تشتهر منطقة تعنايل على طريق الشام الدولية في البقاع الأوسط، أو كما يعرفها العامة باسم »منطقة الدير« بمساحة لا بأس بها من الأشجار المتنوعة التي تحولت مع الأيام إلى أهم موقع بيئي في البقاع الأوسط، لما تمتاز به المنطقة من حماية ذاتية وفرتها جهات دينية في المنطقة على مر السنين، فأصبحت المنطقة، أو منطقة الدير، نقطة جذب سياحية ومقصد عمليات تصوير سينمائي وتلفزيوني، وصولاً إلى الفيديو كليب الذي يجد »أصحابه« في »محمية« دير تعنايل مشاهد طبيعية تضفي جمالية بعيدة عن »خدع« الكمبيوتر.

والمتنزه في هذه المحمية التي تضم كروم العنب، وبحيرة خلابة، وسهولا شاسعة، قد يصادف طاقما فنيا من نجوم مشهورة يصور احد اعماله، مثل فضل شاكر أو يارا أو هيفاء وهبي، وهو الأمر الذي يزيد من زيارات السواح الذين تستهويهم رؤية النجوم أثناء التصوير.وأكثر ما تمتاز به محمية تعنايل توسط البحيرة الطبيعية المنطقة، وهي تشكل مع مستنقعات عميقة ومحمية كفرزبد ملاذاً آمناً للطيور المهاجرة وغيرها من الطيور المحلية والحيوانات البرية، والصيد ممنوع بتاتاً وبشكل مطلق.

استئجار الدراجات وركوب الخيل

ويقدم زوار المنتزه على استئجار الدراجات من أمام »الملبنة« التي تقع عند مدخل البحيرة، وهي عبارة عن مزرعة للأبقار تنتج مشتقات الحليب التي تحمل اسم »تعنايل«، والمشهورة في السوق اللبنانية على مدى العقود الماضية.

ولقاء أقل من عشرة دولارات بوسع الزائر أن يستأجر الدراجة التي تعينه على الاستمتاع بجو البحيرة وكروم العنب. كذلك يسمح لممتطي الخيول بأن يزوروا المنتزه، ولديهم طرقات مخصصة لكي يرمحوا فيها بخيولهم.

ومن المشاهد المألوفة ايضا في المزرعة اقبال كثيف من قبل جمعيات الكشافة على التخييم وتنظيم المعسكرات الصيفية وحتى الشتوية، التي تهدف الى تدريب الفتية اللبنانيين على التخالط من جهة، وعلى احترام الطبيعة واختبار امكاناتها من جهة أخرى.

ويأتي ذوو الفتية والفتيان لزيارة الأبناء في هذه المعسكرات وتوصيل احتياجات رئيسية لهم، ويخرجون من المزرعة محملين بأطايب الأجبان والألبان والعسل والمربيات التي تحمل اسم تعنايل.

كذلك تأتي فئة اخرى من الأهل بصحبة الأطفال الصغار من أجل تعريفهم على الحيوانات عن قرب، وتجدهم محيطين بالأمكنة التي يتم حلب البقر فيها، أو بالأقفاص الكبيرة التي تضم عددا منوعا من الطيور مثل الكناري والببغاء وطيور الحب.

محمية للحياة الفطرية

وتقع بحيرة تعنايل الطبيعية ضمن أراضي »دير الآباء« الذين بدأوا بتطوير البحيرة وحمايتها منذ عام 9126، إذ تقع في منخفض بسيط يقع وسط أراضيهم الزراعية الشاسعة الكثيفة بالأشجار الوارفة، وتبلغ مساحة هذه البحيرة حوالي 02 دونماً، ويراوح عمقها بما بين 3 و7 أمتار، فيما تصل مساحة المحمية الإجمالية إلى ما يقارب 022 هكتاراً.

تعتمد البحيرة، بحسب بحث للكاتب نيبال الحايك، على مياه الأمطار مصدراً رئيسياً لتغذيتها، فضلاً عن مياه نهر شتورا الموسمي الذي يتدفق جراء ذوبان الثلوج، وتشكل على مدار الفصول مصدراً لري أجزاء من أراضي المحمية أو الدير صيفاً وفق دراسة تسهم في الحفاظ على مياه البحيرة على مدار السنة.

وتعد محمية تعنايل موطناً للكثير من أنواع النباتات والحياة النباتية الفطرية، وتكثر فيها الأشجار على مختلف أنواعها مثل الحور، والدلب، والصفصاف، والأرز الكندي، والأرز اللبناني، وهي لا تلقى دعماً محلياً أو عالمياً.

ويقول المهندس فادي سركيس إن بحيرة ومحمية تعنايل بشكل عام هي من »الأراضي الزراعية الخاصة، ونحن نوليها الاهتمام والرعاية والحماية المطلوبة، وهي تشكل مقصداً لعدد كبير من المؤمنين الذين يؤمون الدير للصلاة، أو للاستمتاع بالمناظر الطبيعية«.

قوس قزح من الطين

وفي مواجهة منتزه تعنايل، طورت »جمعية قوس قزح الخيرية«، مشروع قرية نموذجية مبينة بالطين المستخرج من أرض البقاع اللبناني الخصبة، وهو المشروع الذي يستقطب السواح وتحديدا الاجانب. إن تطأ قدماك أرض الضيعة حتى تعود مئات السنين الى الوراء.

وما إن يفتح »ترباس« الباب الخشبي حتى تلج عالماً يشدّك اليه الحنين. ساحة كبيرة تنتشر حولها الغرف الطينية ذات السقف المرتكز على الدعائم الخشبية.

وفي داخلها افترش الأرض ديوان تغطيه البسط الملونة وتحيط به المساند »المجدلية« من كل جانب، وفي الحائط »يوك« مليء بالفرشات واللحف. أما على رف في الزاوية فقد وضع قنديل الكاز الذي كان يستعمل قديماً للإنارة. ولم ينسَ المصمّمون الحجر الذي كان يسند باب البيت ويمنعه من الانغلاق عند كل هبة ريح، والمحدلة التي تسرع مع بداية الشتاء الى إصلاح الطين على سطح المنزل.

بين الغرف »سطيحة« يجتمع فيها الأهل لشرب القهوة عند الصباح وفي العصر. أما »المصطبة« الحجرية فيستريح عليها أهل المنزل. المطبخ على الطراز القديم يحتوي على »كوارة« مليئة بمختلف أنواع الحبوب، و»نملية للمونة«، وبابور وموقدة للطبخ وأدوات فخارية ونحاسية، كما كان الحال أيام جدودنا.

الى جانب المطبخ فرن تنور مصنوع من المواد الأولية المعتمدة قديماً، و»قن« الدجاج وزريبة صغيرة فيها بقرة حلوب وبضعة أغنام، وكلب، وهرة تسرح داخل المنزل وخارجه.

هذه القرية النموذجية الصغيرة التي تضم 6 غرف تقليدية مع »منافعها« التراثية مطروحة للإيجار، وهي تستقبل الراغبين في الابتعاد لفترة عن الحضارة وضجيجها. عائدات إيجار هذه الغرف تعود الى المعوّقين والفقراء الذين تهتم بهم جمعية »قوس قزح« (Arc en ciel)، التي بادرت الى إطلاق المشروع.

تعنايل (منطقة البقاع اللبناني) - الحواس الخمس