مايكل هايغ
في عالم يسعى إلى تجاوز الهيدروكربونات، أصبح التنبؤ بالطلب على النفط أكثر تعقيداً ومثاراً لكثير من الجدل. ويكفي النظر إلى التوقعات المتباينة الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك، وهما جهتان من المفترض أن تكونا على دراية كبيرة باتجاهات أسواق النفط.
بالنسبة لعام 2026، تتوقع وكالة الطاقة الدولية نمواً متواضعاً، قدره 770 ألف برميل يومياً، ليصل الطلب إلى ما يقارب 106 ملايين برميل يومياً، أي بزيادة قدرها 10 ملايين برميل يومياً تقريباً عن العقد الماضي. أما أوبك فهي أكثر تفاؤلاً، إذ تتوقع نمواً يتراوح بين 1.3 و1.4 مليون برميل يومياً، بينما تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية 1.1 مليون برميل يومياً.
هذا تباين واضح، بالنظر إلى الأفق الزمني القصير الذي يمتد لعام واحد. وهو يُسلط الضوء على تحديات التنبؤ بالطلب، في ظل تغير السياسات والتكنولوجيا وجهود الاستدامة، ما يجعل مستقبل النفط غير مؤكد. وإذا كان التنبؤ لمدة 12 شهراً صعباً، فماذا عن 25 عاماً؟
خلال الشهر الماضي، أصدرت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها طويلة الأجل للطاقة العالمية لعام 2025، والتي تضمنت سيناريوهات تتراوح بين استمرار الطلب على النفط وانخفاضات هيكلية حادة. وبإضافة توقعات شركات ووكالات الطاقة العالمية، تبرز مسارات أكثر تفاؤلاً وتشاؤماً من توقعات وكالة الطاقة الدولية. وفي ظل التباين الواضح والتوقعات المستقبلية غير المثبتة، يأمل الكثيرون في انخفاض كبير على مدى 25 عاماً، لكن هل هذا واقعي، في ظل استمرار اعتماد البنية التحتية العالمية على الهيدروكربونات؟
يذكرنا التاريخ بمدى صعوبة التخلي عن بنية تحتية راسخة، استُخدمت لقرون بحثاً عن بدائل. ففي خمسينيات القرن التاسع عشر، قبل اكتشاف النفط الخام عام 1859 في تيتوسفي، ببنسلفانيا، هيمن زيت الحيتان على نشاطي الإضاءة والتشحيم. وشاع استخدام زيت حوت العنبر، الذي كان يُعتبر آنذاك نظيف الاحتراق ومستقراً، في تشحيم أشياء مثل الساعات والأسلحة النارية. وعلى الجانب الآخر، كان زيت الحيتان الحدباء والزرقاء والزعانفية والمقوسة الرأس والحيتان الصائبة أقل جودة، وكان يُستخدم بتكلفة زهيدة في الإضاءة، إلى جانب عدد من الاستخدامات الأخرى. ورغم هيمنة أسطول صيد الحيتان الأمريكي، إلا أن الولايات المتحدة كانت تستورد كميات كبيرة من زيت الحيتان من دول أخرى، كالمملكة المتحدة وفرنسا. وظلت الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على زيت الحيتان، لكن الواردات تراجعت على مدى عقود، مع نمو إنتاج النفط الخام المحلي. وبحلول القرن العشرين، أصبحت واردات زيت الحيتان ضئيلة، ولا تستخدم سوى في الاحتفالات أو الاستخدامات الخاصة. إذن، ما الدروس التي يمكننا استخلاصها اليوم من هذا التراجع الكبير؟
الدرس الأول، هو أن انخفاض الطلب على مصدر طاقة ما خلال مرحلة انتقالية، لا يعني بالضرورة الانهيار الفوري. فقد انخفضت واردات زيت الحيتان قبل اكتشاف النفط الخام عام 1859، لكن الأمر استغرق نحو 50 عاماً، حتى تقلصت الواردات إلى مستويات ضئيلة، فبعد نصف قرن، استمرت الولايات المتحدة في استيراد زيت الحيتان بقيمة 5 % من مستويات عام 1859. والخلاصة أن تغيير أنظمة الطاقة يستغرق وقتاً طويلاً.
