما يجب عدم تعريضه لأشعة الشمس مدة طويلة. الحديث عن اللؤلؤ لا يكتمل بدون الحديث عن علاقته التاريخية بمنطقة الخليج العربي، حيث يعود استخراج اللآلئ الطبيعية إلى آلاف السنين.
ويمتاز النوع المستخرج من الخليج العربي بجودة عالية ترجع أسبابها لتوفر الأجواء المناخية المثالية بدءا من مياهها قليلة العمق إلى طقسها الحار، يأتي بعد ذلك اللؤلؤ الأسترالي، ثم المستخرج من خليج بنما والبحر الأحمر والفلبين وبورما وسري لانكا.
منذ العشرينات من القرن الماضي، وهذه الحبة الصغيرة المستديرة المتعددة الألوان تلعب دورا مهما في عالم الموضة. أسطورتها بدأت مع »كوكو شانيل« التي جعلتها واحدة من علاماتها التجارية وكانت تمزج الأصلي بالصناعي بشكل واضح.
واستمر بعدها المشوار مع أهم نجمات العالم وسيدات المجتمع المخملي. فمثلا، صار هذا الحجر الرفيق الدائم لمارلين مونرو وإليزابيث تايلور وأودري هيبورن.
ولم يقتصر الأمر على النجمات بل حتى على العائلات المالكة، بدءا من الملكة إليزابيث، إلى أميرة ويلز الراحلة الليدي ديانا، وقبلها أميرة موناكو الراحلة غريس كيلي، التي رأته ملائما مع لونها المفضل الرمادي.
ومن أوروبا انتقل إلى القارة الأميركية حيث تبنته سيدات البيت الأبيض، مثل جاكلين كينيدي التي جعلته مرافقا وفيا لها في جولاتها الرسميّة والخاصة، كذلك باربرا بوش، زوجة الرئيس جورج بوش الأب، ومؤخرا برز مع ميشال أوباما في العديد من المناسبات.
لؤلؤ المزارع
ما قامت به »كوكو شانيل« في بداية العشرينات وميشال أوباما مؤخرا أنهما جعلتاها أكثر ديمقراطية يخاطب شرائح كبيرة من النساء، إذ ليس من المفترض أن يكون حقيقيا لكي تتألق به المرأة، بل يمكن أن يكون اصطناعيا للزينة ويقوم بنفس الدور ويكون له نفس التأثير.
أما بالنسبة للواتي لا يملن إليه كإكسسوار موضة، فهناك »لؤلؤ المزارع«، وهو لؤلؤ حقيقي وطبيعي يستخرج من المحار أيضا، ولا يمكن تمييزه عن اللؤلؤ الطبيعي إلا بفحوص تجرى في المختبرات، وطبعا هو أرخص. وهنا أيضا تكمن ديمقراطيته وشعبيته.
أما للواتي لا يقبلن إلا بالأصلي والمتميز، فإن بيوت مجوهرات عريقة مثل »كارتييه«، »فان كليف أند أربلز« بل حتى مجوهرات »شانيل« الراقية تشمل مجموعة تقفز لها القلوب بعضها أضيفت عليه أحجار الألماس وبعضها يقف مزهوا لوحده في بياضه.
الجميل فيه أيضا ألوانه التي تتدرج من الأبيض الناصع والزهري والبني والأخضر والفضي وغيرها، وذلك يعود إلى التطور الكبير الذي شهدته تقنيات استخراجه والعمل عليه.
لكن عند اختياره، فإن المهم ليس تنسيقه مع لون الأزياء، بل مع لون البشرة، فالشقراوات يناسبهن الأبيض المائل إلى الزهري، خصوصا اللواتي تميل بشرتهن إلى الاصفرار، فيما تناسب صاحبات البشرة السمراء تدرجات الذهبي بما فيها البني والنحاسي، وذوات البشرة البيضاء، تدرجات الفضي.
وتجدر الإشارة إلى أنه عند شراء اللؤلؤ بشكل عام، يفضل الحرص على عدم اقتناء الأنواع التي تظهر صبغاتها بشكل ملحوظ، كما يجب وضعه في علب محكمة الإغلاق حتى لا يتغيّر لون حباته مع مرور الزمن فيفقد قيمته.
وفي حين ان أساطير روايات عديدة ارتبطت باللؤلؤ، فعند الشعب الإغريقي كان له قدرة على إضفاء السعادة والحيوية على الحياة الزوجيّة، وكان الفرسان يقدمونه لزوجاتهم بعد عودتهم من القتال خلال الحروب الصليبيّة، أما في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، فاحتل مكان الأزهار، لتزيين صالات الأفراح.
ومن جانب اخر فأن عقد أو أقراط من اللؤلؤ من الإكسسوارات الكلاسيكية التي لا تذهب موضتها، ويجب على كل امرأة أن يتوافر لديها واحدة منها على الأقل باللون الأبيض، لأنه يصلح مع الأزياء الرسمية كما مع فساتين السهرة، ويمكن أيضا استعماله في الأفراح والأتراح على حد سواء.
وتجدر الإشارة إلى أن أفضل أنواع اللؤلؤ تكون عادة بيضاء اللون وفي بعض الأحيان تكون بلمسة عاجية اللون أو بدرجة زهرية خفيفة قد تشوبها لمسة من اللون الأصفر والأخضر أو الأزرق والبني، أمّا الأغلى ثمنا فهي اللآلئ السوداء بسبب ندرتها، فهو كالماس، يتماشى مع كل المناسبات وأغلب الأزياء.
وإن كان يتفوق على الماس، من حيث أنه يليق حتى بمناسبات الحداد في الغرب. ففيما لا نرى نساء تلبس مجوهرات مرصعة بالفستان مع الفستان الأسود، نجد أن عقدا من اللؤلؤ مقبول اجتماعيا.
وتستخرج اللآلئ الطبيعية من الخليج الفارسي وخليج المنار (المحيط الهندي) والبحر الأحمر، كما توجد لآلئ المياه العذبة في أنهار أسكوتلندا وايرلندا وفرنسا والنمسا وألمانيا والميسيسيبي في الولايات المتحدة الأميركية.
وعلى الرغم من أن الصين استخدمتها لمئات السنين، فإن اليابان تعد الرائدة في العالم في إنتاج اللآلئ المزروعة في المياه المعدنية والمالحة. أما كيفية زراعة اللؤلؤ فتتم بوضع جسم غريب في داخل المحارة قبل أن تعاد إلى الماء، ويبدأ تكون اللؤلؤة.
وتتمتع اللآلئ المزروعة بنفس البريق اللؤلؤي الطبيعي، ونتيجة تكونه داخل أصداف المحار، يتميز بأنه حجر كريم لين نوعا ما يمتص الضوء ويعكسه أيضا، بعكس الجواهر المعدنية الأخرى الصلبة التي تعكس الضوء فقط.
وتعتبر البحرين أم اللؤلؤ إذا صح القول، في العالم العربي، ويمثل لها أكثر من مجرد صناعة أو تجارة، فهو تاريخ وتراث تسعى لتصنيفه كجزء من التراث العالمي.
دبي -رشا عبد المنعم
