مارتن وولف

قبل بضعة أشهر، أرسل والد زوجة أحد أبنائي، المقيم في ولاية نيويورك، مبلغاً كبيراً من المال إلى عائلته في إنجلترا. لم يصل المال قط. والأسوأ من ذلك، أنه لم يكن بمقدوره معرفة مصير المال.

فقد تواصل مصرفه مع الوسيط الذي تعامل معه، لكن قيل له إن البنك الذي يتعامل معه في المملكة المتحدة، وهو أحد أكبر بنوك البلاد، لا يرد على الاستفسارات. سألنا عما قد يكون حدث، فأُبلغنا بأن الأمر قد يكون له علاقة بغسل الأموال. في هذه الأثناء، كان الرجل في حالة ذهول، لكن بعد شهرين، عادت الأموال فجأة إلى حسابه. وهو لا يزال يجهل تماماً ما حدث. ويبقى هذا الحدث بعيداً كل البعد عن أي شيء أعرفه عن تحويل الأموال بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

على هذا الجانب من المحيط، كانت التحويلات موثوقة وسريعة بشكل موحد. قد يكون هذا سبباً يدفع الأمريكيين للترحيب باستخدام «العملات المستقرة» كبديل لنظامهم المصرفي. وقد يكون هناك سببان آخران: التكلفة المرتفعة نسبياً للمدفوعات عبر بطاقات الائتمان (والتي تبلغ حوالي خمسة أضعاف مثيلاتها في أوروبا!) والتكلفة الباهظة في الولايات المتحدة.

وكانت الزميلة جيليان تيت بصحيفة فاينانشال تايمز أشارت إلى دافع مختلف لموقف إدارة ترامب المرحب بالعملات المستقرة في مقال نُشر الشهر الماضي، فسكوت بيسنت، وزير الخزانة الأمريكي، يواجه مشكلة كبيرة: الحجم الهائل لدين الخزانة الأمريكية الذي تحتاج الولايات المتحدة أن يحتفظ به العالم بأسعار فائدة معتدلة. وتشير إلى أن أحد الحلول هو تشجيع الاستخدام الواسع النطاق للعملات المستقرة المقومة بالدولار، ليس محلياً فحسب، بل في كل مكان آخر. وهذا، كما تشير تيت، سيكون مفيداً للحكومة الأمريكية.

مع ذلك، لا يُعد أيٌّ من هذه الأسباب وجيهاً للترحيب بالعملات المستقرة المقومة بالدولار. وكما ترى هيلين راي من كلية لندن للأعمال: «بالنسبة لبقية العالم، بما في ذلك أوروبا، فإنّ التبني الواسع للعملات المستقرة المرتبطة بالدولار الأمريكي لأغراض الدفع يُعادل خصخصة عوائد سك العملة من قِبل جهات فاعلة عالمية». وستكون هذه خطوةً استغلاليةً أخرى من قِبَل القوة العظمى. وكبديل، يمكن للولايات المتحدة أن تتحوّل نحو نظام دفع أقل تكلفةً وحكومة أقلّ إسرافاً. لكنّ أيّاً منهما غير مُرجّح.

إجمالاً، يبدو أن العملات المستقرة - وهي أصول تُقدم كبدائل رقمية للعملات الورقية، خاصة الدولار الأمريكي - تتمتع بمستقبل واعد. وكما أشارت تيت «تتوقع جهات فاعلة مثل ستاندرد تشارترد أن ينمو قطاع العملات المستقرة من 280 مليار دولار إلى تريليوني دولار بحلول عام 2028». لكن هل ينبغي أن تحظى بترحيب جهات أخرى غير المُصدرين ووزارة الخزانة الأمريكية وكذلك المجرمين بمختلف أنواعهم؟ كلا، فالعملات المستقرة أكثر استقراراً بكثير من البيتكوين مثلاً، لكن من المرجح أن يكون «استقرارها» المزعوم مجرد خدعة، مقارنةً باستقرار الدولار نقداً أو البنوك.

