ويليام لانغلي

مررت مؤخراً خلال فترة حر الظهيرة بإحدى المناطق الصناعية العديدة في جنوب الصين، وظننت أثناء مروري أن أحد المصانع قد تقرر إغلاقه ربما بعد أسابيع فقط من إعلان الرئيس دونالد ترامب عن اتخاذ سلسلة من الإجراءات لسد الثغرات التي غذت النمو السريع لعلامات الأزياء السريعة مثل «تيمو» و«شين».

لقد بدا المصنع في منطقة بانيو، حيث كان يوجد في العادة العديد من الموردين، فارغاً: الأضواء مطفأة، ولا صوت لأحد يعمل.

لكن عندما اقتربت أكثر تناهى إلى مسامعي أصوات منخفضة، تنهيدات لأشخاص نيام، أو ربما حتى شخير؟ نظرت إلى ساعتي: كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة ظهراً بقليل. في الواقع، لم يتم إغلاق المصنع، بل كان العمال نائمين. تعلو وجوههم أمارات الراحة والرضا رغم حر منتصف النهار.

وفي إحدى أكثر مناطق العالم نشاطاً وحيوية، قد تبدو قيلولة منتصف النهار، أو «وو شيو»، أمراً غريباً. لكن مثلها مثل قيلولة إسبانيا، تعود جذورها إلى الماضي القريب، قبل اختراع تكييف الهواء.

وقد تصل درجات الحرارة خلال أيام الصيف في جنوب الصين إلى ما يزيد على 35 درجة، مع رطوبة تزيد عن 70%، وقد يبدو الهدوء غريبًا للزوار. لكن القيلولة تبرز أخلاقيات العمل المكثف التي فرضتها المعجزة الاقتصادية الصينية.

ويحتاج العمال إلى ساعة على الأقل من القيلولة في منتصف النهار، لأنهم على الأرجح يعملون في 3 نوبات: واحدة في الصباح، وأخرى في فترة ما بعد الظهر، ووردية ثالثة «إضافية» تبدأ من الساعة 6 مساءً وتنتهي في الساعة 9 مساءً، ورغم أن قوانين العمل تحظر مثل هذه الممارسات الآن، إلا أن بعض العمال يضطرون إلى العمل في نوبة ليلية لكسب دخل إضافي.

وبينما يعمل عمال المصانع في نوبات ليلية، يعمل عمال التكنولوجيا بنظام 996 - وهي ثقافة عمل تتطلب منهم البقاء في مكاتبهم من الساعة 9 صباحاً حتى 9 مساءً، لمدة 6 أيام في الأسبوع.

وتظهر منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي أن شركات عدة منها عملاق الإنترنت «تينسينت» وشركة «دي جيه آي» لتصنيع الطائرات بدون طيار قد خصصت ساعات يتم خلالها تعتيم أضواء المكاتب وفرش الأسرة القابلة للطي.

وتم عرض نماذج لأسرّة المخيمات ووسائد المكاتب في مقر شركة «هواوي» في شنتشن، وهي شركة التكنولوجيا الصناعية التي تقود الهجوم الصيني في كل شيء من الرقائق المتطورة إلى السيارات ذاتية القيادة.

وتلعب الحرارة دوراً مهماً، لذلك، تحرص المصانع في الصين الآن على الإعلان عما إذا كانت تحتوي على مكيفات هواء أم لا عند توظيف العمال، لكن في العديد من المباني العامة والمكاتب، تحظر اللوائح ضبط منظمات الحرارة على أقل من 26 درجة - وهي درجة عالية بما يكفي للتسبب في الإحساس بالنعاس في منتصف النهار.

ويقول زانغ يي، الرئيس التنفيذي لشركة «آي آي ميديا ريسيرش» الاستشارية ومقرها قوانغتشو، إنه على الرغم من اعتبار الـ«وو شيو» ممارسة تقليديًا، إلا أن شعبيتها نمت جنباً إلى جنب مع ارتفاع الدخول وساعات العمل الطويلة.

وحسب تقديرات شركة «آي ىي ميدي» فإن حوالي 70 % من البالغين الصينيين يأخذون قيلولة في منتصف النهار، مقارنة مع نسبة 60 % في عام 2019.

ويقول زانغ يي: «عادة «وو شي» تحظى بشعبية كبيرة بالفعل، مشيراً إلى أنها كانت مفضلة أكثر في المدن الصينية الأصغر حجماً، لكن الوعي الصحي المتزايد زاد من انتشارها في المدن الكبرى أيضاً.. ومع ذلك، ففي هذه الأيام، ترتفع وتيرة العمل التي لا هوادة فيها بسبب الحروب التجارية والتباطؤ الاقتصادي المحلي، وهو ما قد يعني نهاية القيلولة.

كذلك، فإن موجة الاستثمار التي حولت دلتا نهر اللؤلؤ في قوانغدونغ مما كان في الأساس مستنقعاً إلى أحد أكثر التكتلات الحضرية إنتاجية في العالم بدأت تتباطأ. توضح المجمعات السكنية الضخمة غير المكتملة آثار الضربة التي أصابت قطاع العقارات. وقد باتت بالفعل قوانغدونغ - أكبر اقتصاد إقليمي في الصين - في السنوات الأخيرة واحدة من أبطأ اقتصاداتها نموًا.

ومع ذلك، أخبرتني تشاو فن، صاحبة مصنع ألعاب في دونغ قوان، أن استراحات الغداء التي تبلغ مدتها ساعة ونصف في شركتها (30 دقيقة لتناول الطعام بالإضافة إلى قيلولة لمدة ساعة) لا تزال ضرورية للحفاظ على أنماط العمل متعددة المناوبات التي جعلت من الصين مصنع العالم.

كذلك، في مسقط رأسها سيتشوان - وهي مقاطعة جنوب غرب الصين تشتهر ببيوت الشاي وحيوانات الباندا - لا يمكنك إنجاز أي عمل رسمي على الإطلاق خلال الفترة بين الساعة 11:30 ظهراً و3:00 عصراً.

وضحكت تشاو فن قائلةً بينما أجلس أمامها على الأريكة الجلدية المسطحة التي تستخدمها لقيلولتها: «سيتشوان أكثر راحة. إنهم يعرفون كيف يستمتعون بوقتهم حقاً».