كاميلا هودجسون
يقف مجمع ضخم في منطقة «مثلث النحاس» الشهير في أريزونا، والذي يستخرج منه النحاس منذ القرن التاسع عشر.
وقد أنفقت شركة «ريزوليوشن كوبر»، مالكة المجمع، أكثر من ملياري دولار حتى الآن على تطوير الموقع وإصدار تراخيصه. ومن المرجح أن يستغرق الأمر عقداً آخر قبل أن يبدأ استخراج النحاس من الأرض، وحتى ذلك يعتمد جزئياً على حكم قضائي مهم متوقع في عام 2026.
وتقع ترسيبات النحاس هذه تحت ما يعتبره بعض السكان الأصليين الأمريكيين أرضاً مقدسة، وقد أعاقت النزاعات القانونية تقدمه.
يقول تيري رامبلر، رئيس المجلس المحلي في سان كارلوس، الذي يعارض المشروع، إنه «سيغير المشهد إلى الأبد»، «هذه المعركة ليست لليوم فقط، بل هي لمئة عام من الآن، لأبنائي وأحفادي».
لكن شركة «ريزوليوشن» تتوقع أن تنتج الترسيبات الضخمة ما يكفي من المعدن لتلبية ما يصل إلى ربع الطلب الأمريكي السنوي على النحاس على مدى أربعة عقود، ومن الناحية الاقتصادية، فإن الظروف مواتية لمثل هذا الاستثمار الضخم.
ويتزايد الطلب على النحاس بفضل اتساع البنية التحتية للشبكة الكهربائية للتحول الأخضر ولتزويد مراكز البيانات بالطاقة اللازمة للذكاء الاصطناعي، وتتطلب هذه المراكز ما بين 27 و33 طناً من النحاس لكل ميغاواط من الطاقة، وفقاً لشركة التعدين «جروبو مكسيكو»، أي أكثر من ضعف متطلبات مراكز البيانات التقليدية.
وقدرت شركة «بي إتش بي»، أكبر مجموعة تعدين في العالم من حيث القيمة السوقية والمساهمة في شركة «ريزوليوشن»، في يناير، أن تنمو كمية النحاس المستخدمة في مراكز البيانات حول العالم بنحو «ستة أضعاف بحلول عام 2050».
وهناك أيضاً التوجه القوي نحو إعادة التسلح العالمي، ويقول روبرت فريدلاند، رائد أعمال التعدين: «هناك طلب كبير مخفي على النحاس، خصوصاً أنه لا يتم الكشف علناً عن الاحتياجات العسكرية للنحاس أبداً». يقدر المحللون في بنك «سوسيتيه جنرال» أن الإنفاق الدفاعي العالمي نما بنسبة 9.4 في المئة ليصل إلى 2.7 تريليون دولار في 2024.
والمشكلة الآن أن المناجم الحالية، التي يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من قرن، أصبحت أقدم وأقل إنتاجية، فيما يصعب العثور على رواسب كبيرة غير مستغلة.
وقالت وكالة الطاقة الدولية هذا العام إنه بحلول عام 2035 سيلبي الإنتاج من المناجم الحالية والمخطط لها نحو 70 في المئة فقط من الطلب العالمي.
ويسعى المنتجون الحاليون إلى الاندماج لزيادة احتياطياتهم وخفض التكاليف، ويتوقع المحللون حدوث عجز في هذا العام، حيث تتوقع شركة الاستشارات وود ماكنزي عجزاً قدره 304,000 طن من النحاس المكرر في عام 2025، وهي فجوة تقول إنها ستتسع في عام 2026. ويقول كوبر: «التعدين هو الخطوة الحاسمة في تحديد معدل التحول في مجال الطاقة».
