كثيرا ما رسم الفنان الإماراتي عبد القادر الريس الأبواب، وأبدع فيها. فبعد أن شدته التراثية منها، حولها بريشته فناً يبقى، ورأى فيها، رمزاً بعيداً عن فكرتها المادية بأنها مجرد أبواب مصنوعة من خشب، أو غيره من المواد، فأبواب الريس قد تكون مغلقة على كم هائل من الأسرار، أو مفتوحة على مناظر معينة يطرح من خلالها تساؤلات، تثير مخيلة المشاهد، ربما هو مفتوح على الماضي، ربما هو فسحة أمل للمستقبل، وربما أشياء كثيرة، وذلك لما للأبواب من أفكار مجردة، وبعيدة عن فكرتها الحسية، وتكوينها الجمالي.
لم يكن الريس هو الفنان الوحيد الذي رسم الأبواب، وفي تاريخ الفن لا بد أن نستحضر ( أبواب الجحيم ) للفنان الفرنسي ( أوغست رودان ).
كما نستحضر أن فكرة الأبواب، لم تكن مجرد فكرة تشكيلية، فالأبواب قد تكون رمزاً لجملة تحمل في مضامينها ما يوحيه الباب حقا، ففي السياسة، والعلاقات الدولية وغيرها تستخدم بعض العبارات الودية التي تختزل صراعات مريرة، حين يقولون (فتحت أبواب الحوار) وتستخدم (أغلقت للدلالة) على صعوبة الموقف، وعلى ذلك الفاصل الذي مازال يحتم على كل طرف البقاء في مكانه، ونجد هذا في عبارات أخرى مثل أبواب النار، وأبواب الجنة، ونحن على أبواب الشتاء، وما إلى ذلك من احتمالات تطرحها الأبواب.
وهذا لم يأت من فراغ إنما من الفكرة المجردة للباب، بأنه الحد الفاصل، وبأنه يخفي وراءه عالما لا يعلم تفاصيله إلا من يعيش خلفه.
وربما لأهميتها اعتمد سكان الكثير من المدن القديمة، على تحصين مدنهم بأبواب عملاقة، تتناسب مع أسوارهم الشاهقة، وما زال بعض من هذه الأبواب إلى الآن يئن تحت تأثير الزمن، مستقرا في الذاكرة أن تلك القصور الملكية، أو البيوت الفخمة، لا بد أن يكون لها ما يليق من أبواب، لتحكي بالمقابل الأبواب الأخرى المتناثرة.
في مساحات الجغرافيا حكايات التواضع، تواضع الخامات هشاشتها، لذلك كان لابد لها أن تندثر مع الزمن. لأنها أبواب هشة كوجود أصحابها.
وضخامة بعض الأبواب التي بقيت وأهميتها كان لها دراسة معينة في وقتنا الراهن مثل أبواب دمشق القديمة وعلاقتها بالكواكب، أو أبواب المسجد الأقصى، وغيرها.
إذا ما زالت الأبواب هي الفاصل بين السر والعلن، بين المجهول والمعلوم، ما بين الخاص والعام. ومازالت منبعا للحكايا، والتشبيهات والإيحاءات التي نسقطها.
حتى صوت فيروز أثير ليشدو بفكرة الأبواب حين غنت:
(وبواب... بواب شي غرب شي صحاب، شي مسكر وناطر، تيرجع الغِياب).
وما أكثر الغيّاب الذين لم يبق لهم من بيوتهم إلا المفاتيح.
