جورج ستير - جيل شاه - نيكو أصغري
لم تظهر تأثيرات واضحة لتدهور سوق العملات المشفرة، خلال حفل عيد ميلاد صاخب أقامه أنتوني بومبليانو، أحد أبرز داعمي هذا القطاع، يوم الأربعاء، في فندق فريهاند بنيويورك. استمتع أعضاء جماعات الضغط والمستثمرون، وحتى أحد الأفراد الذين يبيعون تأمينات على الحياة مقومة بالبيتكوين، بالأطعمة الفاخرة.
من جانبه، صرح بريت نوبلوش، محلل العملات المشفرة في «كانتور فيتزجيرالد»، في مذكرة للعملاء: «نرى هذا التراجع إيجابياً للعملات المشفرة والبيتكوين»، مضيفاً أنه يتوقع أن يرتفع سعر البيتكوين في النهاية إلى ما يزيد على 1.5 مليون دولار أمريكي للرمز الواحد - أي ما يعادل 16 ضعفاً لقيمته الحالية، إلا أن سرعة ونطاق موجة البيع الأخيرة، التي شهدت فقدان البيتكوين ربع قيمتها في شهرين، أثارت مشاكل جديدة في أماكن أخرى. وفي حديثه، الاثنين الماضي، حذر فونغ لي، الرئيس التنفيذي لشركة «استراتيجي»، وهي شركة من شركات ما يعرف بـ«شركات خزانة البيتكوين»، والتي جمعت 650 ألف بيتكوين على مدى السنوات الخمس الماضية، من أن «شتاء البيتكوين» وشيك، وذلك في إشارة إلى آخر تراجع كبير شهدته الأسواق، عقب انهيار بورصة العملات المشفرة «أف تي إكس» التابعة لسام بانكمان-فريد عام 2022.
وتتراوح تفسيرات موجة البيع، التي تسببت في خسارة أكثر من تريليون دولار من القيمة السوقية الإجمالية لحوالي 18 ألف رمز رقمي خلال الشهرين الماضيين، بين عدم اليقين بشأن مسار أسعار الفائدة الأمريكية والمخاوف بشأن ارتفاع تقييمات أسهم التكنولوجيا، التي امتدت تأثيراتها لتطال أصول محفوفة بالمخاطر أخرى. إن انزلاق البيتكوين من ذروة أقل بقليل من 126000 دولار في 7 أكتوبر إلى حدود 84000 دولار، يوم الاثنين،وحوالي 89000 دولار، يوم الجمعة، أمر مذهل للغاية بالنظر إلى المدى الذي فرش فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السجادة الحمراء لصناعة التشفير، منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير.
وشهدت الأشهر الـ 12 الماضية تنصيب ترامب قيادة صديقة للعملات المشفرة في الوكالات التنظيمية الأمريكية الرئيسية، وعفا عن العديد من المديرين التنفيذيين في مجال التشفير، الذين أقروا بالذنب في تهم جنائية، وأمر بإنشاء احتياطي وطني للبيتكوين، كل ذلك في حين حصلت عائلته على أكثر من مليار دولار من الأرباح قبل الضرائب من إمبراطوريتها المشفرة المتوسعة، وعلى الرغم من الارتفاع القوي في الربيع والصيف فقد انخفضت البيتكوين بنسبة 4 في المائة خلال هذا العام المتقلب.
وقبل ثلاث سنوات كان التمويل التقليدي معزولاً نسبياً عن اضطرابات سوق التشفير، لكن انتعاش البيتكوين اللاحق وانتقاله إلى التيار الرئيسي – حيث يمتلك صندوق بلاك روك المتداول في البورصة حوالي 780,000 بيتكوين، ويفكر جي بي مورغان تشيس في الإقراض مقابل حيازات العملاء من العملات المشفرة - يعني أن عمليات البيع الشديدة، اليوم، بدأت تتسرب أحياناً إلى أسواق أخرى. إحدى المؤسسات التي زادت حصتها قبل فترة وجيزة من ركود السوق كانت جامعة هارفارد، التي تشكل حصتها البالغة 442 مليون دولار تقريباً في صندوق «آي شيرز بيتكوينترست إي تي إف» التابع لشركة بلاك روك أكبر حيازة أمريكية معلنة لها، وفقاً للإيداعات. وكان الألم أكثر اتساعاً نتيجة لذلك، وقال المحللان في دويتشه بنك، ماريون لابور وكاميلا سيازون: «على عكس الانهيارات السابقة، التي كانت مدفوعة في المقام الأول بمضاربات التجزئة، فقد حدث تباطؤ هذا العام وسط مشاركة مؤسسية كبيرة».
