ريتشارد ووترز

لم يكن هناك شك في أن عام 2025 سيكون عاماً استثنائياً آخر للذكاء الاصطناعي، لكن قليلين أدركوا مدى سيطرة مطوري الذكاء الاصطناعي على هذا المجال مقارنة بمستخدميه، أو كيف سيبدأ هذا الخلل في التأثير على وول ستريت.

وقد انشغل المستثمرون طوال العام بالزيادة المطردة في حجم رأس المال المستثمر في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، وتوقعت مورغان ستانلي نمو الإنفاق بنسبة 20 - 25 %.

وبحلول الشهر الماضي ارتفعت هذه التوقعات إلى 68 %، مع وصول الإجمالي إلى 470 مليار دولار قبل أن يقفز مجدداً إلى 620 مليار دولار في عام 2026.

وحتى هذا الرقم يبدو ضئيلاً مقارنة بالصفقات الضخمة، التي تم توقيعها في النصف الثاني من هذا العام، وعلى رأسها مراكز البيانات الجديدة، التي تبلغ قيمتها 1.4 تريليون دولار والمرتبطة بشركة «أوبن أيه آي».

وفي الوقت الحالي تشير الشركات الرائدة في هذا المجال إلى أن الطلب على هذه القدرات الجديدة يفوق العرض بشكل ملحوظ، وهو ما يجعل الوضع الحالي مختلفاً تماماً عن جنون الإنترنت في أواخر التسعينيات، حين تجاوزت جميع شبكات الاتصالات الجديدة الاحتياجات بكثير.

وعندما يواكب العرض هذا التطور فعلينا أن نترقب ما سيحدث لاحقاً، لكن ذلك قد لا يحدث قريباً، إذ تهدد معوقات - مثل نقص الطاقة الكهربائية - بإبطاء التقدم، وهذا من شأنه أن يمنح الأفضلية في العام المقبل للشركات، التي طورت بالفعل خبرة في بناء وإدارة الأنظمة على نطاق واسع.

وثمة جانب آخر جدير بالذكر في ازدهار هذا العام لشركات تطوير الذكاء الاصطناعي، وهو ارتفاع قيمة الشركات التي تدرب النماذج الرائدة، ومع بداية العام لم يكن هذا الأمر مرجحاً.

فقد بدا أنها وصلت إلى طريق مسدود، مع تناقص العائدات من ضخ كميات هائلة من البيانات وقوة الحوسبة في حل المشكلة. في الوقت نفسه هددت تكاليف التدريب المنخفضة للغاية، التي أعلنت عنها شركة «ديب سيك» الصينية بظهور موجة جديدة ثورية من الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر.

وفي النهاية استمرت النماذج الرائدة في التحسن، مع تحول التركيز إلى تقنيات ما بعد التدريب، ولم يتحول العالم بعد إلى البرمجيات مفتوحة المصدر. وكانت النتائج مذهلة، وقبل ما يزيد قليلاً على عام اختتمت «أوبن أيه آي» جولة تمويلية قدرت قيمتها بـ 157 مليار دولار. والآن تشير التقارير إلى أنها تسعى جاهدة للوصول إلى قيمة تتجاوز 800 مليار دولار.

وقد حذت شركات أخرى حذوها، حيث تستهدف شركة «أنثروبيك» قيمة تتجاوز 300 مليار دولار (بلغت قيمتها في جولتها الأخيرة عام 2024 نحو 18 مليار دولار)، بينما ترى شركة «إكس أيه آي» أن قيمتها تبلغ 230 مليار دولار (مقارنة بـ 50 مليار دولار سابقاً).

ولا يزال عدد هذه الشركات التي ستكون مطلوبة في نهاية المطاف، أو كيف سيبدو وضعها الاقتصادي على المدى الطويل، موضع تكهنات، ولذلك فإنه إما أن تصبح هذه الشركات المنصات المهيمنة في عصر الذكاء الاصطناعي، وإما أنها ستكافح من أجل التميز وتواجه خطر التحول إلى سلعة، والإجابة عن هذا السؤال ليست أوضح مما كانت عليه قبل عام.

