كريستوفر غرايمز
كانت بريتاني بروسكي تعمل بأحد بنوك في دالاس عام 2019 عندما وجدت نفسها تدخل فجأة عالم الشهرة والنجومية على الإنترنت، فقد نشرت مقطع فيديو قصيراً ومضحكاً على تيك توك، يظهر فقط ردة فعلها عند تذوقها مشروب الكومبوتشا لأول مرة، لكن سرعان ما انتشر المقطع عالمياً. وقررت ترك البنك وحزمت حقائبها وانتقلت إلى لوس أنجلوس لبدء مسيرتها المهنية في مجال مقاطع الفيديو، ساعيةً لتحقيق حلم قديم قدم هوليوود. ومنذ ذلك الحين، ظهرت في إعلان خلال مباراة السوبر بول، وأطلقت بودكاست يتم تصنيفه ضمن أفضل 50 بودكاست في الولايات المتحدة، وأسست «بريتاني بروسكيز رويال كورت»، وهي سلسلة فيديوهات مميزة على يوتيوب، تتضمن مقابلات مع مشاهير مثل الممثلة بري لارسون، والممثلين كايل ماكلاشلان، وفريد أرميسن. وقد اختارتها مجلة تايم ضمن أفضل 50 صانع محتوى لعام 2025.
وتقول: بدأ الأمر في غرفة بالمنزل، والآن لديّ استوديو متكامل مع فريق عمل يضم نحو 15 شخصاً. وتضيف: نتلقى طلبات من ممثلين من الصف الأول يرغبون في الظهور في البرنامج. لذلك، أعتقد بأن إمكانيات هذا البرنامج لا حدود لها. وتُعدّ بروسكي جزءاً من عدد متزايد من صانعي المحتوى على يوتيوب والذين أطلقوا استوديوهاتهم المستقلة في ظل هيمنة ديزني ويونيفرسال ووارنر بروس. ويقول مسؤولون تنفيذيون في يوتيوب، بقيادة الرئيس التنفيذي نيل موهان، إن هؤلاء المبدعين يتصدرون طليعة هوليوود الجديدة التي تُحدث تحولاً جذرياً في صناعة الترفيه.
إن فكرة إعلان قسم من شركة ألفابت - التي تبلغ قيمتها السوقية 3.75 تريليونات دولار - عن بزوغ فجر هوليوود الجديدة تعد صدمة للشركات التي هيمنت طويلاً على إنتاج البرامج التلفزيونية والأفلام. لكن الأمر يثير قلقاً بالغاً في هذه اللحظة بالذات في هوليوود القديمة، التي تعاني من انكماش مستمر منذ سنوات بسبب الجائحة، والإضرابات العمالية، وتراجع إيرادات شباك التذاكر، والأهم من ذلك كله، التأثير المدمر للبث المباشر.
ويقول مايكل ناثانسون، المحلل المخضرم في مجال الإعلام والترفيه في شركة موفيت ناثانسون للأبحاث: إن الجميع في هوليوود يدركون مدى تنافسية يوتيوب وحجمه الهائل. لقد بدأوا جميعاً يولونه اهتماماً. كان العاملون في هوليوود يستهينون بالمبدعين، لكنّ هؤلاء المبدعين باتوا نجوماً حقيقيين. وفي عصر باتت فيه القدرة على جذب انتباه الجمهور هي المعيار في عالم الترفيه، أصبح يوتيوب من المنصات الأساسية القليلة القادرة على دمج محتوى جديد يجذب جيل الإنترنت مع البرامج التي كانت تُشكل في السابق عماد تلفزيون الكابل. ويُعدّ يوتيوب، الذي بلغ عامه العشرين هذا العام، المنصة الرائدة في مجال البودكاست، وقوة مؤثرة في عالم الموسيقى، وله حضور متزايد في البث المباشر للأحداث الرياضية. وقد استطاع، بطريقة شبه خفية، أن يغزو غرف المعيشة الأمريكية. فمنذ عام 2024، أصبح الأمريكيون يشاهدون محتوى يوتيوب بشكل أساسي على أجهزة التلفاز، وليس على هواتفهم أو أجهزتهم الأخرى. ويتصدر يوتيوب الآن سوق استهلاك خدمات التلفزيون والبث المباشر في الولايات المتحدة، متفوقاً على نتفليكس وديزني وأمازون برايم فيديو.
