مايكل بيل

استغل الكيميائي عمر ياغي رحلته؛ من لاجئ طفل في الأردن إلى أحد المكرمين في حفل توزيع جوائز نوبل السنوي في السويد، كوسيلة لاستحضار قوة الخيال العلمي، والتحذير من محاولات قمع هذه القوة. وقال ياغي أمام 1300 ضيف تناولوا العشاء تحت سقف قاعة مدينة ستوكهولم العالي والفخم، إن ذكرياته المبكرة عن نقص المياه ربما تكون قد ألهمته عمله الحائز على الجائزة في مجال المواد القادرة على استخلاص الرطوبة من هواء الصحراء.

وأضاف: «كثيراً ما أتساءل عما إذا كنت سأتعرف على نمط البيانات هذا لو لم أعشه بنفسي أولاً». وقال: «لا يطالب العلماء بامتيازات، بل بإمكانية الوصول إلى الفرص. ادعموا فضولهم. أزيلوا الحواجز. واحموا الحرية الأكاديمية». لقد أضفت كلمات ياغي بُعداً سياسياً معاصراً إلى روعة جوائز نوبل الخالدة، وهي أرفع احتفال عالمي بالتميز العلمي.

لكن هذا العام، جاء منح الجوائز في ظل قرار الرئيس دونالد ترامب خفض تمويل الأبحاث ورفض إدارته للأبحاث المتعلقة باللقاحات والتنوع وتغير المناخ. كما تهدد سياساته المتشددة للهجرة بردع علماء مثل ياغي الذين يأتون إلى الولايات المتحدة من أماكن أخرى.

«يكاد المرء لا يرغب في قراءة الصحف»، هكذا عبّر أحد الباحثين الأوروبيين خلال الاحتفالات عن أسفه، قائلاً: «الجو كئيب حقاً». وقد دفعت هذه المصاعب والاضطرابات عبر المحيط الأطلسي بعض العلماء المقيمين في الولايات المتحدة إلى التخطيط للانتقال بعيداً عنها، إذ تلحق مشكلات التمويل أضراراً بالغة بالدراسات طويلة الأمد. وقد عرض معهد كارولينسكا السويدي للأبحاث الطبية الحيوية نفسه كملاذ آمن لزملائه الأمريكيين غير المستقرين، وهو ما فعلته أيضاً منظمات أخرى في أوروبا.

يعد هذا جزءاً من تاريخ طويل من الجدل السياسي حول العلوم، بما في ذلك الجوائز نفسها التي مُنحت لأول مرة عام 1901. وعرف ألفريد نوبل، الذي يصادف يوم وفاته العاشر من ديسمبر تقديم الجوائز، باختراعه الديناميت، مع أنه لم يعتبر ذلك مناقضاً لجهوده في سبيل السلام العالمي.

وهذا العام، أثارت جائزة نوبل للسلام جدلاً واسعاً مجدداً، حيث سعى ترامب للفوز بها دون جدوى. وقد أشادت الفائزة بالجائزة في نهاية المطاف، السياسية المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو، بدبلوماسية، بتصعيد الرئيس الأمريكي للضغط على الرئيس نيكولاس مادورو.

وقد أقرت أستريد سودربيرغ ويدينغ، رئيسة مجلس إدارة مؤسسة نوبل، بهذه الظروف المضطربة في كلمتها الافتتاحية في الحفل، قائلة أمام جمهور ضمّ ملك السويد كارل السادس عشر غوستاف: «مع التطورات السريعة وغير المتوقعة والمتناقضة والمتشابكة، قد يبدو من الصعب بث الثقة في المستقبل». لكن في هذا العالم، يمثل إرث ألفريد نوبل الرائد تذكيراً قوياً بالقدرات التحويلية للعلم والأدب والسلام.

قدّمت مأدبة العشاء التي استمرت أربع ساعات، والتي تلت ذلك، صورة منظمة ومنتقاة بعناية فائقة تناقض الفوضى التي تعمّ العالم: ما وصفه أحد الحضور بأنه «تعليق مؤقت للواقع». وتضمنت قواعد اللباس «الرسمية الصارمة» للرجال نصائح تفصيلية دقيقة حول تصميم ستراتهم، وسراويلهم، وارتداء الأوسمة.

وشملت الأطباق المعدة بعناية فائقة سمك التوربوت المحشو بالاسكالوب وعشب البحر السكري، تلاه حلوى السوربيه والكريمة المخبوزة بنكهة براعم العرعر. وكانت هناك فواصل موسيقية ذات طابع علمي مع إضاءة مثيرة للمشاعر، من تأليف الملحن السويدي جاكوب مولراد، تضمنت مقطوعة «التراكب»، وهي عمل مستوحى من مفهومٍ أساسي في ميكانيكا الكم.

بعد ذلك كله، أعطي الفائزون بالجائزة الكلمة الأخيرة. وقد تحدث ياغي مباشرة عن روح العصر، رابطاً إياها بالهياكل التي عمل عليها مع زميليه الحائزين على جائزة الكيمياء، والمعروفة باسم الأطر المعدنية العضوية. ويشمل النطاق المتزايد باستمرار للاستخدامات المحتملة للأطر المعدنية العضوية احتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون، أحد غازات الاحتباس الحراري.

وأشار ياغي إلى أن تبني أبحاث الأطر المعدنية العضوية في أكثر من 100 دولة يلهم الكثير من الشباب «خاصة في العالم النامي». وقال: «هنا يكمن أملنا الأكبر: علم قادر على إعادة تصور المادة، وجيل متلهف لدفعه قدماً. لذلك، أحث قادة العالم على التحرك».