تعد آلة العود واحدة من أهم الآلآت الموسيقية العربية، بل يمكن القول إنها أكثر الآلات المحببة إلى نفس ووجدان وآذان الشعب العربي، وعلى الرغم من وجود إجماع على أهمية تلك الآلة وقدمها؛ فإننا لا نستطيع أن نجزم بوجود تاريخ محدد وثابت لنشأتها، حيث اختلفت الدراسات والأبحاث التي أرخت لبدايات ظهور تلك الآلة وتكوينها.

»الحواس الخمس« أعد ملفا على هامش ملتقى مصر الدولي الأول للعود، للتعريف برحلة العود العربي عبر الزمان والمكان مع إبراز مراحل ازدهاره وتطوره وخاصيات مدارس العود وتكاملها في إثراء وتميز الإبداع الموسيقي المعاصر®. فإلى التفاصيل.عديدة هي الآراء التي بحثت في تاريخ ومراحل تطور آلة العود، ومن هؤلاء الموسيقار، عازف العود العراقى سامي نسيم الذي أرجع تاريخ نشأة آلة العود إلى حضارة الرافدين وتحديدا في سنوات ما قبل الميلاد، حيث ظهرت تلك الآلة وصاحبها العديد من التطورات ونجح عدد من العازفين العراقيين أمثال منير وجميل بشير في أن يؤسسوا لمدرسة العود البغدادية كما لاقت تلك الآلة إقبالا من جانب أبرز العازفين المصريين من بينهم محمد القصبجي وعمار الشريعي.

ويشير إلى أن تلك الآلة شهدت أيضا تطورا ملحوظا في الصناعة حيث ازداد عدد أوتارها وتغير شكلها وظهرت بأحجام مختفلة ولكنها سرعان ما تراجعت مقابل الآلات الموسيقية الأخرى، حتى نجح رواد هذه الآلة في أن يعيدوا لها مكانتها مرة أخرى من خلال تأسيسهم للمعاهد الفنية المتخصصة في تدريس طرق العزف والتلحين مثل بيت العود العربي الذي أسسه الموسيقار نصير شمة وفرقة منير بشير الفنية، حتى أصبح العود من أكثر الآلات الشرقية اهتماما بفضل هؤلاء الأساتذة وفوجئنا بوجود العود التقليدي وبجانبه شكل آخر أحدث منه يرتكز على المفاهيم الأكاديمية للموسيقى العلمية.

وعلى الرغم من فترات الانكسار التي تعرضت لها تلك الآلة فإن العازفين استطاعوا في أصعب الأوقات وأحلكها أن يضعوا لها تصورا جديدا يهدف إلى النهوض بها وإعادة مكانتها بين سائر الآلات الموسيقية العربية الأخرى، والدليل على ذلك الظروف الصعبة التي تمر بها بغداد والتى جعلتها تحافظ أكثر على عازفيها وتتمسك بهم ليضعوا دراسات وأبحاثا وكتبا خاصة بتلك الآلة على عكس الآلات الأخرى التى لم تشهد تقدما طوال تاريخها الفني، وهذا ما جعل تلك الآلة متميزة ويفتخر بها العرب.

العود العربي إلى أوروبا

ويرى نسيم أن الدول الأوروبية تعرفت إلى آلة العود خلال القرن السادس عشر عن طريق هجرة الموسيقار العربى زرياب إلى إسبانيا، ومن هناك انتقل العود إلى أوروبا حتى غزا قصور الملوك والأمراء في كل من ألمانيا وأيطاليا وإنجلترا وفرنسا بعد أن أضافوا إليه الدساتين التي يخلو منها العود الشرقي في الوقت الحالي وقد قام الموسيقيون بوضع قطع موسيقية لآلة العود وطُبعت في إيطاليا للمرة الأولى في العام 1570 ميلادية.

وفي إنجلترا عام 1547 وكان من جملة الموسيقيين الذين وضعوا قطعا للعود جان سبستيان باخ وهاندل، وتم دمجه ضمن الآلآت السيمفونية الأوروبية، قبل أن يختفى من الاستعمال الأوروبي ليحل محله الجيتار والبيانو.

المدرسة الحديثة

ويؤرخ الموسيقار السوري بشار الحسن لبداية ظهور ونشأة العود قائلا: كانت آلة العود الآلة الرئيسية في الحضاره العربية، واحتل عازفوها مكانة مرموقة ومنزلة لدى حكامها، وقد تأثر العرب بتيار المدنيات تأثراً عظيماً، ودخل العود في بلاد الفرس على يد »سليمان الفارسي«، وذاع صيته وأطلق العرب على آلة العود أسماء مختلفة منها »ذو الزير«، و»البربط«.