مع ذلك، لا يُقضى كل هذا الوقت في مشاهدة محتوى صناع المحتوى على يوتيوب. فمثل شركات التكنولوجيا الأخرى العاملة في هوليوود - بما في ذلك آبل وأمازون ونتفليكس - يسعى يوتيوب إلى الحصول على حقوق بث الأحداث الرياضية وغيرها من الفعاليات المباشرة التي لا تزال تجذب جماهير غفيرة على شاشات التلفزيون التقليدية. وقد حصل بالفعل على حقوق بث مباريات دوري كرة القدم الأمريكية، وبثّ أول مباراة في هذا الموسم مجاناً، مباشرةً من البرازيل.
وهذا الشهر، حصل يوتيوب على حقوق بث حدث آخر كان، على الأقل في الماضي، قادراً على جذب جماهير غفيرة على شاشات التلفزيون، فابتداءً من عام 2029، سيبدأ موقع يوتيوب ببث حفل توزيع جوائز الأوسكار حصرياً، منهياً بذلك علاقة دامت 50 عاماً بين شبكة ايه بي سي وأكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة.
ويُتوقع أن يُعزز بث الحفل هدف الرئيس التنفيذي ليوتيوب، موهان، بأن تكون المنصة مركزاً للثقافة، مع إمكانية توسيع قاعدة جمهور الأوسكار، الذي يشهد تراجعاً منذ عقود. وكانت المشاهدات بلغت ذروتها عند 57 مليوناً عام 1998، عندما اكتسح فيلم تايتانيك الجوائز، لكنها واصلت الانخفاض إلى 19.7 مليوناً فقط عام 2025. ويسعى يوتيوب، كما فعلت نتفليكس من قبل، إلى ترسيخ وجوده في مؤسسات هوليوود المرموقة الأخرى. وهذا الصيف، دعمت يوتيوب حملات صناع المحتوى لديها الطامحين للفوز بجوائز إيمي، أرفع جائزة في التلفزيون الأمريكي. وألقت يوتيوب هذا العام بثقلها في نزاعات مع مجموعات إعلامية تقليدية حول رسوم بث البرامج الرياضية - آخر فئة لا تزال تجذب إليها جماهير غفيرة - وبرامج أخرى. ويشبه الخلاف حول المبلغ الذي تدفعه يوتيوب لبث المحتوى على خدمة التلفزيون المدفوع الخاصة بها معارك التوزيع التي خاضتها شركات الإعلام لعقود مع شركات الكابل.
ويأتي ذلك، مع تراجع اثنين من استوديوهات هوليوود الأسطورية - باراماونت ووارنر بروس - إلى درجة جعلتهما هدفاً للاستحواذ، وهو ما يبرز حقيقةً قاسيةً مفادها أن قطاعي السينما والتلفزيون التقليديين، وهما عصب هوليوود، يتم الاستحواذ عليهما من قِبل منصات البث الكبرى. من ناحية أخرى، تفرض المنافسة الشرسة قوانينها على منشئي المحتوى على يوتيوب، حيث يتنافس 20 مليون فيديو جديد يومياً لجذب الانتباه. يقوم منشئو المحتوى على يوتيوب بإنتاج الفيديو وتحميله، ولا يتقاضون أجراً إلا إذا شاهده الجمهور. فإذا زاد عدد المشاهدين، يجذب ذلك المعلنين، ويدفع يوتيوب لمنشئي المحتوى 55 % من العائدات.
