كلارا موراي

تم إلغاء أو تعليق ما يقرب من 60 مشروعاً رئيسياً للهيدروجين منخفض الكربون، بما في ذلك مشاريع تابعة لشركتي النفط «بي بي» و«إكسون موبيل»، خلال العام الجاري، وذلك في ظل معاناة القطاع من ارتفاع التكاليف بشكل متسارع، وعدم استقرار السياسات، ونقص المشترين. وبلغ إجمالي الإنتاج السنوي للمشاريع، التي تم إلغاؤها أو تعليقها 4.9 ملايين طن، وفقاً لبيانات «إس آند بي جلوبال»، أي ما يعادل أكثر من أربعة أضعاف الطاقة الإنتاجية العالمية المركبة للهيدروجين النظيف.

وفي الأسبوع الماضي انسحبت «بي بي» من استثمارات مخطط لها في مشاريع للهيدروجين في سلطنة عمان وتيسايد شمال شرق إنجلترا، بعد أن سبق وتخلت هذا العام عن مشروع للهيدروجين الأخضر، كان من المقرر بناؤه في أستراليا، وفي الشهر الماضي أوقفت «إكسون موبيل» مشروعاً للهيدروجين في تكساس كان سيصبح واحداً من أكبر المشاريع في العالم،

ومن بين الشركات التي ألغت أو أجلت محطات الهيدروجين، خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية: إكوينور، وأرسيلور ميتال، وفاتنفال، بينما ألغت «شل» مشروعاً في مراحله الأولى في النرويج.

وتسلط هذه الإلغاءات والتأخيرات الضوء على مشاكل توسيع نطاق تقنية لطالما قدمت وعوداً كبيرة كونها وسيلة أساسية لخفض انبعاثات الكربون، وقد واجه الهيدروجين منخفض الكربون - المنتج إما باستخدام الطاقة المتجددة والماء وإما بالغاز واحتجاز الكربون وتخزينه - صعوبة في الحصول على عقود مسبقة من المشترين، حيث يعد ما يسمى بالهيدروجين الأخضر والأزرق أغلى من نظيره «الرمادي» المستخلص من الوقود الأحفوري دون احتجاز انبعاثاته.

ويقول موراي دوغلاس، رئيس قسم أبحاث الهيدروجين في شركة وود ماكنزي: «لقد كان هذا العام أو العامان الماضيان مليئين بالتحديات لأي شركة تحاول تطوير مشاريع الهيدروجين النظيف. لقد تلاشت الرغبة في دفع أي علاوة خضراء في جميع تقنيات الهيدروجين منخفض الكربون».

ورصدت الشركة الاستشارية أكثر من 300 مشروع للهيدروجين منخفض الكربون، تم إلغاؤها أو إيقافها أو تجميدها منذ عام 2020، لكن دوغلاس أشار إلى أن العديد منها كان قائماً على التكهنات أو منخفض الجودة، وهناك أنواع مختلفة للهيدروجين، أبرزها:

- الهيدروجين الأخضر: ينتج باستخدام الكهرباء النظيفة من تقنيات الطاقة المتجددة لتحليل الماء (H2O) كهربائياً، وفصل ذرة الهيدروجين عن جزيء الأوكسجين، وهو مكلف للغاية حالياً، بسبب تكاليف تطوير البنية التحتية والنقل.

- الهيدروجين الأزرق: ينتج باستخدام الغاز الطبيعي مع احتجاز انبعاثات الكربون وتخزينها أو إعادة استخدامها، يُنتج بكميات ضئيلة نظراً لقلة مشاريع احتجاز الكربون.

- الهيدروجين الرمادي: هو الشكل الأكثر شيوعاً لإنتاج الهيدروجين، وهو يستخرج من الغاز الطبيعي عبر إعادة تشكيل الميثان بالبخار، لكن دون احتجاز الانبعاثات.

- الهيدروجين البني: أرخص طريقة لإنتاج الهيدروجين، لكنها أيضاً الأكثر ضرراً بالبيئة نظراً لاستخدام الفحم الحراري في عملية الإنتاج.

وتأثرت صناعة الهيدروجين الواعدة سلباً بموقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العدائي تجاه مشاريع الطاقة المتجددة، ما أدى إلى خفض الدعم ،الذي وعدت به إدارة جو بايدن، فيما تباطأت الدول الأوروبية في تنفيذ خططها.

واستقطب الهيدروجين منخفض الكربون اهتماماً واسعاً في أوائل العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، باعتباره وسيلة لتزويد القطاعات التي يصعب خفض انبعاثاتها الكربونية، مثل الطيران والصلب والنقل البري لمسافات طويلة، فضلاً عن دوره في معالجة مصادر التلوث الرئيسية، بما في ذلك تكرير النفط وصناعة الأسمدة.

ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة فقد أعلن عن أكثر من 2600 مشروع عالمي بحلول نهاية عام 2024، بما في ذلك محطات ضخمة في مناطق تتمتع بوفرة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مثل أستراليا وموريتانيا ومصر.

وتشير الوكالة، التي تقدر أن إنتاج الهيدروجين النظيف يحتاج إلى زيادة بحوالي 10 أضعاف بحلول عام 2035 لتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية، للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، إلى أن ربع المشاريع المخطط لها لعام 2030 فقط سيتم إنجازه على الأرجح بحلول ذلك الوقت.

وأشار مجلس الهيدروجين، المدعوم من كبرى المجموعات الصناعية وشركات النفط والغاز الرائدة مثل إكسون موبيل وأرامكو وأدنوك وأداني، إلى تخصيص أكثر من 110 مليارات دولار لنحو 500 مشروع عالمياً. وقالت الرئيسة التنفيذية إيفانا جيميلكوفا: «ما نشهده هو مرحلة طبيعية ومتوقعة من نضج السوق، على غرار ما شهدته صناعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية والبطاريات في مراحلها الأولى من التوسع، حيث دخل مشروع واحد من كل عشرة مشاريع تقريباً حيز التشغيل»، لكن التكلفة لا تزال تشكل عائقاً، إذ قد تصل تكلفة الهيدروجين الأخضر المنتج باستخدام الطاقة المتجددة الرخيصة إلى ضعف تكلفة إنتاجه باستخدام الوقود الأحفوري دون احتجاز الانبعاثات، ويعود ذلك في معظمه إلى تكلفة تطوير البنية التحتية الجديدة وتكاليف التوزيع.

وفي يونيو ألغت شركة «أرسيلور ميتال» لصناعة الصلب مشروعين لإنتاج الهيدروجين الأخضر في ألمانيا رغم الدعم الحكومي، الذي بلغ 1.3 مليار يورو، معللة ذلك بأن الهيدروجين الأخضر ليس مصدراً مجدياً للوقود بعد، كما أدى ضعف البنية التحتية للتخزين والنقل إلى انسحاب شركة «فاتنفال» من دعم الاتحاد الأوروبي لمشروع محلل كهربائي في هولندا في وقت سابق من هذا العام، بعد تأخر إنشاء خط أنابيب أوروبي شامل.

ولا يزال الدعم الحكومي غير مؤكد في العديد من الأسواق، رغم حصول الهيدروجين على ما لا يقل عن 10 مليارات دولار من التمويل العام للبحث والتطوير على مستوى العالم بين عامي 2020 و2024، وفقاً لأرقام وكالة الطاقة الدولية.