ومع توسع سوق العملات المشفرة على مدى السنوات الثلاث الماضية أصبح من الصعب تجاهل نوبات التقلب التي تكون عرضة لها، واكتسبت مسألة ما إذا كان انخفاضها الأخير نذير شؤم على الأسواق المالية الأوسع نطاقاً أهمية متزايدة في نهاية عام اتسم بتصاعد التوترات الجيوسياسية والمخاوف المستمرة من فقاعة أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى.
ومثل العديد من تقلبات السوق هذا العام كانت شرارة التراجع الأخير في العملات المشفرة إعلان الرئيس عن تعريفات جمركية على منصة «تروث سوشيال»، فقد أدى تهديد ترامب بفرض تعريفات جمركية إضافية بنسبة 100% على الصين في 10 أكتوبر إلى أسوأ انخفاض يومي لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 منذ أبريل، عندما تضررت أسعار الأصول من تعريفات ترامب الأولية في «يوم التحرير». وقد انهارت أسعار العملات المشفرة في الدقائق التي تلت منشور ترامب، إذ اجتاح الذعر الأسواق، وبلغ متوسط الانخفاض اليومي لنحو 10,000 رمز، والتي تتبعها مجموعة البيانات كوين ديسك، 47%، ما أدى إلى تصفية أكثر من 19 مليار دولار من الصفقات ذات الرافعة المالية، ومحو 500 مليار دولار من قيمتها خلال ساعات قليلة، وما انتهى من كونها أسوأ موجة بيع ليوم واحد في سوق العملات المشفرة، يشار إليه الآن بأسف من قبل بعض المستثمرين باسم «10/10».
وتشير التحليلات التي أجريت منذ ذلك الحين إلى أن جزءاً كبيراً من الضرر يمكن إرجاعه إلى إقبال المستثمرين على المنتجات المالية المعروفة باسم العقود الآجلة الدائمة. وتسمح هذه العقود للمتداولين بوضع رهانات رافعة مالية عالية، تصل إلى 100 إلى 1 في بعض بورصات العملات المشفرة، لتعزيز عوائدهم على تحركات السوق. وتراجعت آلاف هذه الرهانات بشدة مع بدء انخفاض البيتكوين والعملات الرقمية الأخرى في أواخر يوم 10 أكتوبر. وفي الوقت نفسه تراجع صناع السوق - الذين يشترون عادة الأوراق المالية من البائعين، ويبيعونها للمشترين لتوفير السيولة الضرورية، ما أدى إلى تفاقم تقلبات الأسعار.
يقول آدم مورغان مكارثي، محلل الأبحاث في شركة كايكو لتزويد البيانات، إن موجة البيع هذه «كشفت عن ضعف أساسي في البنية التحتية للعملات الرقمية». ويضيف أنه مع غياب صناع السوق فجأة «لم يكن أحد يعرف القيمة الحقيقية لأي عملة رقمية، لأن الأسعار تفاوتت بشكل كبير من منصة إلى أخرى».
ومع حساب المستثمرين لخسائرهم تضافرت المخاوف الاقتصادية الكلية الأوسع نطاقاً لاحقاً لإطالة أمد ركود سوق العملات الرقمية. وفي أواخر أكتوبر تزايدت الشكوك حول ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيخفض أسعار الفائدة عند اجتماعه، ما زاد من المخاوف المحيطة بالتقييمات الباهظة لشركات التكنولوجيا في وادي السيليكون، والتي تتصدر طفرة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي.