وقد استجابت الأسعار، حيث سجل النحاس سلسلة من الارتفاعات القياسية منذ أكتوبر، ويبلغ السعر ببورصة لندن للمعادن حالياً أكثر من 11,000 دولار للطن، مقارنة بحوالي 8,500 دولار قبل عامين، ويقول كوبر: «لا يمكن لعجز سوق المعادن أن يستمر طويلاً»، مشيراً إلى أن ارتفاعات الأسعار السابقة كانت تميل إلى التسبب إما في استبدال أو زيادة العرض من مصادر أخرى، مثل الخردة المعدنية، لكنه يشير أيضاً إلى أن شركات التكنولوجيا التي تبني مراكز البيانات أقل حساسية للسعر من العديد من المستهلكين الصناعيين التقليديين للمعدن، إنهم بالفعل «يتفوقون على موردي الشبكة في عروض الأسعار على أشياء مثل وحدات المحولات».
ويقول فينيت ميهرا، الرئيس التنفيذي لشركة «آي آر إتش جلوبال تريدينغ»، إن النحاس هو «الذهب الجديد»، ويتوقع أن أسعاره عند مستوياتها الأخيرة «ستبقى ثابتة» في ظل الاختلال الوشيك بين العرض والطلب.
من ناحية أخرى، يعد مشروع «ريزولوشن» اختباراً بالغ الأهمية لإدارة الرئيس ترامب، التي تسعى إلى إنعاش قطاع التعدين المحلي، وقد أضافت الشهر الماضي النحاس إلى قائمة المعادن الأساسية الحيوية للاقتصاد الأمريكي، وتقول فيكي بيسي، رئيسة المشروع ومديرته العامة، إن الإدارة «أدركت هذا العجز المزمن في النحاس، والمستمر منذ عقود»، وتضيف أن المشروع «يحظى بالتأكيد» بدعم من الحزبين، وأضافت أن العجز الوشيك في النحاس «هو بالضبط السبب الذي يدفعنا إلى توفير إمدادات جديدة عاجلاً وليس آجلاً».
واستحوذت شركة «بي إتش بي» على شركة «ماجما كوبر»، التي كانت تشغل مناجم عدة ومصهراً في ولاية أريزونا، عام 1996، لكن في ظل تباطؤ دوري في سوق النحاس، قامت الشركة لاحقاً بتصفية العديد من عملياتها وإغلاق المصهر بالكامل عام 2003.
وفي العام التالي، أسست «بي إتش بي» و«ريو تنتو»، شركة التعدين التي يقع مقرها الرئيسي في المملكة المتحدة وأحد أقدم مناجم النحاس في الولايات المتحدة، شركة «ريزوليوشن كوبر» لإيجاد طريقة لاستخراج ما يقدر بـ 1.8 مليار طن من النحاس المدفون تحت أعمال منجم «ماجما».
ويعد هذا المنجم من أكبر رواسب النحاس غير المطورة في العالم، ولكن الوصول إلى احتياطيات الخام يتطلب تفجيرات وحفر نفق بطول ميل.
ويعود تجدد الزخم لمثل هذا المشروع المرهق تقنياً والمكلف جزئياً إلى سعي الدول الغربية إلى كسر اعتمادها على الصين في الحصول على مجموعة من المعادن الاستراتيجية.
وتنتج الصين نفسها حوالي 9% فقط من إجمالي النحاس المستخرج من المناجم في العالم، لكن هذا الرقم يرتفع إلى حوالي 20% بعد الأخذ في الاعتبار المشاريع الخارجية التي تمتلك حصصاً فيها، وذلك وفقاً لشركة «بنشمارك مينيرال إنتليجانس».
وكما هي الحال مع المعادن الأرضية النادرة، فإن سيطرتها الحقيقية على سوق النحاس تأتي من مرحلة المعالجة. لذلك، تسيطر الصين الآن على حوالي نصف طاقة صهر النحاس عالمياً، فيما تمتلك الولايات المتحدة، في المقابل، مصهرَي نحاس عاملين فقط.