ويضيف: لم يكن لموسيقى الآلات نصيب كبير في النهضة التي شهدتها مصر في مطلع القرن التاسع عشر، ولكن منذ بداية القرن العشرين أخذت آلة العود في مصر تتقدم نحو الرقي، خصوصا بعد إنشاء معهد الموسيقى العربية سنة 3291م ليثري الحياة الفنية في مصر والعالم العربي بفنانين دارسين للآلات الموسيقية.

وكان له الفضل الكبير على جيل العشرينات، وكان من أساتذة العود بالمعهد رياض السنباطي ومحمد القصبجي، وقد تميز أسلوب هذه المدرسة بالشجن والتطريب وكذلك الهدوء والتأني.وفي العصر الحاضر انتقلت آلة العود وبفضل روادها في المدرسة الحديثة من قالب التطريب البحت إلى قالب الوصفية والتعبيرية وتطبيق التقنيات الغربية العالمية، مما أعطى لأسلوب العزف والتأليف لآلة العود شكلاً جديداً عما كانت عليه من قبل.

أحجام العود

وعن مراحل تطور العود يقول: مر العود بمراحل كثيرة من التغير في الشكل والحجم حتى استقر على الشكل المتعارف عليه الآن وهو العود ذو الخمسة أوتار أو الستة أوتار، وعلى الرغم من ذلك فقد تعددت أحجام العود المستخدم في مصر والعالم العربي، فهناك ثلاثة أحجام أساسية لآلة العود مناسبة لكل عازف من حيث الحجم هي العود الكبير والمتوسط والصغير.

وكذلك حدث تطوير في صناعة العود، حيث عرفت عدة استحداثات وتعديلات في مصر بدأها بشكل واضح محمد القصبجي، حيث قام بتصميم مقاييس جديدة وأحجام مختلفة للعود حتى يمكنه عزف مختلف الأوضاع بسهولة، ولتصدر صوتاً أكثر ضخامة وقوة، مستعينا في ذلك قواعد حسابية ونظريات هندسية معينة في تحديد طول الوتر.

ازدهار وتراجع

أما الموسيقار عازف العود المصري مصطفى سعيد فيرى أن تاريخ العود يرجع إلى القرن الرابع عشر، ويرفض كل الدراسات والمراجع الأكاديمية والعلمية التي تقول عكس ذلك، ويشير سعيد إلى أن أول عود مرسوم ظهر في الحقبة العثمانية وتحديدا خلال القرن السادس عشر .

ويضيف أن الدول الأوروبية عرفت العود عندما كان العرب مسيطرين على سائر الحضارات وكان اسمه عندهم »اللوت«، وهو مختلف كثيرا عن العود الذي نستخدمه نحن الآن من حيث الشكل وعدد الأوتار، ويتحدث عن مراحل ازدهار تلك الآلة قائلا: العود يزدهر بازدهار الموسيقى العربية ويخمل بخمولها، فعندما ازدهرت الموسيقى في العصرين الأموي والعباسي ازدهرت معها مختلف أشكال الفنون، وعندما ازدادت سيطرة التيارات الإسلامية المتشددة على البلاد العربية تراجعت الموسيقى وتدهور حالها.

سلطان الآلات العربية

لكن العازف المغربي عزوز الحوري يؤكد أن تاريخ ظهور آلة العود يرجع إلى القرن السادس الميلادي عندما احتك العرب بالفرس فأخذوا عنهم هذه الصناعة التي أبدعوا فيها وطوروها لتصبح الآلة الأولى في تخت الموسيقى العربية وتحتل مكانة كبيرة حتى يومنا هذا.

ويشير الحوري في بحث له حول آلة العود أن التاريخ الحضاري للموسيقى العربية يشهد أسماء كان لها الفضل في تطوير وتحسين أداء تلك الآلة وضبط مقاييسها، يتقدمهم كبير عازفى العود »زلزل منصور«، مخترع آلة العود، وزرياب الذي اهتم بالجانب الصوتي للآلة.

حيث أحدث العديد من التعديلات حتى تظهر الآلة بالشكل المعروفة به الآن.أيضا هناك الفيلسوف الكبير الكردي أبو نصر الفارابي سيد صناع آلة العود؛ نظرا للدراسات والأبحاث التى قام بها وله مؤلفات عديدة تشهد بذلك .

بالإضافة إلى الفيلسوف أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي الذي ترجم العديد من المؤلفات اليونانية إلى العربية كما ألف الكثير من الكتب في هذا الشأن نذكر منها »رسالة في الموسيقى«، وقد أفاض الكندي في دراسة آلة العود وتقنياتها ونظم وطرق جديدة للعزف عليها، وضبط أصواتها وأماكن دساتينها.

القاهرة: دار الإعلام العربية