ناثان بروكر
ما الأسباب الداعية للتفاؤل في عام 2026؟ وما الذي قد يسوء؟
كان من الممكن أن يظن أي شخص ينظر إلى غرفة الاجتماعات التي التقينا فيها منذ أيام، أننا نتدرب على مشهد من مسرحية ماكبث. فقاعة! فقاعة! لا! ليس بعد! لا مشكلة!.
لقد طرحت على لجنة الخبراء الخمسة الذين شاركوا في اجتماع المائدة المستديرة السنوي للاستثمار الذي تنظمه صحيفة فايننشال تايمز سؤالاً محورياً: هل تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي مبالغ فيها بشكل غير منطقي؟ وما هي احتمالات انفجارها العام المقبل؟
انضم إلى النقاش كل من ستيوارت كيرك وكيتي مارتن، كاتبي عمود في صحيفة فايننشال تايمز؛ وسيمون إيدلستين، مدير صندوق في شركة جوشوك لإدارة الأصول؛ نيام برودي-ماشورا، كبيرة مسؤولي الاستثمار في فريق الأسهم لدى شركة فيديليتي إنترناشونال؛ وإيان ستيلي، كبير مسؤولي الاستثمار في فريق الدخل الثابت والعملات والسلع العالمية لدى شركة جيه بي مورغان لإدارة الأصول وكان السؤال الأول: من منكم يعتقد أن الذكاء الاصطناعي فقاعة؟
لم يكن مستغرباً أن ينقسم الحضور وفقاً لتخصصاتهم المهنية؛ حيث لم يتردد الصحفيان في استخدام مصطلح «فقاعة»، بينما أبدى المسؤولون عن إدارة أموال العملاء تفاؤلاً أكبر بشأن وضع السوق.
وقال سيمون إيدلستين: «هناك أمران يجب معرفتهما تاريخياً عن الفقاعات. أولهما أن الفقاعات شيء سيئ ومحبط لأن الجميع يُقبل على الشراء عند بلوغها ذروتها». وأضاف أن القلق والمعارضة يكونان غائبين، مثلما حدث في «جنون التوليب»، أول فقاعة اقتصادية كبيرة والتي وقعت بعد تزايد الطلب القوي على زهرة التوليب مما أدى إلى ارتفاع ثمنها إلى حد غير مسبوق، ثم إنهار سعرها فجأة في العصر الذهبي الهولندي في القرن السابع عشر، ما بين عام 1635 وعام 1637، وكذلك مثلما حدث في انهيار عام 1929.
وتابع: «أعتقد أن الوضع مختلف تماماً عن عام 2000، حين كان كل شيء فوضوياً، ولم يكن هناك أساس تقييمي لعدد هائل من الشركات الكبيرة جداً، في وول ستريت وأوروبا. لكن هذا لا ينطبق على أفضل أسهم الذكاء الاصطناعي اليوم. وتبلغ نسبة سعر سهم إنفيديا إلى أرباحها المتوقعة حوالي 25؛ أما أمازون ومايكروسوفت فتتراوح نسبتهما في أواخر العشرينيات – نعم هي ليست رخيصة، لكنها ليست جنونية مثلما حدث مع بعض شركات الاتصالات في ذروة طفرة الإنترنت».
وقالت نيام برودي- ماشورا: «هذه شركات قوية للغاية. الطلب موجود في جميع أجزاء سلسلة التوريد، وهو يفوق ما يمكن توفيره حالياً، ما يعني وجود نمو في حجم المبيعات وقوة تسعيرية في آن واحد».
وقال إيان ستيلي إنه يشعر «بالارتياح» تجاه وضع السوق - مع أنه ميز بين بعض الشركات العملاقة التي تمتلك سيولة نقدية ضخمة وشركات مثل أوراكل، التي لديها مستويات ديون أعلى بكثير. وأضاف: «أعلم أننا شهدنا حالة من التذبذب خلال الأسابيع الستة الماضية، حيث شهدنا إصدارات كبيرة من ميتا وألفابت، مما أدى إلى اتساع هوامش الربح قليلاً، لكننا نرى في ذلك فرصة للشراء. فهذه سندات ذات تصنيف ائتماني عالٍ للغاية، وهناك سيولة متوفرة بكثرة في السوق، والجميع متعطش للعائدات في الوقت الراهن».
ويتوقع محللو فيديليتي نمو أرباح قطاع التكنولوجيا بنسبة 28 % العام المقبل، مع اتساع نطاق هذا النمو.
