ريتشارد ووترز

بالنسبة للشركات التقنية الناشئة، يُعد التركيز الدائم أمراً بالغ الأهمية، فقد شكّل بيان مهمة غوغل الشهير «تنظيم معلومات العالم وجعلها متاحة ومفيدة للجميع»، الأولويات المبكرة للشركة.

وأدت سلسلة من التحديثات التي طرأت على محرك البحث في سنواته الأولى، من البحث عن الصور والخرائط إلى التسوق والأخبار، إلى تغيير جذري في طريقة تعامله عن بداياته. وبحلول الوقت الذي أطلقت فيه مايكروسوفت تحدياً مباشراً مع «بينغ» بعد 9 سنوات، كانت اللعبة قد انتهت تقريباً.

وعلى النقيض من ذلك، سعت «أوبن أيه آي» إلى الاستفادة من عدم التركيز على شيء بعينه. وربما استحوذ «شات جي بي تي» على اهتمام الجمهور، لكن الشركة كانت منشغلة بمحاولة تطوير مجموعة أخرى من أفكار المنتجات الجديدة، من شبكة اجتماعية تعتمد على إنشاء مقاطع الفيديو إلى وكيل تسوق، مع خوض غمار سوق الأعمال.

وسباق التنويع يعد أمراً مفهوماً، ففي مواجهة تكاليف باهظة لتطوير وتدريب نماذجها، تحتاج «أوبن أيه آي» إلى كل مصدر دخل جديد يمكنها إيجاده، لكن أخطار هذا النهج بدأت بالظهور.

فبعد 3 سنوات من الصدمة التي أحدثت هزة لغوغل بسبب «شات جي بي تي»، عادت عملاقة البحث بقوة. وقد حظي أحدث نموذج للذكاء الاصطناعي من «جيميناي» بإشادة واسعة، ما دفع أسهم الشركة إلى آفاق جديدة. وإدراكاً منه للخطر، أصدر سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن أيه آي»، ما أسماه «رمزاً أحمر» للموظفين، حاثاً إياهم على إعادة تركيز جهودهم على «شات جي بي تي».

وعلى عكس غوغل، لم تكن «أوبن أيه آي» لتحظى بفرصة واضحة في سوق جديدة كبيرة دون منافسة شرسة من عمالقة يلاحقونها من قرب، ولكن إذا كانت رسالة ألتمان دليلاً على شيء، فإن شركته قد فاقمت المشكلة بعدم تخصيص موارد كافية لتعزيز منتجها الأساسي، ما استدعى دعوة عاجلة لإعادة التفكير.

وتثير هذه الدعوة 3 أسئلة مهمة حول أولويات «أوبن أيه آي» في المرحلة القادمة من المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي الاستهلاكي. أحدها هو ما إذا كان بإمكانها أن تأمل في أي تمايز مستدام في النماذج الأساسية التي كانت المصدر الأصلي لنجاحها. مع اشتداد المنافسة بين مصممي النماذج، لم تتمكن الشركة من الحفاظ على تفوق تقني واضح، لكن لم يكن أي شخص آخر لينجح في ذلك أيضاً.

مع ذلك، يعكس تمايز النماذج أيضاً قرارات أكثر ذاتية، مثل النبرة التي يستخدمونها في ردودهم على الأسئلة. هنا، مرة أخرى، يبدو أن «أوبن أيه آي» قد تشتت انتباهها بسبب أولوياتها المتعددة. وكان تحديث نموذجها 40 في وقت سابق من هذا العام، موجهاً بشكل كبير نحو تعظيم تفاعل المستهلكين، وكان يميل إلى تعزيز أي آراء لمستخدميها بالفعل.

وبعد الإقرار بأن هذا قد جعل النموذج متملقاً، تراجعت «أوبن أيه آي» مع إطلاق «جي بي تي - 5»، فقط لتواجه انتقادات بأنها أصبحت غير شخصية للغاية، ويسلط التذبذب بين هذه الأساليب المختلفة الضوء على تحديات محاولة إرضاء كل من المستهلكين ومستخدمي الأعمال بالنماذج الأساسية نفسها.

السؤال الثاني هو ما إذا كان سوق روبوتات الدردشة قد مال بالفعل لمصلحة «شات جي بي تي» أم أن كل شيء لا يزال مفتوحاً. وتمنح قدرة «غوغل» على استخدام محرك بحثها مدخلاً إلى «جيميناي» أداة قوية لاكتساب العملاء.

وتشير دعوة ألتمان لبذل المزيد من الجهود لتوسيع قدرات «شات جي بي تي»، مثل إضافة المزيد من التخصيص والقدرة على الإجابة على نطاق أوسع من الأسئلة، إلى فترة من المنافسة الشديدة القادمة على الميزات الجديدة.

ومع إعادة تركيزها، تحتاج «أوبن أيه آي» أيضاً إلى نموذج أعمال أقوى لمنتجها الأساسي. وتشكل الاشتراكات المميزة من «شات جي بي تي» الجزء الأكبر من إيراداتها، ولكن نسبة ضئيلة فقط من المستخدمين تدفع مقابل خدمات «مجانية جزئياً» مثل هذه. ومع ذلك، فإن إحدى المبادرات التي سعى ألتمان إلى التقليل من أهميتها خلال الأيام الأخيرة هي الإعلانات، ما يشير إلى تأخير شكل جديد مهم محتمل لتحقيق الربح.

السؤال الثالث من لحظة رمز ألتمان الأحمر هو ما إذا كان ألتمان قد قلل للتو من فرص شركته في التوصل إلى تجربة الذكاء الاصطناعي الاستهلاكية القادمة.

وطالما وصفت الشركة «شات جي بي تي» بأنه نجاح عرضي، ووسيلة لإظهار قوة أحدث طرازاتها التي لامست وتراً حساساً لدى المستهلك بشكل غير متوقع. لذلك ليس من الواضح ما إذا كانت هناك تطبيقات «رائدة» أخرى للذكاء الاصطناعي الاستهلاكي مثل هذا، ولكن بعد هذا الأسبوع، من المرجح أن تتراجع أهمية تجارب المنتجات في «أوبن أيه آي»، على الأقل لفترة من الوقت.

وقد وجه الرئيس التنفيذي للشركة بالفعل الموظفين إلى التقليل من أهمية الأفكار الجديدة الواعدة، مثل خدمة وكيل التسوق وخدمة المساعد الشخصي «بالس».

إن مذكرة ألتمان للموظفين تظهر أن أمامه بعض القرارات الصعبة. صحيح أن مهمة شركته المعلنة، وهي «ضمان استفادة البشرية جمعاء من الذكاء الاصطناعي العام»، جديرة بالإعجاب بالتأكيد، لكن كأداة لتحديد الأولويات الاستراتيجية في سوق تنافسية محتدمة، فإنها لا تقدم سوى القليل من الإرشادات.