كانت النساء في القديم يقرعن الطبول، وينشدن الأناشيد الحماسية، حين كان الجنود يتجهون إلى القتال، أو حين يدافعون عن هجمات قبائل أخرى، وذلك لإدراكهم أهمية قدرة الموسيقى على بث الحماس في النفوس. ولاتزال الموسيقى والأغاني الحماسية الوطنية تحاكي الجمهور وتداعب مشاعره، و تعبر عن قضاياه تجاه الأوضاع الحاصلة.

وقد أطلق على الأغنية الوطنية في العصر الحديث العديد من التسميات مثل الأغاني الوطنية، أو الأغاني السياسية، أو الملتزمة، وتهدف جمعيها إلى خلق نوع من التغيير في مشاعر الجماهير، وإيجاد جو حماسي في أوقات المحن والحروب. وبالفعل استطاعت الساحة الفنية مع الأيام أن تفرز هذه النوعية من الأغاني، وتوحد جمهورها الذي يستطيع تذوقها ويقدر أهميتها. وهذا ما أوجد بين فترة وأخرى مهرجانات للأغنية الوطنية كتلك التي أقيمت في الأردن لأول مرة بتاريخ 23 أكتوبر من العام 2003. من أجل تجذير الهوية، و إبراز التركيز على الفنانين الذين حازوا على جوائز محلية وعربية، وإبراز الدور الهام للأغنية الوطنية، وتأثيرها على الفكر الإنساني.

تاريخ الأغنية الوطنية

بدأ ظهور الأغاني الوطنية منذ عصور متقدمة وتحديدا عندما بدأ الإنسان يتجمع مع بني جنسه هنا وهناك ونشأت الصراعات والمناسبات التي رأوا أن من واجبهم شحذ الهمم وإزكاء الشعور تجاه الأوطان والأجناس وما تطور إلى تسميته بالقوميات.

في عالمنا العربي من بدايات القرن العشرين، ظهر عدد من رواد الأغاني الذين خاطبوا الجماهير وهي تحت نير الاحتلال مثل أغاني سيد درويش في مصر الذي غنى في العام 1919 أغنية قوم يا مصري .

وكان درويش يلحن أغاني يرددها الشعب، كما وضع موسيقى الجيش، و اقتبس أغاني مستوحاة من بعض الزعماء في ذلك الزمن مثل عبارات الزعيم مصطفى النحاس بلادي .. بلادي لك حبي وفؤادي .

ولحن أيضا من نظم مصطفى صادق الرافعي أغنية مطلعها بنو مصر مكانكم. وانشد في جماعة من المتظاهرين ضد الاحتلال الانجليزي في ذلك الوقت محمسا إياهم بقوله دقت خيول الحرب يا خيالة.

وظهر في السودان المطرب السوداني حسن خليفة العطبراوي الذي احترف الغناء في العام 1935 مشتهرا بأناشيده ضد المستعمرين البريطانيين، ومن أشهرها الوطن العزيز، والأغنية التي اعتقله بسببها المستعمرون يا غريب يلا لبلدك.

وفي عامي 1946 و1947 شهدت الأمة أحداثا جساما مثل أحداث فلسطين ودمشق، إلى أن بدأ عصر الثورة التي حققت الكثير من الإنجازات، مثل السد العالي فظهرت مجموعة أغان مثل خمس فدادين التي غنتها المجموعات الغنائية، وأغنية علي الدوار للمطرب محمد قنديل.

ولا يخف على أحد أن الكثير من المطربين الذين لم يقدموا أنفسهم كمطربين وطنيين تحمسوا لغناء أغاني وطنية، مثل المطرب المصري الراحل عبد الحليم حافظ عن هذه النقطة بالذات يؤكد الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي: أن الأغنية الوطنية في مصر تألقت منذ ثورة يوليو واشترك فيها تقريبا جميع الفنانين الذين تواجدوا على الساحة في فترة الخمسينات والستينات، وكان الراحل عبد الحليم حافظ أبرز هؤلاء الفنانين، وقدم حينها نحو 15 أغنية وطنية منهما موال النهار و ابنك يقول لك يا بطل هات لي النهار وصباح الخير يا سينا و أحلف بسماها وبترابها.

ويرى الشاعر محمد حمزة أن الأغنية الوطنية بدأت قبل الثورة، وكانت تتناول مشاكل تمر بها مصر مثل القصيدة التي قدمها عبد الوهاب لدمشق وكانت بعنوان سلاماً من صبا .. إلاما الخلف بينكما إلاما والقصيدة التي قدمتها سيدة الغناء العربي أم كلثوم لبغداد.

أحداث توقد المشاعر

يرى الكثيرون أن الأغاني الوطنية التي من الممكن أن تتألق وتنتشر بين فترة وأخرى مرهونة بأحداث الأمة، وهذا ما يجعل بعض مطربي هذا الزمن يسارعون لتقديم أغاني بمناسبات معينة، دون غيرها مثل تحرير الجنوب وهذا ما يجعل بعض الفنانين الآخرين يقولون عنها انها أغان هزيلة.

وهذا لأنها لم تستمر في الذاكرة. في حين بقيت أغاني الفنانين المحترفين حاضرة تعبر عن إحساس وطني يتجدد مثل أغنية الفنانة جوليا بطرس مانرفض نحنا نموت وأغنية وين الملايين وغيرها من أغان اشتهرت بها الفنانة جوليا على مر تجربتها الفنية.

ويبقى لكل فنان تجربة ورأي مختلف بالأغنية الوطنية، وطريقة تقديمها، و كان الفنان اللبناني غسان صليبا قد اعتبر أن العمل الفني ينطلق من الإحساس الداخلي، وهو ما يدفع إلى الغناء الوطني في ظروف معينة.

فتنطلق أناشيد حماسية ونحن لسنا بحاجة إلى وجود حرب لإطلاق الأغنية الوطنية، فهي تشكل دعوة للانتماء ورفضاً للواقع الاجتماعي ربما ومن هذا المنطلق وغيره رفض بعض المغنين العرب غناء الأغاني الوطنية مثل الفنانة أليسا التي قالت: ان الأغنية الوطنية لها أربابها، وشخصيا أرى أن القضية، اكبر من أي كلام.

وكان الفنان سامي حواط الذي اشتهر قديماً بالغناء الوطني اعتبر أن غياب الأغنية الوطنية سببه السياسة وإرادة التضييق وذلك لتمرير أهدافهم التجارية من خلال أنماط فنية متشابهة.

وقال حواط صاحب أغنية من كتر ما دقيت ع بواب الفرح لقد خافوا في الماضي من تأثير هذا النوع من الغناء الذي يدفع إلى التحليل وفهم الواقع، لذلك عمدوا إلى إبعاد رموزه عن البرامج الخاصة بالأعياد الوطنية، وصنفوا الأغاني على ذوقهم وسطحوها، وبعضا من الأمور في النهاية حرب إذاعات وشركات إنتاج وتمويل.

أبوظبي - عبير يونس