روبرت أرمسترونغ - هاكيونغ كيم

لا نعرف في معظم الأحوال السبب وراء ارتفاع أسواق الأسهم، لكن، في الولايات المتحدة، تعد الآن إحدى الفترات النادرة التي نعرف فيها سبب قفزات الأسعار، فالأسهم ترتفع لأنها باتت تُسعّر بسرعة غير عادية تمهيداً للخفض التالي المتوقع في سعر الفائدة من قِبَل الاحتياطي الفيدرالي. 

كان هناك تغيير كبير في التوقعات منذ 20 نوفمبر، فقد تحولت الأسواق من حالة اليقين التام بعدم وجود تخفيض الأسبوع المقبل، إلى حالة اليقين شبه التام بحدوثه.

فما الذي أحدث الفرق؟ لتبسيط الأمر نستعرض رأي جون ويليامز، وكريستوفر وولر، وبعض البيانات الاقتصادية غير المستقرة.

فقد أدلى جون ويليامز الرئيس المؤثر لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، ببعض التعليقات «الحمائمية» في 21 نوفمبر حيث قال: «ما زلت أرى مجالاً لمزيد من التعديل في المدى القريب... لتحريك موقف السياسة لتكون أقرب إلى نطاق الحياد». بدا أن ذلك قد أوقف تراجع توقعات الخفض.

وبعدها ببضعة أيام، قال كريستوفر والر محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي (الذي كان حتى وقت قريب المرشح الأوفر حظاً في السباق على منصب رئيس البنك المركزي القادم)، إن ضعف سوق العمل يجعل خفض سعر الفائدة أمراً معقولاً.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك تقرير مبيعات التجزئة الضعيف، وأرقام ثقة المستهلك السيئة، ومسحاً صناعياً ضعيفاً آخر، فإن السوق يبدأ في كتابة خفض سعر الفائدة بالقلم.

وقد أوقف ذلك انخفاض مؤشر ستاندرد آند بورز 500، ودفعه إلى الارتفاع بنحو 5 %، وكان تكوين هذا الارتفاع موحياً تماماً مثل التوقيت.

وبينما لا تزال أسهم التكنولوجيا، وتحديداً أسهم أشباه الموصلات، تُسهم بشكل كبير في رسم أداء السوق، شهدت الأسهم الدورية الحساسة لأسعار الفائدة (شركات بناء المنازل والنقل والمواد الكيميائية)، أداءً رائعاً خلال الأسابيع القليلة الماضية. وكذلك الحال بالنسبة لعدد من الأسهم التي تواجه تحديات كبيرة في التعامل مع المستهلكين.

قد يكون جزء من هذا، وخاصةً في أسهم قطاع الإسكان، هو إجبار البائعين على المكشوف على تغطية خسائرهم. وقد يكون جانب آخر هو الرأي - الذي يُقارب الإجماع الآن - بأن الاقتصاد جاهز للانتعاش العام المقبل، بعد التباطؤ الذي سجله في الربع الأخير. لكن سردية خفض أسعار الفائدة، تبقى بلا شك نجم العرض.

كسبب لتغيير مسار سوق الأسهم، فإن خفض أسعار الفائدة في ديسمبر، لا يُمثل أي مبرر يُذكر. فتغيير أسعار الفائدة قصيرة الأجل بمقدار 25 نقطة أساس، ليس ذا أهمية تُذكر، سواءً لمعدلات خصم الأسهم أو لتوقعات أرباحها.

وسيكون من الخطأ القول بأن خفض أسعار الفائدة في ديسمبر، يُمثل مؤشراً على تغيير أكبر في مسار أسعار الفائدة. فقد ظلت تقديرات السوق لوجهة الاحتياطي الفيدرالي، أو «السعر النهائي»، ثابتة بشكل ملحوظ عند نحو 3 % لعدة أشهر.

فهل يشير ذلك إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة قائم على أسس هشة؟ ربما، لكن التنبؤ بمستقبل أسواق الأسهم القريب، بناءً على ماضيها القريب، غالباً ما يكون مضيعة للوقت.