وقد أعرب صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وبنك التسويات الدولية عن مخاوف جدية. ومن المثير للاهتمام أن البنك الدولي يرحب بفكرة «الترميز»: وبالتالي، «من خلال جمع احتياطيات المرمزة للبنوك المركزية وأموال البنوك التجارية والأصول المالية في مكان واحد، يمكن لدفتر الأستاذ الموحد الاستفادة الكاملة من مزايا الترميز». ومع ذلك، يخشى بنك التسويات الدولية من فشل العملات المستقرة في استيفاء «الاختبارات الرئيسية الثلاثة: الوحدة، والمرونة، والنزاهة». فما الذي يعنيه ذلك؟

الوحدة هي ضرورة أن تكون جميع أشكال العملة قابلة للتبادل مع بعضها البعض على قدم المساواة، في جميع الأوقات. وهذا هو أساس الثقة في النقود. أما المرونة فتعني القدرة على تقديم المدفوعات بجميع أحجامها دون عوائق. وتعني النزاهة القدرة على الحد من الجرائم المالية وغيرها من الأنشطة غير المشروعة. وتلعب البنوك المركزية والهيئات التنظيمية الأخرى دوراً محورياً في كل ذلك.

إن العملات المستقرة، كما هي حالياً، لا تفي بهذه المتطلبات: فهي غامضة، وسهلة الاستخدام من قبل المجرمين، وقيمتها غير مؤكدة. وفي الشهر الماضي، خفضت وكالة ستاندرد آند بورز العالمية للتصنيفات الائتمانية تصنيف عملة تيثر USDT، أهم عملة مستقرة للدولار، إلى «ضعيفة». لذلك، فإن هذه العملة ليست جديرة بالثقة. وغالباً ما فشلت الأموال الخاصة في الأزمات. ومن المرجح جداً أن ينطبق ذلك على العملات المستقرة أيضاً. وإذا افترضنا أن الولايات المتحدة ستشجع استخدام العملات المستقرة قليلة التنظيم، جزئياً لتعزيز الدور المهيمن للدولار الأمريكي، وبالتالي المساهمة في تمويل عجزها المالي الضخم. فماذا ينبغي على الدول الأخرى فعله؟ الجواب هو أن تدافع عن نفسها بأفضل ما يمكنها. وهذا ينطبق بشكل خاص على الدول الأوروبية. وفي النهاية، ومن خلال استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي، أبرزت الولايات المتحدة بوضوح عداءها العلني لأوروبا الديمقراطية.

إذاً، يتعين على الدول الأوروبية النظر في كيفية إدخال عملات مستقرة تكون أكثر شفافية وأفضل تنظيماً وأكثر أماناً مما يُرجح أن تُنتجه الولايات المتحدة الآن. وهنا، يبدو نهج بنك إنجلترا نموذجاً للمنطق السليم: ففي الشهر الماضي فقط، طرح البنك «إطاراً تنظيمياً مقترحاً للعملات المستقرة النظامية المقومة بالجنيه الإسترليني»، على أساس أن «استخدام العملات المستقرة الخاضعة للتنظيم يمكن أن يؤدي إلى مدفوعات أسرع وأرخص للتجزئة والجملة، مع وظائف أفضل، سواءً محلياً أو عبر الحدود».

ويبدو لي أن هذه هي أفضل نقطة انطلاق، فالمسؤولون الحاليون في الولايات المتحدة مفتونون بشدة بشعار شركات التكنولوجيا الكبرى «لنتحرك بسرعة ونكسر القواعد»، لكن في حالة المال، قد يكون ذلك كارثياً. نعم، هناك أسباب وجيهة لاستغلال إمكانيات التقنيات الجديدة لإنشاء نظام نقدي ومدفوعات أسرع وأكثر موثوقية وأماناً، والولايات المتحدة بصفة خاصة بحاجة ماسة إلى هذا، لكن نظاماً يُقدم وعوداً كاذبة بالاستقرار، ويُسهّل سياسات مالية غير مسؤولة، ويفتح الباب أمام الجريمة والفساد، ليس بالمرة ما يحتاجه العالم، ولذلك لا بد من مقاومته.