أكثر الأسئلة التي تشغل الصحافيين عندما يقابلون الأدباء والكتاب من كل حقول وأشكال الإبداعات الأدبية، والتي لا يتنازل عن طرحها معظم المحاورين هي: لماذا يكتب الكاتب؟ ولمن؟ ولعل الدافع إلى طرح هذين السؤالين هي مساحة الفضول التي تشكل شخصية الصحافي الماهر، وقناعته بأن الإجابة عنهما سوف تفتح له بابا واسعا يلج من خلاله إلى أعماق تجربة هذا المبدع أو ذاك، وتتيح له الوصول إلى فضاءات الكاتب الداخلية، وهو الأمر الذي يمكّنه حسب ظنه من إزاحة شيء من الغموض، الذي طالما أحاط بشخصيات أدبية، وخلق حولها هالة من علامات الاستفهام، تبين فيما بعد ألا لزوم لها.

وعلى قدر بساطة السؤالين، إلا أنهما الأكثر تعقيدا لأنهما قد يشكلان صدمة للكاتب للوهلة الأولى، حيث يجد نفسه في مواجهة مربكة مع ذاته، إذ قد لا تكون هذه الأسئلة قد خطرت على باله، حيث تستعصي الإجابة عنها أحيانا على البعض، والبعض لا يحبذها، بينما يهرب منها البعض الآخر، في حين ينتظرها كثير من الكتاب، حيث يجدونها فرصة لمعرفة ذاتهم أكثر، وفرصة لاكتشاف دوافعهم الحقيقية إلى الكتابة.

بعض الكتاب تمنحهم الكتابة راحة عميقة، خاصة وأنهم الفئة الأكثر ميلا من غيرها نحو محاسبة الذات. وآخرون يلجأون إلى الكتابة سعيا للتصبّر على معايشة الغربة، فيكتبون دفاعا عن خصوصيتهم. وهناك من يؤكد بأنه يكتب ليقتسم ما يعرفه وحتى ما يجهله، فقط ليثبت وجوده.

ويرى الكاتب الاسباني خافيير مارياس بأن كتابة الرواية تتيح للروائي أن يعيش جزءا من وقته سابحا في الخيال، فالخيال هو المكان الوحيد الذي يطاق، أو أكثر الأماكن التي يمكن احتمالها. أما مواطنه لويس دييث فالكتابة في رأيه - والرواية خاصة- هي نوع ملائم لمعرفة الحقيقة والسلوك الاجتماعي والنفسي للإنسان، ففي كل فن روائي تكون الحياة مصدرا ما لتقليدها أو تعويضها، لكن الكتابة في عمقها تعني عدم استنساخ الحياة وإنما تعويضها.

أما أكثر الكتاب مباشرة ووضوحا في إجابته فهو أيضا الإسباني خافيير غارثيا سانجث الذي يكتب لشعوره الدائم بأنه يفتقد للقدرة الداخلية على معاشرة العالم الخارجي، بما في ذلك البشر والأشياء وخصوصا البشر، ويكتب لأنه لا يعرف عمل شيء آخر، كما أنه يكتب لشعوره بأنه عالة في هذه الحياة، ويكتب لأنه يود أن يحل لغزا، خاصة إذا كان هو محور الكتابة، ويكتب لأنه قرر أن يتتبع مسار البحث الداخلي، والذي لخصه بجملة (أنا قد كنت)، ويكتب لأنه يؤمن بقوة الخيال، كقوة وحيدة تستطيع أن ترعب الحقيقة الشرسة، ويكتب ليتحرر من الخوف والألم.

وكثيرون يكتبون، لأنهم يحققون أحلام وكوابيس الكثيرين، لأن الكتابة هي ملجأ وبلسم.. وجع ومسكن..عقاب وثواب. الكتابة إيمان لدى الجميع بالجمال والكرم والابتسامة والشرف. ويلخص مواطنهم الأخير خوسيه لويس سانبيدرو إجابته (أن الأدب الحقيقي هو عندما يُكتب بدافع حاجة داخلية).

falhudaidi@albayan.ae