وتعد الصين أيضاً أكبر مستهلك للنحاس بفارق كبير، حيث تمثل حوالي 58% من الطلب لعام 2025، وفقاً لشركة «بنشمارك». وكان التوسع السريع في شبكة الكهرباء هو المحرك الأكبر لنمو الطلب على النحاس في العامين الماضيين، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
ورغم الحديث عن تباطؤ نمو الصين، من المتوقع أن تعزز الهند والاقتصادات الآسيوية النامية الأخرى الطلب العالمي على النحاس في السنوات القادمة. لكن أكبر مناجم النحاس في العالم تتقدم في السن، مع انخفاض درجات الخام وارتفاع التكاليف، يقول ماكسيمو باتشيكو، رئيس شركة كوديلكو، عملاق النحاس التشيلي الذي تديره الدولة، إن إنتاج النحاس أصبح «أكثر صعوبة وتكلفة» كل عام.
وشهدت ثلاثة من أكبر مناجم النحاس في العالم هذا العام حوادث كبيرة، بما في ذلك مناجم كوديلكو إل تينيينتي، فيما خفضت شركات إنتاج النحاس الرئيسية، بما في ذلك «جلينكور» و«أنتوفاجاستا» المدرجتان في لندن، توقعات الإنتاج على المدى القريب، كما سلطت مثل هذه الحوادث الضوء على مخاطر الاعتماد على عدد قليل من المناجم العملاقة، ويقول إقبال حسين، عالم جيولوجيا الاستشعار عن بُعد في هيئة المسح الجيولوجي البريطانية: «نحتاج إلى المزيد من النحاس، لكننا لا نوفره سوى من مناجم ضخمة أكبر وأقل عدداً»، مشيراً إلى أن 20 منجماً تنتج حوالي ثلث النحاس المستخرج عالمياً، أكبر هذه المناجم هو منجم إسكونديدا في تشيلي، حيث تستثمر شركتا «بي إتش بي» و«ريو تينتو» مليارات الدولارات للحفاظ على مستوى الإنتاج وتعزيزه.
وقد يكون تطوير الاحتياطيات المعروفة صعباً ومكلفاً سياسياً، وقد واجه عمال المناجم معارضة من المجتمعات المحلية حتى في دول مثل تشيلي، حيث يسهم التعدين بنحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي، كما يتطلب تعدين النحاس كميات كبيرة من المياه، وقد حذرت شركة الاستشارات «بي دبليو سي» في يوليو من أن تغير المناخ يزيد من خطر الجفاف في مناطق تعدين النحاس الرئيسية، بما في ذلك تشيلي، وهناك أيضاً مشكلات في مرحلة المعالجة.
وتعني الصعوبات التي تصاحب البدء من الصفر تفضيل أكبر وأغنى شركات التعدين، عادةً، شراء الأصول أو توسيع المناجم القائمة.
وقد أدى التنافس على النحاس إلى أكبر صفقة تعدين لهذا العام، وهي الاندماج المقترح بقيمة 50 مليار دولار بين شركتي «أنجلو أمريكان» و«تيك ريسورسز» اللتين تمتلكان مشاريع مجاورة في تشيلي، ستجعل هذه الصفقة «أنجلو تيك» خامس أكبر منتج عالمي للنحاس المستخرج من المناجم، وفقاً لتحليل أجرته شركة «بنشمارك».
كما يتزايد الاهتمام بإعادة التدوير والتقنيات الجديدة واستخلاص المزيد من النحاس من مواد كانت تعتبر سابقاً نفايات، وتقول «بنشمارك»: «بعض ما يستخرج اليوم لم يكن مجدياً اقتصادياً قبل 10 سنوات، لكن ارتفاع أسعار النحاس وتطور التكنولوجيا يفتحان آفاق إطالة عمر المناجم».
كما تأثر سوق النحاس سلباً بالرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات، حيث تم شحن كميات هائلة من المعدن المكرر إلى أمريكا قبل سريان الرسوم.
وتتوقع ناتالي سكوت-غراي، كبيرة محللي الطلب على المعادن في شركة ستون إكس للسمسرة، أنه بحلول عام 2030 تقريباً، «سيدخل سوق النحاس في عجز هيكلي يصعب للغاية الخروج منه. وفي مثل هذا السيناريو، ستكون الدول التي لديها مخزونات من المواد الخام أو التي تتحكم في الطاقة الإنتاجية هي الفائزة».