وعادت برودي- ماشورا لتقول: «لا أحد يريد أن يكون المستثمر الساذج الذي يدخل السوق في ذروة ازدهاره، لكن في الوقت نفسه، لا أحد يريد أن يكون المتشائم الذي يقف متفرجاً في وقت يعتقد فيه الكثيرون أن هذه قد تكون نقطة تحول حاسمة في إنتاجية البشرية منذ الثورة الصناعية، لكن المخاطر تبقى جسيمة للغاية. وإذا لم ينجح الأمر، فإن خطر خسارة رأس المال واردٌ جداً. أما إذا نجح، فمن المؤكد أن هذا النمو سيستمر».
لكن هذه الحجة لم تقنع ستيوارت كيرك، الذي قام مؤخراً بتصفية استثماراته في صناديق الأسهم، وأصبح الآن يمتلك سيولة نقدية كاملة. ويقول: «بعد أن مررت بأربع أو خمس فقاعات اقتصادية، حيث كان الناس يقولون لي دائماً «الأمر مختلف هذه المرة»، إلا أنه لم يكن كذلك أبداً. لذا، أستبعد أي مكاسب محتملة للذكاء الاصطناعي: إنها مجرد حجة أخرى من نوع «الأمر مختلف هذه المرة».
وقالت كيتي مارتن إنها لا تشك في أن الذكاء الاصطناعي كتقنية قادرة على إحداث تحول جذري، لكن من الواضح أن هناك «طبقة كثيفة من الزبد» يجب أن تزول من السوق، وأن بعضاً من هذا الزبد والغثاء سيتلاشى في عام 2026.
وأضافت: «أعتقد أن ما يحدث مع شركة إنفيديا حقيقي. لا أظن أن هذه ظاهرة مشابهة لظاهرة موقع Pets.com، مشيرة إلى أحد أبرز الأمثلة على ضجيج عصر الإنترنت. «لكن عندما تنظر إلى بعض الأمور الجارية في الأسواق، عليك أن تتساءل: إن لم يكن هذا سلوكاً مدفوعاً بالفقاعة، فما هو إذن؟».
واستشهدت بموقف غريب في أكتوبر الماضي عندما تناول الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، جنسن هوانغ، العشاء في مطعم للدجاج المقلي في سيول، مما أدى إلى ارتفاع سعر سهم إحدى أكبر سلاسل مطاعم الدجاج المقلي في كوريا الجنوبية بنسبة 20 % مع العلم أن هذه السلسلة لا صلة لها بالمطعم الذي زاره هوانغ تحديداً، بل إن سهم أحد موردي الدجاج المحليين ارتفع هو الآخر بنسبة 30 %.
وأضافت: «عندما تنظر إلى هذا التمويل الدائري الغريب، وتداول الأسهم المتبادل الذي يحدث في قمة السوق، لا بد أن تتساءل: ما هذا إن لم يكن سلوكاً يدل على وجود فائض؟ وأقول: «لا أجد وصفاً آخر لهذا سوى فقاعة».
سؤال آخر يفرض نفسه: ما الذي قد يسوء العام المقبل؟
بينما انقسم الحضور حول مسألة الفقاعة، كان هناك اتفاق واسع على أن التضخم يُمثل خطراً كبيراً عام 2026. وقال إيان ستيلي إنه لا يزال يعتقد أن النتيجة الأرجح للعام المقبل هي أن التضخم في الاقتصادات الغربية الكبرى سيبقى عند مستواه الحالي تقريباً أو سيتجه نحو الانخفاض، مما يسمح للبنوك المركزية بتخفيض أسعار الفائدة، وهو ما سيعود بالنفع على جميع الأسواق المالية. لكن توقعات أسعار الفائدة تغيرت بشكل ملحوظ خلال هذا العام.
وأضاف: بدأ البنك الاحتياطي دورة خفض أسعار الفائدة في فبراير الماضي فقط. لكن مع عودة التضخم للارتفاع، استبعدت محافظة البنك المركزي الأمريكي، ميشيل بولوك، إلى حد كبير أي تخفيضات أخرى، وحذرت من احتمال الحاجة إلى رفع أسعار الفائدة في عام 2026.
وإذا ارتفعت تكلفة الاقتراض في الولايات المتحدة، وحدوث موجة بيع في السوق، فقد يلحق التضخم بركب فقاعة الإسكان الأمريكية في أوائل العقد الأول من الألفية الثانية، وفقاعة شركات الإنترنت في أواخر التسعينيات، وفقاعة أسعار الأصول اليابانية في أواخر الثمانينيات، والتي انفجرت جميعها عندما بدأ محافظو البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة.
