آن سيلفين شاساني - هنري فوي - أدريان

بذل المستشار الألماني فريدريش ميرز جهوداً كبيرة خلال الفترة الأخيرة لإقناع قادة الاتحاد الأوروبي باستخدام 210 مليارات يورو من الأصول السيادية الروسية المجمدة لمساعدة أوكرانيا، لكنه أدرك أنه يفتقد حليفاً أساسياً: الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

في الأسابيع التي سبقت قمة بروكسل، الخميس الماضي، لم يعارض الرئيس الفرنسي علنًا الاقتراح الألماني، إلا أن الفرنسيين، في جلسات خاصة، عبروا عن تحفظات حول شرعيته، وحذروا من أن البلاد المثقلة بالديون ستواجه صعوبة في إصدار ضمان وطني حال اضطرارها لإعادة الأصول إلى موسكو في غضون مهلة قصيرة.

ومع انضمام المزيد من الدول، بما فيها إيطاليا، إلى بلجيكا، حيث تتركز معظم الأصول الروسية، والتي عارضت حكومتها الخطة منذ البداية، انضم ماكرون إلى هذه الدول، وأجهض الفكرة.

ويُبرز هذا المأزق ديناميكية جديدة بين أكبر قوتين في أوروبا: ألمانيا الحازمة المُبادرة وفرنسا المُترددة، فقد برزت في برلين نزعة جديدة للحزم بعد وصول ميرز إلى السلطة في مايو، حيث قرر تخصيص ما يصل إلى تريليون يورو للإنفاق على الدفاع والبنية التحتية للعقد القادم، فيما باتت باريس مُثقلة بالدين العام المرتفع وعدم الاستقرار السياسي في النصف الثاني من ولاية ماكرون الأخيرة. وقد بدد هذا الخلل الآمال في إعادة تنشيط التحالف الفرنسي الألماني الذي كان في السابق وراء بعض من أكبر قفزات الاتحاد الأوروبي في مجال السياسة.

قالت جورجينا رايت، الباحثة البارزة في صندوق مارشال ألمانيا، وهو مركز أبحاث أمريكي مقره باريس: «هناك شعور حقيقي في بروكسل بأن برلين هي اللاعب الأكبر فيما نفوذ فرنسا يتضاءل».

لقد جاء ميرز ساعياً لطي صفحة 3 سنوات من التردد الألماني في عهد سلفه أولاف شولتز، الذي اضطر في كثير من الأحيان إلى الامتناع عن التصويت في بروكسل بسبب الانقسامات داخل ائتلافه - وهو نمط عُرف باسم «التصويت الألماني». لكن بعد فوز حزب ميرز- الديمقراطيين المسيحيين، في انتخابات فبراير، جعل إعادة ضبط العلاقات مع فرنسا أولوية.

وتضمنت هذه الأجندة التعهد بتعزيز الدفاع الأوروبي في مواجهة إدارة أمريكية غير موثوقة، والتخلي عن معارضة ألمانيا للطاقة النووية، وتقليص لوائح الاتحاد الأوروبي. ومنذ ذلك الحين، اضطر الزعيم الألماني إلى التعامل مع ماكرون، الذي باتت ولايته في مراحلها الأخيرة، والذي يواجه قيودًا شديدة في قدرته على الالتزام بأي شيء له تبعات مالية.

وقال مجتبى رحمن، رئيس قسم أوروبا في مجموعة أوراسيا: «لقد انقلبت الأدوار تمامًا بين ماكرون وميرز. فعلى مدار السنوات الأربع أو الخمس الماضية، كانت الفكرة السائدة في قصر الإليزيه هي أن ضعف ألمانيا قد أضعف قدرة أوروبا على التحرك. أما الآن فلدينا مستشار لديه فهم واسع بالجغرافيا السياسية، ويريد أن يبذل المزيد من الجهد في أوروبا، لكن باريس هي التي تعجز الآن عن الوفاء بالتزاماتها.»

وقد كانت اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور، وهي مجموعة من دول أمريكا اللاتينية، نقطة خلاف أخرى في القمة. فبعد أكثر من 25 عامًا من المفاوضات، ظل ميرز يضغط لشهور من أجل توقيع الاتفاقية بحلول نهاية ديسمبر، مهددًا بإجراء تصويت قد تجد فيه فرنسا نفسها في موقف ضعف، لكن ماكرون، الوسطي المؤيد للاتحاد الأوروبي، وجد مرة أخرى حليفاً غير متوقع في جورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا اليمينية المتشككة في الاتحاد الأوروبي، التي نجحت في تأجيل الاتفاقية لبضعة أسابيع، مانعةً بذلك ميرز من تحقيق نصر سياسي.