ومن الاعتبارات المهمة في كل ذلك هو سعر الرموز الرقمية، التي تمثل الناتج الرئيسي لهذه الشركات النموذجية، فقد استمرت الأسعار في الانهيار طوال العام، فمقابل 1.10 دولار فقط يستطيع مستخدمو معالج «جيميناي 3 فلاش» من جوجل، الذي أطلق الأسبوع الماضي، الحصول على نفس مستوى الذكاء الاصطناعي، الذي كان سيكلف 65 دولاراً قبل عامين ونصف مع معالج «جي بي تي - 4» الجديد آنذاك.

وذلك وفقاً لحسابات توماش تونغوز، المستثمر في رأس المال المخاطر، ويتماشى هذا مع التحسن السنوي بمقدار عشرة أضعاف في نسبة السعر إلى الأداء، والذي تقول شركة «أندريسن هورويتز» إنه أصبح معياراً للنماذج الرائدة.

ويمكن أن يؤدي هذا الانخفاض الحاد في الأسعار إلى تفضيل الشركات التي تسيطر على أجزاء أكبر من بنية التكنولوجيا، بدءاً من الرقائق الإلكترونية، وصولاً إلى مراكز البيانات والتطبيقات - وهو أحد أسباب عودة أسهم شركة «ألفابت» إلى الواجهة في سوق الأسهم، كما يفترض أن يسرع ذلك من انتشار التكنولوجيا على نطاق واسع.

كانت هناك مؤشرات على ازدياد استخدام «شات جي بي تي»، لكن الإيرادات لم تكن كذلك. وقبل عام كان 300 مليون شخص يستخدمون «شات جي بي تي» مرة واحدة على الأقل أسبوعياً، وقد ارتفع هذا العدد إلى أكثر من 800 مليون.

وأصبحت برامج المساعدة البرمجية عنصراً أساسياً في عالم البرمجيات، لكن عام 2025 لم يشهد ظهور أي تطبيقات جديدة رائدة للمستهلكين تدعم استخداماً أوسع لهذه التقنية، أو أي مؤشر على موعد انطلاق إنفاق الشركات على الذكاء الاصطناعي التوليدي.

في ظل هذه الظروف لم يكن من المستغرب انتشار الحديث عن فقاعة الذكاء الاصطناعي، وقد جعل هذا ازدهار الذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل كبير على عدد قليل من شركات التكنولوجيا الكبرى ذات الميزانيات العمومية القوية والتدفقات النقدية المستقرة.

فثماني شركات تكنولوجيا أمريكية، من بينها شركات رائدة في مجال الحوسبة السحابية والإنترنت، بالإضافة إلى شركتي تصنيع الرقائق «انفيديا» و«برودكوم» تقدر قيمتها الآن بتريليون دولار أو أكثر.

وقد حققت هذه الشركات مجتمعة مكاسب بلغت 4.7 تريليونات دولار، ما عزز مسارها في سوق الأسهم، الذي شهد ارتفاع قيمتها بمقدار ثلاثة أضعاف تقريباً منذ إطلاق «شات جي بي تي»، لتصل إلى 23 تريليون دولار.

وحتى الآن أثبتت هذه الشركات التقنية الرائدة جدارتها في تلبية متطلبات التوسع في مجال الذكاء الاصطناعي، فقد حققت تدفقات نقدية حرة مجتمعة بلغت حوالي 300 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام .

- وهو نفس الرقم المسجل في العام السابق - على الرغم من زيادة إنفاقها الرأسمالي الإجمالي بمقدار 100 مليار دولار، لكن إذا استمر ازدهار الذكاء الاصطناعي بوتيرته المتسارعة حتى عام 2026 فقد تبدأ الضغوط بالظهور.