ريتشارد ووترز

عادة ما يتطلب الأمر أكثر من ثلاث شركات لإحداث طفرة في الاكتتابات العامة الأولية، لكن إذا كانت هذه الشركات الثلاث هي «سبيس إكس»، و«أوبن إيه آي»، و«أنثروبيك»، فقد تجد «وول ستريت» نفسها قريباً في خضم طفرة اكتتابات عامة أولية غير مسبوقة.

وفي أحد أول المؤشرات الواضحة على أن بعضاً من شركات التكنولوجيا الخاصة الأعلى قيمة قد بدأت بالفعل في اتخاذ خطواتها نحو الاكتتاب العام، ذكرت صحيفة فايننشال تايمز الأسبوع الماضي أن «أنثروبيك» قد عينت محامين لوضع الأسس اللازمة، وهذا يضعها في طليعة الشركات التي تدرس الاكتتاب العام، متقدمةً بذلك على «أوبن إيه آي».

وتشير تقارير صدرت في الأيام الأخيرة، أولها من بلومبرغ، إلى أن شركة «سبيس إكس»، شركة الصواريخ التابعة لإيلون ماسك، تستعد هي الأخرى للاكتتاب العام.

وليس من الصعب فهم السبب، فقد ضخ مستثمرو الأسهم الخاصة مبالغ طائلة من رأس المال في هذه الشركات، لكن لكل شيء حدوده، كما جمعت «أوبن إيه آي» 41 مليار دولار من رأس المال هذا العام، وستحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير قبل تحقيق الربح وتُشير التقارير إلى أن شركة سبيس إكس تُخطط لجمع أكثر من 30 مليار دولار من خلال طرح عام أولي.

وسيُمثل هذا الطرح إضافةً قيّمةً لمستثمري السوق العامة، وباعتبارهما شركتين متخصصتين في بناء النماذج، ستُوفر شركتا «أوبن إيه آي» و«أنثروبيك» طريقةً جديدةً لوول ستريت للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، أما سبيس إكس التي استحوذت على أكثر من نصف عمليات إطلاق الصواريخ العام الماضي، فسيكون لا منازع لها في مجال الاستثمار في اقتصاد الفضاء المستقبلي.

وإذا طرحت الشركات الثلاث أسهمها للاكتتاب العام في الوقت نفسه تقريباً، ربما العام المقبل، فسيكون ذلك حدثاً استثنائياً لوول ستريت. وستكون الأرقام النهائية مذهلة. وتأمل سبيس إكس في أن تصل قيمتها إلى 800 مليار دولار في أحدث عملية بيع أسهم خاصة لها، في حين تستهدف «أنثروبيك» 350 مليار دولار، أما «أوبن إيه آي»، فقد بلغت قيمة أحدث عملية بيع أسهم لها 500 مليار دولار.

وبالنظر إلى أن أي مستثمر الآن يأمل في ارتفاع كبير آخر قبل يوم الاكتتاب العام، فإن الأرقام النهائية، إذا سارت الأمور وفقاً للخطة، ستكون أكبر بكثير. وأي من هذه العوامل كفيل بتحطيم الرقم القياسي السابق للاكتتابات العامة الأولية في قطاع التكنولوجيا، والذي بلغ أكثر من 230 مليار دولار لشركة علي بابا عند طرحها عام 2014.

وقد تُسجّل هذه الشركات أيضاً رقماً قياسياً جديداً في حجم خسائرها وحاجتها لإقناع المستثمرين باستدامة نماذج أعمالها، ومن المؤشرات على حجم الخسائر التي تتكبدها شركة «أوبن أيه آي»، ما أعلنته مايكروسوفت، التي قدّرت حصتها من خسائر الشركة بـ4.1 مليارات دولار في الربع الأخير.

ونظراً لامتلاكها نحو ثلث الشركة، يُشير ذلك إلى أن الشركة المُصنّعة لـ«شات جي بي تي» قد تكون خسرت ما يقارب 12 مليار دولار، وهو رقم ضخم، مع العلم أن عوامل استثنائية أو غيرها قد تكون أسهمت في تضخيمه.

في الوقت نفسه، كان نمو أعمال «أوبن إيه آي» منذ إطلاق «شات جي بي تي» مذهلاً بكل المقاييس، وقد يُحدث عام أو 18 شهراً أخرى فرقاً شاسعاً، فقد نمت إيرادات الشركة بما يتناسب تقريباً مع سعة مراكز بياناتها، حيث تضاعف ثلاث مرات تقريباً في كل من العامين الماضيين، وفقاً لمصدر مطلع على شؤونها المالية. وبسعة تقل قليلاً عن 2 جيجاوات، تُنهي الشركة هذا العام بإيرادات سنوية تبلغ 20 مليار دولار. وتخطط الشركة لرفع سعتها إلى 6 جيجاوات - 6.5 جيجاوات بحلول نهاية العام المقبل.

ويبدو أن هناك تفاؤلاً حذراً بشأن استمرار هذا النمط، ما يُشير إلى أن معدل الإيرادات السنوي سيبلغ 60 مليار دولار بحلول نهاية عام 2026، على الرغم من أن عدداً من التساؤلات حول توقيت قدرتها على تحقيق الربح من مراكز بياناتها الجديدة قد يُعقّد الصورة.

ومع ذلك، حتى عندما تكون الأسواق العامة مستعدة لدعم الشركات الخاسرة، فإنها غالباً ما تُصعّب الأمور، وقد واجهت شركة أوبر، آخر شركة تقنية كبيرة خاسرة تُدرج في البورصة، ضغوطاً شديدة في سنواتها الأولى، ولم تستقر أسهمها عند مستوى مستدام فوق سعر الاكتتاب العام إلا بعد سنوات من إعلانها عن أول ربح تشغيلي لها.

ثم هناك مسألة الحوكمة، فقد كانت «وول ستريت» دائماً منفتحة على شركات التكنولوجيا التي تُركّز قوة التصويت في أيدي مؤسسيها، لكن خبرتها أقل تجاه المجموعات التي قد تتعارض أهدافها مع مصالح مساهميها.

وهناك سؤال جوهري حول مجموعة الشركات المرشحة للاكتتاب العام الضخم: هل ترى «أوبن أيه آي» في «شات جي بي تي» وغيره وسيلة لتمويل مهمتها الأصلية، وهي ضمان استفادة البشرية جمعاء من الذكاء الاصطناعي؟ أم أنها مجرد شركة تسعى لتحقيق أقصى ربح، وتعد مساعدة البشرية فائدة ثانوية؟

وهناك تساؤل مماثل حول شركة «سبيس إكس»، إذا كان هدف ماسك الأسمى هو الوصول إلى المريخ -وهو السبب الذي ذكره لتأسيس الشركة- فما المفاضلات التي قد تُجريها شركته بين الربحية واستكشاف الفضاء؟

عموماً، أظهرت أسواق الأسهم إقبالاً كبيراً على أسهم ماسك، ما رفع قيمة «تسلا» إلى ما يفوق قيمتها الحقيقية كشركة سيارات بحتة، وبالنظر إلى فرصة الاستثمار في شركة الصواريخ التجارية الرائدة، فمن المرجح بدرجة كبيرة أن ترحب الأسواق باستثمار ثانٍ.