وقالت دانييلا شوارزر، عالمة السياسة في مؤسسة بيرتلسمان في برلين: «هناك إدراك حقيقي لدى كلا الجانبين بضرورة تحسين كفاءة العلاقة، التي لم تكن ناجحة في عهد شولتز. لكن فرنسا تتعرض لضغوط أكبر بكثير، وهو ما يبرز الخلافات الجوهرية بين القوتين. والتجارة أحد هذه المجالات».

ورغم الخلاف بين ميرز وماكرون، فقد تحقق انفراج في القمة، حيث وافق الاتحاد الأوروبي على تقديم قرض بقيمة 90 مليار يورو لأوكرانيا بضمان من ميزانية الاتحاد. وأكد مسؤول في قصر الإليزيه أن ماكرون كان له دور محوري في التوصل إلى هذا الاتفاق، قائلاً: «لطالما كان هدف فرنسا هو توفير الاستقرار المالي لأوكرانيا خلال العامين المقبلين. ولذلك، كنا منفتحين على ترتيبات التمويل المقترحة، وعملنا على إيجاد حل يحقق هذا الهدف».

وتعهدت ميلوني بدعم اتفاقية ميركوسور الشهر المقبل، مما يمهد الطريق لتوقيع الاتفاقية بغض النظر عن اعتراضات فرنسا. وقال جوزيف دي ويك، الباحث في معهد أبحاث السياسة الخارجية: «فيما يتعلق بميركوسور، ربما تكون فرنسا قد ربحت أسبوعين أو ثلاثة، لكنها خسرت المعركة».

ومما قد يوتر العلاقات الفرنسية الألمانية في الأسابيع المقبلة، قرار وشيك بشأن استمرار مشروع مشترك للطائرات المقاتلة بقيمة 100 مليار يورو، حيث ترفض شركتا داسو الفرنسية وإيرباص، التي يقع مقر قسمها الدفاعي في ألمانيا، حل النزاع حول تقاسم العمل. وتنظر برلين في شراكات أخرى في مجال الطائرات المقاتلة، في ظل إحباطها من داسو وتخوفها من أن باريس لا تطمع إلا في أموالها.

لكن في كثير من النواحي، نادراً ما كانت فرنسا وألمانيا أكثر توافقاً مما هما عليه الآن، في ظل مواجهتهما لرسوم جمركية أمريكية أعلى وتهديدات من الرئيس دونالد ترامب بسحب القوات من أوروبا. ويتفق الطرفان على دعم أوكرانيا وضرورة اضطلاع القارة بدور أكثر فاعلية في محادثات السلام من خلال «تحالف الراغبين» الذي يضم المملكة المتحدة أيضاً.

كذلك، يتبنى ميرز مفاهيم طالما دافعت عنها باريس، بما في ذلك الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، وتفضيل المنتجات الأوروبية في مشتريات الدفاع، وتعزيز حماية السوق الموحدة من المنافسة غير العادلة. ومؤخراً، أيدت برلين تدابير الدفاع التجاري ضد واردات الصلب الصينية، وهو ما يمثل تحولاً عن موقف ألمانيا في السابق.

وتقول جورجينا رايت: «بطريقة ما، لم يكن الاتحاد الأوروبي يوماً فرنسياً إلى هذا الحد - إذ يتبنى السياسة الصناعية والأمنية، ويعود الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى ماكرون - في الوقت الذي تتراجع فيه فرنسا نفسها». وتضيف: «في بروكسل، يتزايد الشعور بأن فرنسا تعطي الأولوية للمصالح الوطنية على مصالح الاتحاد الأوروبي. كما تعود المقولة القديمة القائلة بأن «فرنسا مجرد كلام بلا فعل» للظهور مجدداً».

وحرص المسؤولون الألمان على التأكيد بأن قرض الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا سيُغطى بجزء من ميزانية الاتحاد الأوروبي لم يُستغل بعد، دون أي تأثير على المالية العامة. وأعرب ميرز نفسه عن ارتياحه لنتيجة الأيام الأخيرة، بل وصفها بأنها حل أفضل من حله، وأصرّ على إمكانية استخدام الأصول الروسية لسداد قرض الاتحاد الأوروبي. وقال: «ندفع دفعة مقدمة، لكنها مضمونة بأصول روسية».

ومع ذلك، انهالت الانتقادات من حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، حيث زعمت أليس فايدل، إحدى زعيمات الحزب، أن «دافع الضرائب الألماني سيتحمل العبء مرة أخرى»، فيما قال غونترام وولف، الباحث البارز في معهد بروجيل: «ليس من الجيد بالمرة العودة إلى ألمانيا دون اتفاقية ميركوسور أو خطة الأصول الروسية».