إن انخفاض أسعار الفائدة، الذي يقلل من مقدار ما يمكن للمستثمرين كسبه من الاحتفاظ بديون الحكومة الأمريكية قصيرة الأجل، يجعل الأصول الخطرة مثل رموز العملات المشفرة أكثر جاذبية بشكل طفيف، وارتفعت قيمة البيتكوين في عام 2020 مع خفض الاحتياطي الفيدرالي لتكاليف الاقتراض، ثم انخفضت بعد عامين مع رفع البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة لكبح التضخم. وتقول لورا كاثرين مان، الشريكة في مجموعة أسواق رأس المال الأمريكية التابعة لشركة «وايت آند كيس»: «ينظر الناس إلى العملات المشفرة على أنها فئة أصول أكثر خطورة، وإذا شعر المستثمرون بالتردد وأرادوا الانسحاب فسيبتعدون عن العملات المشفرة أولاً».
إذا كان تجار العملات الرقمية الأكثر تطوراً، والذين يستخدمون مشتقات غريبة قد دفعوا بموجة بيع الأصول الرقمية في أكتوبر، فإن المستثمرين الصغار، الذين عادة ما يشترون ويبيعون الرموز بسعر السوق أو من خلال صناديق الاستثمار المتداولة، هم «المسؤولون بشكل رئيسي عن استمرار تصحيح سوق العملات الرقمية في نوفمبر»، وفقاً لمحللي جي بي مورغان. وبلغت عمليات السحب من صناديق الاستثمار المتداولة للأصول الرقمية في نوفمبر 3.5 مليارات دولار، متجاوزة الرقم القياسي السابق المسجل في فبراير، وفقاً لبيانات «مورنينغ ستار»، وتزامن ذلك مع فترة صعبة لعشرات ما يسمى أسهم «الميم» الشائعة بين تجار التجزئة. يقول المحللون، إن تأثير العملات الرقمية على سوق الأسهم كان واضحاً، يوم الخميس، عندما انخفض سعر البيتكوين بشكل حاد حوالي الساعة 2 ظهراً بالتوقيت الشرقي، وحذا مؤشر ستاندرد آند بورز 500 حذوه بعد لحظات. ف
ي 17 نوفمبر بدا أن مؤشراً يتتبع أسهم التكنولوجيا الأمريكية قد اتبع مسار البيتكوين طوال معظم جلسة التداول. ويقول مايك أورورك، كبير استراتيجيي السوق في «جونز تريدينغ» في إشارة إلى قيمة مؤشر ناسداك 100: «إنها حقاً حالة من عدم اليقين الكبير عندما يؤثر أصل مضاربي بقيمة سوقية 1.8 تريليون دولار بشكل كبير على مؤشر القيمة السوقية البالغ 32 تريليون دولار.. من المثير للقلق بالفعل أن نرى المؤشر، الذي يركز على أكبر الشركات وأكثرها نفوذاً في العالم، يقتدي بعملة البيتكوين».
رغم ذلك كله فإنه من الصعب العثور على مستثمر واحد في العملات المشفرة لا يعتقد أن سعر البيتكوين سيصل في النهاية إلى مستويات قياسية جديدة، وقد أشار لاري فينك، من بلاك روك، إلى أن صناديق الثروة السيادية استفادت من انخفاض سعر البيتكوين عندما كان سعرها يتداول فوق 80 ألف دولار بقليل، في إشارة إلى أن بعض مجتمع الاستثمار ظل متفائلاً تجاه البيتكوين حتى مع انخفاض الأسعار إلى أدنى مستوى لها في ثمانية أشهر.
في يوليو أقر مجلس النواب الأمريكي تشريعاً تاريخياً لتنظيم العملات المستقرة، وهي عملات مرتبطة في الأغلب بأصول تشمل سندات الخزانة والدولار الأمريكي، بالإضافة إلى قانون يضع إطاراً لتحديد ما إذا كان ينبغي اعتبار الأصول الرقمية أوراقاً مالية، وفي حال إقراره من قبل مجلس الشيوخ يتوقع خبراء العملات المشفرة أن يضيف كلا التشريعين زخماً جديداً للسوق الأوسع.