إيلين مور

يقول البعض إنه لا يزال من السهل معرفة إذا كان النص مكتوباً بواسطة الذكاء الاصطناعي: النص رتيب وممل للغاية. وحتى لو بدا مثيراً للإعجاب ظاهرياً، فإنه يفتقر إلى التميز. لكن الأمر لم يعد سهلاً بالمرة.

ما عليك سوى أن تقرأ أدلة «كيفية اكتشاف الذكاء الاصطناعي غير المعلن» على مواقع مثل «ويكيبيديا»، حيث ستجد الكثير من النصائح المتناقضة. ويُفترض أن يكون كل من التكرار والتنوع مؤشرين، لكنّ مزودي أدوات الكشف عن المحتوى المنتج بواسطة الذكاء الاصطناعي يُقرون هم أنفسهم بأن نماذج الذكاء الاصطناعي تتطور باستمرار، لذا لا يمكنهم ضمان الدقة. ولم يمنع ذلك هذا ظهور عدد كبير من «الخبراء» على الإنترنت ممن يدعون قدرتهم على التمييز بين ما كتب ظاهرياً بواسطة إنسان وما أنتج بواسطة الذكاء الاصطناعي.

إن فكرة امتلاكنا قدرةً فطريةً على استشعار عمق الكلمات البشرية ما هي إلا وهم. أعرف ذلك لأنني خدعت مرات عدة خلال العام الماضي، بل وأضعت 15 دقيقة كاملة من وقتي في التحدث إلى روبوت دردشة منتحلاً صفة وكيل عقارات على واتساب. وبالرجوع إلى تلك التجربة بالذات، فربما كان اهتمامه المفرط ببحثي عن شقة دليلاً كافياً لكشف زيفه. لكن لم يكن في كلامه أي شيء غير عادي. في الواقع، السبب الوحيد الذي جعلني أعرف أنه روبوت دردشة هو أنه أخبرني بذلك، وهو أمر أثار غضبي الشديد حتى من نفسي لدرجة أنني حظرته فوراً.

وإليكم بعض الإحصائيات التي وجدتها لأخفف عن نفسي عن تلك التجربة، فقد أظهر استطلاع أجرته شركة إيبسوس على 9000 شخص، ونشر الشهر الماضي، أن 97 % من الناس لم يتمكنوا من التمييز بين أغنية مولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي وأخرى من تأليف موسيقي إنسان. كذلك، كشف استطلاع أجرته جامعة بيتسبرغ العام الماضي على أكثر من 1600 شخص طلب منهم قراءة قصائد شعرية من تأليف البشر ومن نتاج الذكاء الاصطناعي، أنهم كانوا أكثر ميلاً لتخمين أن القصائد المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي كتبت بواسطة بشر.

وهكذا، تتعارض هذه الدراسات مع الفكرة الشائعة لدينا بأننا نستطيع بالفطرة تمييز ما هو مولد بواسطة الذكاء الاصطناعي. صحيح أن أفضل الكتابات تتميز بدفءٍ أو غرابةٍ ملموسة يصعب محاكاتها. لكن الكثير من الكتابات لا تتسم بذلك. فالعالم مليء بنصوصٍ باهتة، ويستخدم معظمها لتدريب نماذج لغوية ضخمة. والنصوص المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي ما هي إلا انعكاس لهذا الواقع.

لا يعني ذلك أن نماذج الذكاء الاصطناعي لا تستخدم جملاً ذات أطوالٍ غريبة، أو تكثر من استخدام كلماتٍ معينة. هي تفعل ذلك، لكن ليس بالقدر الكافي لأن تكون هذه مؤشراتٍ قاطعة. وبالفعل، كانت النصوص المولدة بالذكاء الاصطناعي في بداياتها أكثر وضوحاً وأسهل في اكتشافها، لأنها كانت خاطئة في الغالب. أما الآن، فنحن في وضع مُربك، حيث أصبحت الأعمال المولدة بالذكاء الاصطناعي أكثر دقةً بل ويتم تشجيعها في أماكن العمل، ومع ذلك فهي لا تزال تحصل على تصنيف متدن لدرجة أن استخدامها غير المعلن يعتبر مخجلاً.

على الرغم من ذلك، لا يوجد إقبال يذكر على العلامات المائية التي من شأنها تمييز الأمور، فقد نجحت شركات التكنولوجيا ببراعة في إقناع العالم بأن أي نوع من القيود سيأتي على حساب «الفوز في السباق». ولذلك، قرر الاتحاد الأوروبي تأجيل تطبيق جزء من قانون الذكاء الاصطناعي الخاص به. كما يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منع قوانين الذكاء الاصطناعي على مستوى الولايات.

ويضعنا هذا الأمر في مأزق. وينصح البعض بأنك إذا شككت في أن شيئاً ما كُتب بواسطة الذكاء الاصطناعي، يمكنك أن تسأل «جروك»: هل هذا حقيقي؟ أو أن تنسخه وتضعه على أدوات كشف الذكاء الاصطناعي مثل «جي بي تي زيرو» GPTZero أو «كوبي ليكس» Copyleaks أو «سيرفر» Surfer، لكن في كل الأحوال لا يوجد هناك حل مثالي.

ومن المفارقة أنه حتى برنامج «سيرفر» لديه أداة «تضفي طابعاً بشرياً» على عمل الذكاء الاصطناعي. وعندما أدخلت نصاً من الذكاء الاصطناعي في أداة «إضفاء الطابع البشري» ثم أعدته إلى أداة كشف الذكاء الاصطناعي في برنامج «سيرفر» نفسه، أخبرني أن الكلمات كتبت بنسبة 100 % بواسطة إنسان.

لا يبقى أمامنا سوى السياق، فإذا كنت تعرف أن أسلوب تواصل شخص ما بسيط، ثم تجده فجأة يكتب نصاً منمقاً من 800 كلمة، فمن الغالب حينها أن يكون مولداً بواسطة الذكاء الاصطناعي. وإذا حاول وكيل عقارات لطيف الدردشة معك على واتساب، من المهم أن تسأله إن كان حقيقياً.

إن بعض الأخطاء مثل الأخطاء الإملائية غالباً ما تعني أن شيئاً ما مولد بشرياً أيضاً، لكن لا تتهاون. ألم تلاحظ أن شركات الذكاء الاصطناعي قللت من استخدام الشرطات الطويلة بمجرد أن بدأ الناس يعتبرونها علامة تحذير؟ إذا كانت الأخطاء الإملائية هي كل ما يتطلبه الأمر لتوليد الثقة في النصوص التي يحللها الذكاء الاصطناعي، فسيكون من السهل برمجتها.