أنجانا أهوجا
سقوط حجر دومينو واحد يمكن أن يُحدث سلسلة من الانهيارات المتتابعة.
ينطبق هذا على مستوى الكوكب، حيث يمكن أن تؤدي الكوارث الجيولوجية كالزلازل والانفجارات البركانية إلى سلسلة من الاضطرابات المادية والاجتماعية والسياسية.
وقد تكون هذه ببساطة هي الحكاية وراء الموت الأسود، موجة الطاعون الدبلي التي اجتاحت أوروبا في العصور الوسطى وأودت بحياة ما يصل إلى نصف سكانها. فوفقاً لبحث جديد، قد تكون جذور الجائحة القاتلة التي شهدها القرن الرابع عشر مرتبطة بسلسلة من الانفجارات البركانية التي بردت المناخ. وقد تسبب ذلك في تلف المحاصيل، مما دفع المدن الإيطالية، خاصة البندقية، إلى استيراد الحبوب من مناطق أبعد.
ويمكن أن تكون تلك الواردات، القادمة عبر البحر الأسود، قد احتوت على براغيث تحمل بكتيريا يرسينيا الطاعونية، التي تسببت في الطاعون الدبلي القاتل. وفور وصول المرض، اجتاح السكان المنهكين أصلاً بسبب سوء التغذية.
إن هذه الحادثة المدمرة تظهر ارتباطاً وثيقاً بين البيئة وازدهار المجتمعات، رابطة قوية بين المخاطر الطبيعية والمناخ والإمدادات الغذائية والسياسة والتجارة والأمراض. ويُسلط البحث، الذي نشر مؤخراً في مجلة «كوميونيكيشنز إيرث آند إنفايرومنت»، الضوء على مدى قدرة التغير البيئي السريع على زعزعة استقرار المجتمعات. والرسالة في النهاية واضحة: عندما تتدفق الحمم البركانية، قد تسقط الإمبراطوريات. وعندما يتجاهل القادة الطبيعة فلا بد من دفع الثمن.
وللتحقق من كيفية انتشار الطاعون الدبلي بهذه السرعة بعد عام 1347 وأسبابه، تعاون مارتن باوخ، المؤرخ المتخصص في الظروف المناخية للعصور الوسطى في معهد لايبنيز لتاريخ وثقافة أوروبا الشرقية، مع أولف بونتن، الجغرافي بجامعة كامبريدج. وقد وجدا أن حلقات الأشجار من جبال البرانس الإسبانية تُظهر دليلاً على شيء غير عادي: ثلاث سنوات متتالية، شهدت صيفا باردا ورطبا بشكل غير معتاد، وذلك بدءا من عام 1345.
ودرس الباحثان أيضاً عينات جليدية من القطب الجنوبي وغرينلاند، والتي تحتوي على بصمات جيولوجية كيميائية لثورات بركانية على شكل تركيزات من الكبريتات (الناتجة عن ثاني أكسيد الكبريت البركاني المنبعث في الغلاف الجوي).
ووجدا ارتفاعاً حاداً في تركيز الكبريتات عام 1345، مع وجود أدلة على ثورات بركانية أقل حدة في أعوام 1329 و1336 و1341.
وتشير سجلات تاريخية تعود إلى حوالي عامي 1346 و1347 إلى انتشار نقص الغذاء والمجاعة في أجزاء من إسبانيا وفرنسا وإيطاليا ومصر وبلاد الشام. وقد تدمرت محاصيل العنب الإيطالية، كما ارتفعت أسعار الحبوب والقمح بشكل كبير.
وفي عام 1347، خففت جنوة والبندقية من حدة التوترات مع المغول من القبيلة الذهبية لتسهيل وتأمين طرق تجارة الحبوب عبر البحر الأسود. لكن لسوء الحظ، أدى ذلك الإجراء إلى تفشي الطاعون الأسود، الذي وصل مع واردات الحبوب.
وفي أعقاب عودة السفن التجارية الإيطالية المحملة بالحبوب إلى شواطئها في النصف الثاني من عام 1347، سُرعان ما سُجلت أولى حالات الطاعون البشري في البندقية. وتُعد الأدلة الظرفية التي تربط بين طرق التجارة وتفشي الأوبئة مقنعة: فقد تزامن استئناف صادرات الحبوب البندقية إلى بادوا في مارس 1348 مع تفشي الطاعون هناك.
ويخلص الباحثان إلى أن تسلسل الانفجارات البركانية، وتدهور المناخ، وما تلاه من نقص في الغذاء «يُمكن أن يُقدم تفسيراً آلياً لبداية جائحة الطاعون المتزامنة في العديد من الموانئ البحرية الإيطالية الرئيسية عام 1347».
ويصف المؤرخ بيتر فرانكوبان، من جامعة أكسفورد، مؤلف كتاب «الأرض المتحولة» الذي يستكشف كيف تسبب تغير المناخ صعود الحضارات وسقوطها، هذا البحث بأنه «مثير للغاية». وقال لي إن الدليل على ثوران بركاني عام 1345 «هو الدليل القاطع الذي كان الكثيرون منا يبحثون عنه». ويتشابه هذا النمط مع ثورات بركانية متعددة في القرن السادس يُعتقد أنها كانت سبباً في طاعون جستنيان (الجائحة الأولى المُسجلة للطاعون الدبلي).
تشير بعض التقديرات إلى احتمال حدوث ثوران بركاني كبير هذا القرن بنسبة واحد إلى ستة. وقد سعى بيتر فرانكوبان وعدد من علماء البراكين، دون جدوى، للحصول على تمويل لدراسة تداعيات مثل هذا الحدث على الاقتصاد العالمي والأمن الدولي، فضلاً عن التنوع البيولوجي والمناخ.
وحذّر المؤرخ من أن أبحاثاً كهذه التي أجراها باوخ وبونتن لا ينبغي النظر إليها كمجرد حكايات تاريخية شيقة، بل كـ«نداءات واضحة للانتباه إلى كيفية إسهام التاريخ في تقديم رؤى مهمة للحاضر والمستقبل».
يحمل الماضي بالفعل دروساً لليوم. فقد شوّه الموت الأسود سمعة حكام القبيلة الذهبية، وليس من الصعب تخيّل كيف أضعف طاعون جستنيان الإمبراطورية البيزنطية. كما يعتقد أن ثوراناً بركانياً في أيسلندا كان سبباً، عبر نقص الغذاء، في اندلاع الثورة الفرنسية.