وكانت نتفليكس أحدثت ثورة في هوليوود بدفعها للمواهب مقدماً بدلاً من النموذج القديم الذي كان يسمح للممثلين والمنتجين بالحصول على أرباح لاحقة مرتبطة بنجاح أعمالهم. ويُعد نموذج يوتيوب خروجاً أكبر عن معايير هوليوود القديمة.
وفي سبتمبر، أعلنت يوتيوب أنها دفعت أكثر من 100 مليار دولار للمبدعين والفنانين والمجموعات الإعلامية منذ عام 2021. وفي الربع الأخير، ارتفعت عائدات إعلانات يوتيوب بنسبة 15 % لتصل إلى 10.3 مليارات دولار. كما ارتفع عدد قنوات يوتيوب التي تربح أكثر من 100 ألف دولار من أجهزة التلفزيون الذكية بنسبة 45 % مقارنةً بالعام السابق. وجعل نموذج يوتيوب العديد من المبدعين أثرياء جداً، وعلى رأسهم مستر بيست (اسمه الحقيقي: جيمي دونالدسون) الذي حصدت مقاطع الفيديو التي يقدمها من خلال حركات بهلوانية ومسابقات أرباحاً بلغت 85 مليون دولار، وذلك وفقاً لمجلة فوربس. وتضم قناة دونالدسون على يوتيوب 455 مليون مشترك يتابعون مقاطع الفيديو، مثل فيديو لعبة الحبار في الواقع بقيمة 456 ألف دولار!، والذي حصد 892 مليون مشاهدة.
مع ذلك، يتطلب النجاح في مجال صناعة المحتوى جهداً كبيراً فهم مسؤولون عن إنتاج فيديوهات تجذب المشاهدين، واستقطاب المعلنين، وإبرام اتفاقيات رعاية مع العلامات التجارية. والخبر السار هو أن السوق في نمو مستمر. ومن المتوقع أن يصل حجم سوق الإعلانات في اقتصاد صناع المحتوى إلى 37 مليار دولار هذا العام، بزيادة قدرها 26 % عن العام الماضي، وفقاً لتقديرات مكتب الإعلان التفاعلي. ويتوقع المكتب أن يرتفع حجم السوق بنسبة
18 % أخرى في عام 2026. ويستحوذ موقع يوتيوب تدريجياً على حصة من البرامج التي لطالما كانت ركيزة أساسية لشبكات التلفزيون. ولذلك، في عام 2015، أعاد شون إيفانز ابتكار برنامج الحوارات ليناسب عصر يوتيوب من خلال برنامجه هوت وانز. في كل حلقة، يُجري مقابلة مع أحد المشاهير بينما يتناولان أجنحة دجاج حارة بشكل متزايد. من بين ضيوفه غوردون رامزي، وجينيفر لورانس، وبيلي إيليش، وشاكيل أونيل، ويبلغ عدد مشتركي البرنامج 15 مليون مشترك. بِيعت الشركة الأم للبرنامج، فيرست وي فيست، العام الماضي مقابل 82.5 مليون دولار. واستلهم العديد من مستخدمي يوتيوب من برنامج إيفانز - الذي لا يزال يحقق نجاحاً كبيراً بعد عقد من الزمن - ومن بينهم بروسكي. وكان برنامج هوت وانز هو الذي ألهمها لإطلاق برنامجها الحواري الخاص رويال كورت، الذي وصل عدد مشتركيه إلى 858 ألف مشترك.
وتكتسب هذه التوجهات الجديدة لبرامج الحوار التلفزيونية جمهوراً أوسع في وقتٍ يُحيط فيه الغموض بمستقبل برامج الكوميديا الليلية على التلفزيون. وقد أدى الضغط السياسي على مقدمي البرامج الحوارية وشبكاتهم إلى تساؤلات حول ما إذا كان يوتيوب هو المنصة الأنسب لهم. ويشاهد الكثيرون مقاطع من حلقات البرامج الحوارية الليلية على يوتيوب على أي حال، وغالباً ما يتجاهلون بقية البرنامج.
