آلان بيتي

من السهل ملاحظة أن مؤسسة كالاتحاد الأوروبي تعتمد على القواعد والإجراءات المتكررة، لا تكون في أفضل حالاتها عندما تحاول القيام بشيء ما للمرة الأولى، سواء في التجارة أو غيرها.

ولنستذكر هنا، على سبيل المثال، كيفية استجابة التكتل الأوروبي لأزمة المهاجرين عام 2015 أو أزمة ديون منطقة اليورو، عندما اضطر الاتحاد إلى الارتجال في الاستجابة مع ابتكار أدوات لاستخدامها خلال هذه العملية. مع ذلك، لا يُمكن استخدام هذا ذريعة لتقصير الاتحاد الأوروبي (أو على الأقل تعثره) في إحدى أهم وأسرع الخطوات التي يُمكنه اتخاذها لتعزيز نفوذه الجيواقتصادي، ألا وهي إقرار اتفاقية التجارة مع ميركوسور. فقد بدأت المفاوضات عام 1999، ووُقع الاتفاق عام 2019، ثم جرى تعديله لاحقاً بعد اعتراضات أوروبية.

وبعد كل ذلك، فقد تقرر تأجيل التصديق عليه حتى العام المقبل على الأقل، بسبب اعتراضات المزارعين الإيطاليين والفرنسيين. ومن الطبيعي أن يشعر الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي بذل جهوداً جبارة في دفع هذا الاتفاق قدماً، بالكثير من الاستياء.

إن إبرام وتنفيذ اتفاقيات تجارية ضخمة ومتعددة الجوانب هو أمر يُفترض أن يُجيده الاتحاد الأوروبي. فهو يمتلك آلية تفاوض متطورة للغاية، ونظاماً للبناء والحفاظ على توافق الآراء داخلياً. وفي هذه الحالة، ينبغي أن تتضافر الأسباب التجارية المعتادة لإبرام الاتفاق -كحصول صناعة السيارات الألمانية على إمكانية الوصول إلى سوق أمريكا الجنوبية- مع ضرورة إظهار الاتحاد الأوروبي لاعباً جيوسياسياً بين الاقتصادات الكبرى متوسطة الدخل، في وقت تُبعده فيه الولايات المتحدة. ويُعد هذا الأمر مناسباً للغاية الآن بصفة خاصة، ولا سيما أن أقرب أصدقاء الرئيس دونالد ترامب في أمريكا اللاتينية، وربما صديقه الوحيد، هو خافيير ميلي. ويُكثر الرئيس الأرجنتيني من توجيه الانتقادات اللاذعة إلى ميركوسور، لكنه يُقر بأن توقيع هذه الاتفاقية سيكون مكسباً صافياً للتجارة الحرة.

ويصر المزارعون الفرنسيون والإيطاليون على تعطيل هذه الاتفاقية. ويُجادل جون كلارك، كبير مفاوضي التجارة الزراعية السابق في الاتحاد الأوروبي، والذي يمتلك خبرة طويلة وعميقة في هذا المجال، مُحِقاً في أن للمزارعين بعض الأسباب للاعتراض على تغييرات الدعم الزراعي الذي يُقدمه الاتحاد الأوروبي، لكن إلقاء اللوم على ميركوسور أو أي اتفاقية تجارية أخرى هو أمر مضلل، في واقع الأمر.

والخلافات داخل الاتحاد الأوروبي حول ميركوسور ليست جديدة على الإطلاق، لكن زادتها الأخطار الجيوسياسية بشكل حاد. وليس الأمر أن الاتحاد الأوروبي لا يرغب في أن يكون قوة جيواقتصادية، بل إنه لا يرغب في ذلك بالقدر الكافي، أو بتعبير أدق، بعض الدول الأعضاء لا ترغب في ذلك بالقدر الكافي. هل سيتم إقرار اتفاقية السوق المشتركة بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور في العام الجديد؟ الأمر مؤكد إلى حد بعيد، لكن في كل الأحوال، فقد تضررت مصداقية الاتحاد الأوروبي الجيوسياسية بالفعل.

والسؤال الآن: هل لا يزال «تأثير بروكسل» قائماً؟ وهل يمارس الاتحاد الأوروبي قوته الناعمة من خلال دوره كونه جهة تنظيمية عليا؟ إلى حد ما، لم يعد التأثير كما كان؛ فقد واجهت لوائح الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالتكنولوجيا صعوبة في تحقيق التأثير نفسه الذي تُحدثه، على سبيل المثال، قواعده الكيميائية على قطاع التصنيع، ولا سيما أن أوروبا ليست لاعباً رئيسياً في الصناعة الأولى كما هي في الثانية.

ويعاني التكتل من ردة الفعل العامة ضد السياسات الخضراء، مع تزايد الضغوط من الولايات المتحدة. وقد تم تأجيل لائحة مواجهة إزالة الغابات، التي تمنع بيع المنتجات المصنعة على الأراضي التي أُزيلت منها الغابات أخيراً، لمدة عام آخر. كما خُففت متطلبات الامتثال لها بشكل كبير. ويمكن تصور تجميدها إلى أجل غير مسمى، أو على الأقل تحويلها إلى مجرد إجراء روتيني للإبلاغ. أما نظام العناية الواجبة لاستدامة الشركات فيما يتعلق بالبيئة وحقوق الإنسان، فقد نجا بصعوبة بالغة، ولكنه مُثقل بجراح عميقة.

وغالباً ما يكون هناك جانب مظلم وراء ما يُعرف بـ«تأثير بروكسل»، حيث تتسامح الشركات الأوروبية مع التنظيمات الصارمة لأنها تعلم أنها تُبعد المنافسة الأجنبية، ولكن إذا كان الامتثال صعباً للغاية، والغموض كبيراً، فإن الشركات التي -من المفترض- تُفضل القواعد، تُصبح مُتشككة. وعلى سبيل المثال، فإن آلية تعديل الكربون الحدودية للاتحاد الأوروبي غير مرغوبة لدى شركات الصلب وغيرها من الشركات التي ينبغي أن تستفيد من الحماية من المنافسة الأجنبية الرخيصة.

وقد أثار قانون مكافحة إزالة الغابات استياء أكبر لدى الشركات الأوروبية المتضررة، التي تُبدي قلقاً بالغاً حيال التكاليف لدرجة أنها تُفضل عدم تطبيقه بتاتاً والتخلي عن أي ميزة تنافسية محتملة على الشركات الأجنبية، أما في حالة قانون العناية الواجبة، فإن اقتصاره على شركات الاتحاد الأوروبي أو الشركات التي تُحقق مبيعات كبيرة داخل الاتحاد الأوروبي، هدد الشركات الأوروبية بوضعها في موقف تنافسي غير مواتٍ منذ البداية. لذلك، يتعين على المفوضية الأوروبية التفكير ملياً في كيفية جعل اللوائح التجارية مقبولة، ولا سيما فيما يتعلق بأعباء البيروقراطية والامتثال.