إيزابيل بيرويك

تلوح في الأفق بوادر مشكلة على «لينكدإن»، منصة التواصل المهني الهادئة عادة، حيث نجد هذه الأيام العديد من المنشورات لنساء يتظاهرن بأنهن رجال، وقد وجدن أن هذا التغيير جعلهن يتمتعن بشعبية هائلة.

وقد لجأت تلك النساء إلى هذه الحيلة، وهي تغيير الجنس، في ظل شكوكهن بأن خوارزمية «لينكدإن» قد تغيرت في الأشهر الأخيرة، ما أدى إلى تجاهل منشورات النساء، خصوصاً النساء ذوات البشرة السمراء، ويبدو أن كونك رجلاً، بعبارة أخرى، يجعلك مرئياً لعدد أكبر بكثير من الناس.

وبدأت التجربة عندما لاحظت ميغان كورنيش، وهي خبيرة استراتيجية في مجال الصحة النفسية، انخفاضاً حاداً في عدد المتابعين، الذين يشاهدون منشورات النساء، لذلك غيرت جنسها على «لينكدإن» إلى ذكر، وطلبت من الذكاء الاصطناعي إعادة كتابة ملخص مسيرتها المهنية ومنشوراتها القديمة، التي لم تحقق أداء جيداً، باستخدام لغة «أكثر ذكورية»، وبالفعل ارتفعت المشاهدات بنسبة 400%.

وبعد أسابيع قليلة ظهرت حملة منظمة، «الإنصاف في النشر»، تطالب بـ«ظهور عادل للجميع على «لينكدإن» في محاولة لحث منصة التواصل الاجتماعي المملوكة لشركة مايكروسوفت على الشفافية بشأن ما يحدث وإجراء تحسينات.

من جانبها، شهدت أسيل حداد، مؤسسة وكالة علاقات عامة، والتي غيرت جنسها إلى «هو» في سيرتها الذاتية قبل ثلاثة أسابيع، شهدت هي الأخرى ارتفاعاً في المشاهدات بنسبة 175%. وفيما يغير كثيرون جنسهم لفترة قصيرة، فإن حداد قالت إنها تنوي الاستمرار على جنسها الجديد: «يقال لنا إن الفرص متساوية، بينما تُبت البيانات والتجارب الواقعية عكس ذلك. في ظل منافسة شرسة في عالم الأعمال نحتاج إلى كل ميزة ممكنة».

إن «لينكدإن»، في نهاية المطاف، هي المكان الذي يلجأ إليه الناس للتحدث عن الأعمال وإبرامها، وتضم المنصة 1.3 مليار مستخدم حول العالم، ومن مصلحتها أن تكون الوجهة المفضلة للباحثين عن عمل، ومسؤولي التوظيف، ورواد الأعمال، فإذا لم يتمكن هؤلاء من إيصال أصواتهم فما جدوى المنصة؟

ووفقاً لسندي غالوب، الناشطة في حملة «الإنصاف في النشر»، فإن تأثير فقدان الظهور على سبل العيش يعد مشكلة بالغة الأهمية. وغالوب هي مديرة تنفيذية سابقة في المجال الإعلاني، وقد شهدت انخفاضاً حاداً في عدد مرات ظهور بعض منشوراتها، على الرغم من امتلاكها ما يقارب 150 ألف متابع على «لينكدإن»، وقد تكون هذه الأرقام المنخفضة كارثية للمستخدمين الذين يعتمدون على المنصة لترويج أعمالهم: «باختصار إن القمع الخوارزمي يعادل القمع الاقتصادي»، حسبما تقول.

وفي بيان لها قالت «لينكدإن»، إن «خوارزمياتنا لا تستخدم الجنس معياراً للتصنيف، وإن تغيير الجنس في ملفك الشخصي لا يؤثر على كيفية ظهور محتواك في نتائج البحث أو موجز الأخبار».

وأضافت: «إننا نقوم بتقييم أنظمتنا بانتظام عبر ملايين المنشورات، بما في ذلك التحقق من التفاوتات المتعلقة بالجنس، إلى جانب المراجعات المستمرة وتعليقات الأعضاء». وأحياناً قد يتم إهمال جهود المستخدمين بسبب إحصاءات بسيطة، فقد ارتفعت المنشورات على الموقع بنسبة 15% سنوياً، والتعليقات بنسبة 24%. «لينكدإن» منصة للنشاط والحيوية لكن شعبيتها تعني أننا جميعاً نتنافس بشدة أكبر لجذب الانتباه.

ومع ذلك، أظهرت الدراسات أن النساء يواجهن عقبات إضافية أمام الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تناولت ورقة بحثية نشرت في مجلة «نيتشر كوميونيكيشنز» هذا العام الأكاديميين، الذين يروجون أعمالهم في مجال معين، ووجدت أن النساء يفعلن ذلك بنسبة أقل 28 % من الرجال. وكما يشير الباحثون، فإن الأبحاث في مجالات أخرى تظهر أن النساء تعلمن التزام الصمت بشأن إنجازاتهن، ويعود ذلك جزئياً إلى «الخشية من ردود الفعل السلبية» عند التحدث عنها. ويشكل هذا المزيج من التحفظ والصمت المفروض ثقافياً عائقاً كبيراً أمام النجاح على «لينكدإن»، المنصة المليئة بالمروجين لأنفسهم (وأغلبهم في الواقع من الرجال).

ومهما كانت حقيقة تراجع ظهور النساء، فإن ما يقوله الناشطون في هذا الشأن في محله. و«لينكدإن» بحاجة ماسة بالفعل إلى تغيير أو تحدٍ، وقد استحوذت عليه مايكروسوفت مقابل 26.2 مليار دولار عام 2016، ومع ذلك لم يطرأ تحسّن يذكر على تجربة المستخدم.

وأنا شخصياً معجبة بالمنصة، لكن حتى بالنسبة لشخص من جيل «إكس» يفتقر إلى المعرفة التقنية، فهي تبدو قديمة الطراز وغير عملية. إن تراجع مستوى اللياقة في منصات التواصل الاجتماعي الأخرى يمنح «لينكدإن» فرصة ذهبية. إنها مكان يجبرك على التعبير عن نفسك بصدق، وبالتالي عادة ما تكون المحادثات مهذبة.

صحيح أن ذلك قد يكون مملاً بعض الشيء، ولكن مع سيطرة المنشورات المولدة بالذكاء الاصطناعي على العديد من منصات التواصل، من المرجح أن تحظى منشورات المستخدمين، الذين ينشرون قصصاً إنسانية عن حياتهم وعملهم باهتمام متزايد ومتصاعد.