الدرس الثاني، هو أن تراجع نمو الطلب في قطاع الطاقة، لا يعني بالضرورة انخفاض الأسعار وتقلباتها. فمع انكماش القطاع، ينخفض الاستثمار في الإمدادات، نتيجةً لحالة عدم اليقين، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتقلبها بالنسبة للمستهلكين الذين واصلوا الاعتماد على هذه السلعة. وعلى سبيل المثال، بدأت واردات زيت الحيتان بالانخفاض في خمسينيات القرن التاسع عشر، لكن الأسعار ظلت متقلبة، ولم تستقر إلا بعد 50 عاماً.
ومنذ عام 1859، بُنيت بنية تحتية ضخمة، تعتمد على الهيدروكربونات، ما أثر في قطاعات الطاقة والنقل والاقتصادات. ورغم أن الابتكار التكنولوجي أسرع اليوم، إلا أن التحول إلى بدائل مثل الطاقة الشمسية أو النووية على نطاق واسع، لن يحدث بين عشية وضحاها، أو حتى خلال 25 عاماً، لإحداث تغيير جذري في مزيج الطاقة. ومن غير المرجح التخلي عن الهيدروكربونات قريباً، خاصةً مع استمرار اعتماد الاقتصادات الناشئة على الوقود الأحفوري.
في ظل هذا الغموض، هل يمكننا على الأقل تقدير الطلب المستقبلي على النفط؟ إن التنبؤ بالطلب على النفط، بناءً على عدد السكان، ليس دقيقاً تماماً، ولكنه مفيد. وتاريخياً، كان نمو الطلب العالمي على النفط متناسباً مع نمو السكان، حيث يؤدي ازدياد عدد السكان إلى زيادة استهلاك الطاقة في النقل والتدفئة والكهرباء والصناعة والأنشطة الاقتصادية. واستناداً إلى توقعات الأمم المتحدة للسكان، قد يصل الطلب على النفط إلى 108.6 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2030، ثم إلى 116 مليون برميل يومياً بحلول عام 2040، وإلى 122 مليون برميل يومياً بحلول عام 2050، ارتفاعاً من نحو 105 ملايين برميل يومياً اليوم. مع ذلك، فإن السياسات المناخية تجعل هذا النموذج البسيط وحده غير كافٍ.
يقدم تقرير توقعات الطاقة العالمية الصادر عن وكالة الطاقة الدولية، نتيجتين محتملتين: أولاً «سيناريو السياسات الحالية»، والذي يستند إلى السياسات القائمة، ويتوقع ارتفاع الطلب إلى 113 مليون برميل يومياً بحلول عام 2050. ثانياً «سيناريو السياسات المعلنة»، الذي يشمل سياسات أوسع، ويتوقع أن يبلغ الطلب ذروته في عام 2030، ثم ينخفض إلى 97 مليون برميل يومياً بحلول عام 2050. وترسم هاتان النتيجتان مستقبلاً مختلفاً تماماً للنفط، مع تبنّي شركات الطاقة الأمريكية والأوروبية وجهات نظر متباينة بشأن الطلب المستقبلي.
إجمالاً، تتراوح التوقعات بين 88 مليون و113 مليون برميل يومياً. في رأيي، من المرجح أن يقترب الطلب النهائي على النفط من 115 مليون برميل يومياً بحلول عام 2050. بالطبع، يبقى هذا مجرد تخمين، رغم أنه مبني على معلومات مدروسة. وفي ظل هذا القدر من عدم اليقين واختلاف الآراء، قد يكون التفكير التكيفي أمراً بالغ الأهمية لتوقعات الطلب على الطاقة.
