بيليتا كلارك

هناك بعض الأمور المتعلقة بحضور مؤتمرات الأمم المتحدة السنوية الضخمة حول تغير المناخ، والتي تُثير قدراً من الغضب بلا شك، فالإقامة في الفنادق ترتفع أسعارها. 

كما أن تذاكر الطيران الرخيصة تُباع بسرعة، وبمجرد دخول القاعات الشاسعة اللازمة لاستيعاب أكثر من 50 ألف شخص في الاجتماعات التي تستمر أسبوعين، يكاد يكون من المستحيل متابعة كل ما يجري.

وفي مؤتمر الأطراف «كوب 30» في مدينة بيليم بالبرازيل مؤخراً، كان ذلك مهماً.

فقد أصبح من الشائع في مؤتمرات الأطراف القول إن الأجنحة التي تستضيف فيها الدول محادثات حول المشاريع والتقنيات والاتجاهات الخضراء أكثر إثارة للاهتمام من المفاوضات الرسمية التي تُجرى في القاعة الرئيسية.

والحقيقة أن الكثير مما نوقش في السنوات الماضية كان مجرد تكهنات حول ما قد يحدث إذا نجحت السياسات. لكن اجتماعات بيليم أظهرت أن الأمور تتغير في العالم الحقيقي بطريقة لم تكن موجودة من قبل.

ولنأخذ إثيوبيا على سبيل المثال، المُقرر أن تستضيف مؤتمر الأطراف لعام 2027.

في أوائل العام الماضي، اتخذت حكومتها خطوة غير عادية بحظر استيراد سيارات البنزين والديزل، ومنذ ذلك الحين، نمت سوق السيارات الكهربائية «بشكل كبير»، حسبما أخبرني مسؤول في جناح إثيوبيا بمؤتمر الأطراف.

وقال إن هذه أخبار جيدة لبلد ظل ينفق لفترات طويلة عملة أجنبية محدودة لاستيراد الوقود الذي يصطف السائقون لساعات لشرائه.

وأضاف أن أسعار بعض السيارات الكهربائية الصينية تتراجع، لكن يبقى العديد من التحديات في بلد به أقل من مليوني سيارة لسكانه البالغ عددهم 135 مليون نسمة. ولا يوجد عدد كاف من المرائب المجهزة للسيارات الكهربائية.

كما أن قطع الغيار نادرة والوصول إلى الكهرباء متقطع، على الرغم من أن مشروع الطاقة الكهرومائية الذي تم إطلاقه حديثاً يهدف إلى توفير الطاقة لملايين الأشخاص.

ولا يوجد سوى أقل من 60 محطة شحن في دولة أكبر حجماً من فرنسا وإسبانيا مجتمعتين، لكن هناك المزيد في الطريق.

لذلك، قد تكون وتيرة ثورة السيارات الكهربائية في إثيوبيا موضع شك، لكنها ليست الدولة النامية الوحيدة التي تدعم السيارات الكهربائية، ففي نيبال، استحوذت السيارات الكهربائية على أكثر من 70% من مبيعات سيارات الركاب، بعد أن كانت شبه معدومة قبل خمس سنوات، وذلك بعد تكثيف الحكومة جهودها للحد من الضباب الدخاني وتقليص الاعتماد على الوقود المستورد.

من ناحية أخرى، تواجه السلطات مشاكل أسوأ بكثير في الدول التي مزقتها الحروب مثل أوكرانيا، ولهذا السبب فوجئت بما قاله جيف أوثام كبير مسؤولي الاستدامة في شركة «دي تي إي كيه»، أكبر شركة طاقة خاصة في أوكرانيا خلال لقاء في بيليم.

فقد شدد على أن الحرب تُسرّع من تحول الشركة نحو مصادر الطاقة المتجددة، وبعيداً عن محطات الطاقة التي تعمل بالفحم التي لطالما هيمنت على مشهد توليد الكهرباء. وأحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك هو المرونة.

وأوضح أوثام إن محطة الطاقة التي تعمل بالفحم كانت تمثل «هدفاً واحداً كبيراً» يمكن أن يُدمره صاروخ واحد، لكنك ستحتاج إلى حوالي 40 صاروخاً لإحداث نفس القدر من الضرر في قدرة مزرعة رياح.

وتماشياً مع هذا التفكير، أبرمت شركة «دي تي إي كيه» صفقة هذا العام مع مجموعة «أوكتوبس إنرجي» البريطانية لتوريد أنظمة الطاقة الشمسية على الأسطح وتخزين البطاريات لمجموعة واسعة من الشركات الأوكرانية وهيئات القطاع العام. وتبقى الحرب تُلقي بظلالها على البلاد.

فقد استولت روسيا على ثلاث مزارع رياح تابعة لشركة «دي تي إي كيه» منذ اندلاع الحرب في عام 2022، لكن الشركة واصلت العمل وقامت ببناء المرحلة الأولى من مزرعة رياح جديدة قرب ساحل البحر الأسود، والتي من المتوقع أن تكون واحدة من أكبر المزارع في أوروبا الشرقية عند اكتمالها العام المقبل، بالإضافة إلى توفير 200 ميجاوات من بطاريات التخزين.

وعلى غرار إثيوبيا ونيبال، لم يكن العامل المُحفّز هو الحد من انبعاثات الكربون، مع أن هذا الجهد يُساعد بالتأكيد دولةً تأمل في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي (والحفاظ على تمويله)، فهي دولةٌ تتبنى بعضاً من أكثر سياسات المناخ طموحاً في العالم.

وقد أنشأت وزارة الاقتصاد الأوكرانية هيئةً استشاريةً منذ العام الماضي تعمل مع لجنة تغير المناخ البريطانية لوضع ميزانية الكربون الأوكرانية، ومن المقرر أن تُوافق حكومة كييف على تشكيل مجلس رسمي للمناخ بحلول نهاية الشهر الجاري.

ومن النماذج البارزة أيضاً باكستان، حيث أدى ارتفاع أسعار الطاقة المحلية مقابل انخفاض تكاليف الألواح الشمسية المستوردة من الصين إلى ازدهار كبير للطاقة الشمسية.

وخلال مشاركتهم بمؤتمر بيليم، صرّح مسؤولون باكستانيون للصحفيين بأن الطاقة المُولّدة من الألواح الشمسية على أسطح المنازل ستتجاوز الطلب على شبكة الكهرباء الوطنية في بعض المناطق الصناعية للمرة الأولى خلال العام المقبل.

وبطبيعة الحال، تواجه هذه الطفرة عقبات، فشبكة الكهرباء المثقلة بالديون تفقد الباكستانيين الأثرياء القادرين على تحمل تكاليف الطاقة الشمسية خارج الشبكة، بينما يُكافح العملاء الأكثر فقراً لدفع الفواتير المتزايدة.

وقد أثرت عمليات هجر الشبكة على الولايات الغنية حيث بدأت الطاقة الشمسية وغيرها من التقنيات الخضراء تؤثر على أداء الشركات القائمة منذ سنوات.

من اللافت للنظر أن نرى هذا يحدث في بلدان لطالما اعتبرت سياسات مؤتمرات الأطراف المعنية بالمناخ غير ميسورة التكلفة.

لذلك، فقد أظهر مؤتمر بيليم مدى التغيير الحادث على أرض الواقع. وحتى إن ظلت مفاوضات مؤتمر الأطراف الثلاثين بطيئة ومحبطة، فإن التحول يحدث بسرعة.