عندما ينظر الإنسان من علٍ إلى عدد هائل من السيارات، الواقفة في الشارع سيذهب نظره في الحال إلى السيارة ذات اللون الأحمر، تحديدا دون غيرها، من السيارات ذات الألوان الأخرى، إنه مثال من أمثلة تفسر جاذبية هذا اللون الصارخ، وتفوقه على غيره.
وصفوه أحيانا بأنه لون مثير للرغبات والمشاعر الرخيصة، أو انه لون الرومانسية، والثقة، لكن مهما قيل يبقى لوناً دموياً، تحمله معظم الكائنات في عروقها، وهذا ما يفسر أحيانا عدم قدرة الكثيرين، على رؤية الدماء لما لها من مدلولات على كوارث بشرية قد تصل إلى مستوى الموت، ربما لهذا السبب اعتمده مصارعو الثيران الذين يستخدمون قطعة القماش الحمراء التي لا يراها الثور لأنه لا يميز الألوان، لذلك علق أحد الخبثاء قائلا «إنها تثير الجمهور فقط» وهكذا يبقى القماش الأحمر متلائما كما هو معلوم مع النهاية الدموية، لهذه اللعبة التي تنتهي بمقتل الثور، أو مقتل مصارعه.
كما يعد لون الخطر، فالإشارة الضوئية حمراء، ويمثل الأحمر كذلك علامة الخطر للاعب كرة القدم. والأحمر يعد من أقوى ألوان الطيف، وهو حار، لون الشمس، وما تملكه من دفء، و لون النار، وما تستطيع تحقيقه من التهام لكل ما تطاله، وعندما استخدمه الفنانون كان له معالجة خاصة جدا، فهو كما ذكُر يسبق كل الألوان ليستقر في النظر.
وهذا ما جعل الفنانين الروس رواد المدرسة الواقعية، الذين رسموا كثيرا عن الثورة البلشفية، أن يخففوا من حدة هذا اللون الذي لا بد أن يوضع في لوحاتهم لأنه رمز للثورة، واستطاعوا كغيرهم تخفيف حدته عند مزجه مع البني، أو الأسود، أو الأبيض، أو غيرها من ألوان، لأن وضوحه لا يمكن أن يخدم اللوحة الواقعية، فلهذا كان لا بد أن يستخدم بذكاء وحرفية.
إنه الأحمر الذي عرفه الفينيقيون الذين سكنوا سواحل بلاد الشام، قبل الميلاد بل إن اسمهم اشتق من كلمة تعني الأحمر باليونانية، لاشتهار مدن فينفيا بصناعة «الأرجوان» وهو الصباغ الأحمر الضارب إلى البنفسجي، وكانوا قد توصلوا إلى استخراجه من أصداف «الموركس».
ربما يقال عن هذا اللون الكثير، لأنه أساسي واستثنائي، له مدلولاته التي لا تتميز بها كل الألوان، فهو كبعض الأرقام التي تمتلك مدلولاتها في ذاكرة الشعوب، أو الناس، له إيقاع نفسي معين مستوحى من قيمته المادية، والجمالية ربما، فيتبدد في عوالمنا أفكار تتغير باستمرار، ولكنها لن تخرج من الدائرة المرسومة لها.
