قد يشعر المتابع للحركة الثقافية، بأن الثقافة منتشرة، وفي أفضل درجة من درجات التطور، والأمر ذاته بالنسبة للآداب والفنون الأخرى التي تبدو أنها تزدهر. لكن ليس من الصعوبة إدراك الخلل القائم، إذ نُظر إلى الثقافة على أنها شيء حي، نظام متكامل مكون من أجزاء مركبة ومنسجمة، فالمشاكل القائمة تنعكس على الحضارة المعاصرة.

إن موقع الثقافة بين الحرية والالتزام يشكل جوهر القضية خاصة وأن المجتمع العربي يمر بمراحل معقدة، فأزماته تتنوع وتشتد على مختلف الأصعدة، وبالتالي لن تكون الحياة الثقافية للمجتمع بمعزل عن هذا التأزم العاصف.

فالثقافة كما يقال ليست موروثا يتوالد وينمو من تلقاء نفسه، لأنها بحاجة إلى أسس وعناصر ترتكز على الاهتمام بقضية معينة، وإلى مناخ مناسب يحقق موازنة التفاعل الاجتماعي الذي من دونه تبقى الثقافة منغلقة في برج عاجي، أو مقتصرة على النخبة من الناس، ونبوغ بعضهم في مجال الأدب والشعر، والمسرح، والسينما، والفلسفة، والفكر، والفن، لن يحدث أي تغير في الواقع. إن تحقيق شرط الاستمرارية، يجب أن يحاط بأنماط اجتماعية، على أن يكون الإبداع متحررا من القيود التي ربما تكبله في بعض الأحيان.

فالحرية أهم ركيزة من ركائز الإبداع، ومن خلال هذا التلازم تظهر مسؤولية المثقفين والمبدعين، لأن عملية الإنعاش الثقافي، أو النهوض الثقافي تحتاج إلى تفاعل اجتماعي واسع. فالعمل الأدبي سواء أكان نصا شعريا أو روائيا، يصبح عاملا هاما في تطور الجماهير، لكن إن كان محروما من الانتشار سيبقى صوتا بلا صدى، أو جسدا بلا روح، والثقافة تحتاج إلى الاثنين، ومن هنا تطرح إشكالية المجتمع والثقافة، فمن دون دور فاعل للمجتمع لن يكون للثقافة أهمية في عملية النهوض الاجتماعي، والتطور العلمي والفني.

والأديب، والفنان، والمفكر، وغيرهم من المشتغلين في حقل الإبداع بحاجة إلى حرية، وعلى مؤسساتهم أن توفرها، فلا يوجد جهة ما تتحمل مع الكاتب الجدل الذي قد تثيره كتاباته سواء أكان شاعرا أو روائيا، أو مغنيا ، والأمثلة كثيرة، في هذا المجال.

وفي المحصلة يمكن القول عندما تتفاعل عناصر التكون بشكل طبيعي لا كلفة فيه، وعندما تكتمل شروط الحياة الثقافية بطريقة صحيحة، لابد أن تصل البيئة الثقافية إلى حالة من حالات الاستقرار، فإلى أن يتحقق هذا عسى أن تدرك المؤسسات المعنية جوهر هذه الأزمة، وتحاول أن تشارك بحلها بكل جدية بعيداً عن الاستعراض.

Abeer_younes@hotmail.com