والدرس العام هو الأهم هنا. غالباً ما يكون تأثير هوس المستثمرين بالاحتياطي الفيدرالي، أكبر مما يفعله أو لا يفعله، ويزيد من غموض الإشارات التي ترسلها أسعار السوق.

من ناحية أخرى، فإنه في ظل إدارة ترامب، لا شيء مؤكد الحدوث، لكن التلميحات إلى أن كيفن هاسيت سيكون مرشح الرئيس لرئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي، لم تكن خفية. وكان هاسيت بالفعل المرشح الأكثر ترجيحاً في سبتمبر، وفقاً لاستطلاع أجرته فاينانشال تايمز لآراء الاقتصاديين.

ويقول جوزيف وانغ من «مانتري ماكرو»: «يُنبئك التعيين ما إذا كان لديك مجلس احتياطي فيدرالي مستقل أم لا.

فإذا كان لديك والر، فسيكون لديك مجلس احتياطي فيدرالي مستقل.. هاسيت هو أكثر خيار سياسي ممكن بعد تعيين دونالد جونيور.. ومن المعتقد على نطاق واسع، أنه سيكون مطيعاً جداً للرئيس».

وجوزيف وانغ ليس الوحيد هنا. فخلال الشهر الماضي، سعت وزارة الخزانة الأمريكية إلى الحصول على آراء متداولي السندات والمديرين التنفيذيين الماليين بشأن هاسيت، وقد «أبلغوا وزارة الخزانة الأمريكية بشعورهم الكبير بالقلق، من أنه سيخفض أسعار الفائدة بقوة، لإرضاء الرئيس دونالد ترامب».

فقد التزم هاسيت بنهج ترامب في كل كلمة ولفتة ومقابلة لسنوات. لكن تعيينه بحد ذاته، لن يكون كافياً لتغيير مسار أسعار الفائدة بشكل ملموس، أو تقويض الثقة في الاحتياطي الفيدرالي.

ومن اللافت أنه مع تزايد التلميحات إلى ترشيح هاسيت خلال الأسبوع الماضي أو نحو ذلك، كان رد فعل السوق معتدلاً.

صحيح أن الدولار شهد ضعفاً، لكن قد يكون ذلك مرتبطاً بشكل أكبر بضعف البيانات الاقتصادية الأمريكية، وتحسن البيانات الخارجية إلى حد ما. وفكرة أن استقلال الاحتياطي الفيدرالي مهدد واردة بالفعل، لكن، إذا أراد هاسيت تغييراً جذرياً في سياسة أسعار الفائدة، فعليه إقناع بقية أعضاء لجنة السوق المفتوحة.

ويعتقد ماثيو لوزيتي من دويتشه بنك، أن هاسيت، بصفته منتقداً صريحاً لسياسة الاحتياطي الفيدرالي مؤخراً، قد يجد صعوبة في البداية في إقناع زملائه بخفض أسعار الفائدة بشكل ملموس. كما يجب على الرئيس الجديد أن يتحرك نحو مركز اللجنة للتوصل إلى إجماع.

وقد يعني هذا أن هاسيت سيضطر إلى التحول عن الدعوات الأكثر عدوانية لخفض أسعار الفائدة، فرئيس الاحتياطي الفيدرالي لا يتمتع بسلطة مطلقة. ولا شك أن إدارة ترامب تريد إضعاف الحد الفاصل بين الإرادة الرئاسية، وسياسة الاحتياطي الفيدرالي. وآخر الجهود المبذولة في هذا الاتجاه، كان سعي وزير الخزانة، سكوت بيسنت، لفرض شروط إقامة على رؤساء البنوك الإقليمية.

عموماً، فإن استقلال الاحتياطي الفيدرالي محمي بالقواعد والهياكل المؤسسية، وليس بالتعيينات الفردية، مهما كانت مكانتها. وإذا صمدت هذه القواعد والهياكل، فسيتدبر البنك المركزي أمره.