الأمومة غريزة طبيعية أودعها الله، سبحانه وتعالى، في أعماق الأم لتتدفق نحو أبنائها فيضا فتشيع الدفء والحنان في نفوسهم لتصبح جزءا أساسيا في تكوينهم وشخصيتهم، فالأمومة من أدق العلاقات الإنسانية وأرقها؛ وهي شعور مركب يتجسد في خبرات وممارسات عقلية تتضمن أحاسيس دافئة تكون موجهة نحو فلذة كبدها ويغمرها سعادة شعورية أو لاشعورية.
وهي تعطي تناغما فيه كل حواسها في سيمفونية رائعة هي سيمفونية الحب الصافي. الأمومة علاقة اجتماعية فريدة من نوعها؛ فهي تعطي بلا حدود من كيانها وكينونتها، وتتجلى هذه العلاقة في التضحية والانتماء القيمي الرفيع. ولا شك أن عاطفة الأمومة في مظهرها وجوهرها تتخطى حواجز العقل والمنطق.الأم لديها مقدرة فائقة على الحس المرهف، وقد منحها الله قدرات على العطاء، فتوجد رابطة روحية قوية تربطها بأولادها، وعلاقة الأمومة ستظل دائما رمزا للعطاء والإنسانية؛ فهي باقية وصامدة وخالدة، فقد أوصانا بها الله تعالى في كتابه الكريم برا وطاعة ورعاية وقولا كريما، ووضعها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في مكانة الصدارة.
وأكد ذلك ثلاث مرات والإشادة بدور الأم سواء في تنشئة الأجيال أو في بناء الأمة بصفة عامة واجب مقدس، والتاريخ يشهد أن الذين غيروا سيرتهم وكانت حياتهم بمثابة نقطة تحول في تاريخ أمتهم، كانوا متأثرين بطريقة أو بأخرى بالأم. ترابط وتآلف الطبيب النفسي، علي الحرجان، يخبرنا عن العلاقة بين الام واطفالها، يقول: في الماضي كان الأوكسيتوسين يعرف باسم (الهورمون غير المعقد)، وكلها مرتبطة بالولادة وارضاع الوليد الجديد، والدراسة المكثفة أظهرت تأثيرات عظيمة لهذا الهورمون المثير.والدراسات الحديثة أظهرت لهذا الهورمون القدرة على زيادة ارتباط الطفل مع امه، وتداخله في الحفاظ على علاقات حميمة وطيبة وروابط نفسية وطيدة بين الام والابناء، فهو هورمون الترابط والتآلف.
وهو المسؤول عن الأحاسيس العاطفية في علاقة الامهات مع اولادهم. وقامت الدراسات الحديثة على أساس المعرفة السابقة لدور هذا الهورمون في الحياة الانجابية في الثدييات، فهو الذي يساعد الأمهات في الحيوانات الثديية على بناء الأوكار والجحور. وفي الحفاظ على مواليدها، وهو الذي يجعل الأغنام تتقبل مواليدها عندما تلتقم حلماتها للرضاعة، وأيضا هو الذي يديم علاقات الارتباط للمدى البعيد بين الامهات.
تنشئة طبيعية
ويضيف الحرجان أن اهتمام الأمهات بالأطفال يساعد في رفع درجة ذكائهم، وزيادة مهارة القراءة والذاكرة لديهم، حتى الأطفال الذين يولدون لأمهات متهاونات في إعطاء الحنان قد يطوّرون القدرات الدماغية إذا تم إرضاعهم من أمهات مهتمات وحنونات، مشيرا إلى أن إحساس الطفل بأمه يزيد حجم منطقة (الهايبوكامباس) في دماغه، تلك المنطقة المسؤولة عن الذاكرة.
ويوضح الحرجان أن أداء الأطفال الذين أظهرت أمهاتهم عناية خاصة بهم بإرضاعهم وتدليلهم كان أفضل في فحوصات الذاكرة والذكاء والتعلم مقارنة مع أداء الصغار الذين أبدت أمهاتهم بهم اهتماما أقل، مشيرا إلى أن إرضاع الأطفال يحقق الأثر نفسه في رفع ذكاء الأطفال.
غريزة منذ الصغر
ويضيف الحرجان أن غريزة الأمومة من أقوى الغرائز لدى المرأة السوية، وهى تظهر لديها فى الطفولة المبكرة حين تحتضن عروستها، وتعتنى بها، وتكبر معها هذه الغريزة وتكون أقوى من غريزة الجنس؛ فكثير من الفتيات يتزوجن فقط من أجل أن يصبحن أمهات، ودائماً لديهن حلم أن يكون لهن طفل أو طفلة يعتنين به.
ولولا هذه الغريزة القوية لعزفت معظم النساء عن الزواج والحمل والولادة، وغريزة الأمومة أقوى من الحب الأمومي،لأن الغريزة لها جذور بيولوجية (جينية وهرومونية)، أما الحب فهو حالة نفسية أقل عمقاً من الغريزة، والمرأة حين تخير بين أمومتها وبين أى شيء آخر؛ فإنها، فى حالة كونها سوية، تختار الأمومة بلا تردد.
حرمان لا يعوض
ويشير إلى أنه لما كانت الأمومة غريزة بمثل هذه القوة كان الحرمان منها شديد القسوة على المرأة العقيم؛ فهى تشعر أنها حرمت من أهم خصائصها كامرأة، ومهما حاولت أن تعوض هذا النقص؛ فإنها فى النهاية تشعر بفراغ هائل، وتشعر ألا شيء يمكن أن يملأ هذا الفراغ بداخلها.
ولذلك تظهر أعراض الاضطرابات النفسية بكثرة حتى تجد لها مخرجاً، والمخرج يمكن ان يكون بتبني طفل تمنحه حب الأمومة، أو التسامى بغريزة الأمومة من خلال رعاية الأيتام أو العمل في دور حضانة الأطفال أو رعاية أطفال العائلة أو غيرها .
ناهد حمود - دبي