وعلى الرغم من أن هذا الخطر قد يبدو بعيداً، نظراً لاختيار الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة هذا الأسبوع إلى أدنى مستوى لها في ثلاث سنوات، يعتقد سيمون إيدلستين أن التضخم في النظام الاقتصادي أعلى مما هو متوقع. وقال: «أشعر أن تكلفة المعيشة ترتفع بوتيرة أسرع بكثير مما تشير إليه الأرقام». وأضاف: «يشهد التضخم ارتفاعاً ملحوظاً، وأصبح قضية سياسية في أمريكا، فيما من الغريب قلة الإشارة إليه في ميزانية المملكة المتحدة، رغم أنه مرتفع أيضاً. ويأتي كل هذا رغم ضعف أسعار النفط».
لكن إذا ظهرت مشكلة تضخم العام المقبل، فما هي أول المؤشرات على وجود خلل ما؟ قال ستيلي: «إذا بدأنا نلاحظ تسارعاً جديداً في تضخم الخدمات، فسيكون ذلك مدعاة للقلق. أما كيف سيحدث ذلك؟ فسيكون ذلك من خلال الأجور». وفي الوقت الراهن، تتمثل المخاوف بشأن سوق العمل الأمريكي في تباطؤه. لذلك، ينبغي أن يركز المستثمرون على الربع الثاني من عام 2026، حيث يُتوقع أن يكون المستهلكون الأمريكيون مؤهلين لاسترداد ضريبة الدخل في ذلك الوقت، بفضل قانون «القانون الكبير والجميل»، مما قد يعزز الطلب ويزيد من الضغوط التضخمية.
وهناك مخاطر أخرى قد تُعيق نمو الذكاء الاصطناعي. أحدها هو أنه على الرغم من كل ما يُحيط بهذه التقنية من بريق، سيُطالب المستثمرون برؤية المزيد من الأدلة على جدواها في التطبيقات التجارية.
وقالت نيام برودي-ماشورا: «الإنفاق جارٍ بالفعل، ورأس المال المُستثمر في ازدياد. لذلك، من الطبيعي أن يتطلع الجميع الآن إلى تحقيق عائد الاستثمار. وإذا تعثرت هذه الاستثمارات، أو كانت هناك مخاطر لتعثرها، أو إذا تغيرت الجهات الفاعلة الرئيسية، فسنشهد بالضرورة تقلبات كبيرة في سوق الأسهم».
وأضافت أن الخطر الكبير الآخر يتمثل في المنافسة من الذكاء الاصطناعي الصيني. ففي يناير، أذهلت شركة «ديب سيك» منافسيها في وادي السيليكون بإطلاقها نموذج ذكاء اصطناعي يعمل بتكلفة زهيدة مقارنة بالنماذج البارزة في الولايات المتحدة، وهو ما أدى إلى موجة بيع كبيرة في قطاع التكنولوجيا. وقد يؤدي تحقيق اختراق مماثل العام المقبل إلى تقويض تقييمات الأسهم الأمريكية بشكل خطير.
كما توجد مخاطر عامة أخرى على الأسواق، يمكن أن تنجم عن احتمال انهيار تجارة الين، بسبب الأوضاع الاقتصادية في اليابان، بالإضافة إلى مخاطر «البجعة السوداء»، التي توقع المشاركون أنها يمكن أن تنجم عن الإقراض غير المصرفي أو العملات المشفرة أو أي قطاع آخر من قطاعات الأسواق المالية التي لم ينته إليها أحد أو لم تفهم جيداً.
سؤال مهم آخر كان: ما هي الاستراتيجيات الدفاعية التي يمكن للمستثمرين اتباعها؟
وقد انقسم الحضور حول كيفية حماية المستثمرين لأنفسهم من أي تراجع اقتصادي محتمل العام المقبل. قالت كيتي مارتن، إن الحجم الهائل لشركات التكنولوجيا الأمريكية والتركز العالي لها في الأسواق الأمريكية والعالمية، يعني أنه في حال انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي، «سيكون نطاق التأثير هائلاً للغاية» لكن المشكلة، كما أوضحت، هي أن مديري الأصول يشيرون إلى أن استراتيجيات التحوط لديهم تتضمن الابتعاد عن أسهم الذكاء الاصطناعي مع التوجه نحو التكنولوجيا الآسيوية، أو البنية التحتية للطاقة، أو النحاس، الذي يعد عنصراً ضرورياً لبناء مراكز البيانات. وأنا أقول لنفسي: ما هذا.. إنه نفس الشيء! إنهم يتحوطون في جزء مختلف لكنه ضمن سلسلة القيمة عينها». لذا، يجب أن أكون قلقة من التداعيات المحتملة وقلقة كذلك بشأن عمق الضرر الذي قد يلحق بنا.
ثم انتقل النقاش إلى نقطة مهمة للغاية. وهي: ما هي الأسباب التي يمكن أن تدعو للتفاؤل في عام 2026؟
قال ستيوارت كيرك: «ما يغفل عنه الناس أحياناً هو كثرة الأحداث السيئة الجارية حالياً، لذلك لو تم حلها لأدى ذلك إلى انتعاش الأسواق». وخص بالذكر الحرب في أوكرانيا، مشيراً إلى بورصات أوروبا الشرقية حيث تُباع أسهم الشركات بأقل من قيمتها الحقيقية. وربما يكون 2026 هو العام الذي تصلح فيه الأوضاع بطريقة أو بأخرى.
وشددت كاتي مارتن على أن نشاط إعادة إعمار أوكرانيا سيكون مثيراً للاهتمام. وقالت: «لو كنتُ أدير شركة مُدرجة في البورصة لتصنيع الإسمنت في بولندا، لكان يجب أن أكون متفائلة جداً بشأن السنوات الخمس المقبلة». وقال ستيوارت كيرك: «أفضل امتلاك أسهم في هذا القطاع على امتلاك أسهمٍ في شركة دفاع ألمانية بعائدٍ يُعادل 70 ضعفاً».
وخصت نيام برودي-ماشورا قطاع التكنولوجيا الصيني بالذكر. وعرضت رسماً بيانياً يُبين فجوة الأداء بين أفضل نموذج ذكاء اصطناعي أمريكي وأفضل نموذج ذكاء اصطناعي صيني، استناداً إلى اختباراتٍ مستقلة. وشددت على أن: «الفرق يكمن في الإنفاق».
وخص سيمون إيدلستين هو الآخر الصين بالذكر. وقال: «بالنسبة للمُدخرين البريطانيين الذين يُفكرون في توزيع استثماراتهم الخارجية، سيرغبون بالتأكيد توجيه نسبةٌ معقولةٌ من مدخراتهم في الصين إذا كانت لديهم نظرةٌ طويلة الأجل. وينبغي أن يكون الاستثمار في الصين جزءاً طبيعياً من محافظهم الاستثمارية، لكن غالباً ما يتم إهماله في نهاية المطاف».
وحرص إيدلستين وبرودي-ماشورا على التأكيد على نجاح استراتيجيات التنويع في عام 2025، مستشهدين بالمكاسب الكبيرة التي حققها مؤشر فوتسي 100، وقطاع الدفاع الأوروبي، واليابان. وقال إيدلستين: «في العام الماضي، كان بإمكانك تحقيق أرباح مماثلة - بالجنيه الإسترليني - من الاستثمار في المملكة المتحدة، نظراً لارتفاع أسهم البنوك، مقارنة بالاستثمار في مؤشر ستاندرد آند بورز 500. وكان بإمكانك تحقيق أرباح مماثلة من الاستثمار في اليابان، على الرغم من انخفاض قيمة الين، نظراً لانتعاش السوق بشكل كبير – مع العلم بأنه لم يكن للذكاء الاصطناعي أي دور في ذلك».
وبالنسبة للباحثين عن التنويع، دار نقاش واسع حول الإقبال على ما يُسمى بالأسهم عالية الجودة، والتي توفر عائداً مرتفعاً على حقوق الملكية، ونمواً مستقراً في الأرباح، ومستويات ديون منخفضة. وعادةً ما يركز المستثمرون على أسهم الشركات الاستهلاكية الأساسية، مثل بروكتر آند غامبل أو نستله - لكن يجب أن تكون هذه الأسهم رخيصة، حسبما يشير إيدلستين.
وقال إيدلستين في هذا السياق إنه مهتم أكثر بأسهم قطاع الرعاية الصحية. وأشار إلى شركة يونايتد هيلث كير - التي تعرض رئيسها التنفيذي السابق لإطلاق نار في مانهاتن قبل عام - وشركة جونسون آند جونسون. وأوضح أن الشركة واجهت بعض المشكلات، لكن لديها قسماً دوائياً قوياً، وهي في وضع جيد لتطوير الأتمتة في قطاع الرعاية الصحية، مما قد يعزز الإنتاجية.
ولفت إلى أن سعر السهم ليس رخيصاً جداً، إذ يبلغ 18 ضعف الأرباح، لكنه يُظهر أن ليس كل شيء في الولايات المتحدة باهظ الثمن. وسوق الأسهم الأمريكية ضخم. ورغم هيمنة عدد قليل من الشركات ذات التصنيفات العالية، إلا أنك بمجرد البحث والتدقيق، ستجد الكثير من الأسهم التي يمكن اعتبارها معقولة.
من جانبه، عبر كيرك عن اعتقاده بأن السندات الحكومية أصبحت جذابة مرة أخرى، فيما أكد ستيلي وبرودي-ماشورا إعجابهما بفكرة بعض الأصول البديلة، مثل الذهب. لكن كيتي مارتن خالفتهما الرأي. وقالت: «إنني أعتبر الذهب أحد الأدلة على أن الأسواق تعاني من فقاعة».
