كاتي مارتن

قبل عقد من الزمن، كانت أزمة ديون منطقة اليورو شبحاً يخيم على الجميع. فإضافة إلى تأثيرها المباشر على حياة الأفراد، كان كل انخفاض في قيمة اليورو يثير مخاوف من كارثة وشيكة.

لكن كان من اللافت للنظر في تلك الفترة قدرة أوروبا على اتخاذ قرارات وإجراءات حاسمة في مواجهة انهيار أسواقها، خاصة في قطاعي السندات والعملات. وفي ظل الظروف الحالية، قد يكون من الضروري للمستثمرين استحضار تلك الروح القيادية مرة أخرى.

وعلى الرغم من التحديات السياسية التي تواجهها دول مركزية في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وألمانيا، إضافة إلى التباطؤ الاقتصادي، إلا أن أداء الأسهم الأوروبية لم يكن سيئاً هذا العام.

فقد ارتفع مؤشر «يوروستوكس 600» بأكثر من 5% بقليل، بينما سجلت مؤشرات مثل «داكس» الألماني و«فوتسي إم آي بي» الإيطالي مكاسب تجاوزت 10%.

لكن تبقى معضلة كبيرة تتمثل في التقدم المتسارع للولايات المتحدة، مما قد يدفع مديري الصناديق إلى التساؤل عن جدوى التركيز على أوروبا. ورغم أن الفجوة في التقييمات بين الأسهم الأمريكية والأوروبية ليست بجديدة، إلا أنها اتسعت بشكل ملحوظ بسبب النجاح الباهر الذي حققته الولايات المتحدة في قطاع التكنولوجيا.

لذلك في سبتمبر الماضي، أصدر ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، تقريراً شاملاً سلط الضوء فيه على أوجه القصور التي تعيق الاتحاد الأوروبي عن مجاراة الولايات المتحدة في قدرتها التنافسية وتماسك أسواقها المالية.

وهدف هذا التقرير، المعروف باسم «تقرير دراغي»، إلى تحفيز التغيير الجذري والسريع، من خلال تعزيز الطموح وتبسيط اللوائح التنظيمية.

وقد أشاد أنغوس باركر، رئيس الأسواق المتقدمة لدى «يو إس إس» لإدارة الاستثمارات، بالجهود المبذولة في «تقرير دراغي»، على الرغم من احتوائه على رسائل مثيرة للقلق. وأضاف قائلاً: «يكشف لنا مجرد وضع تقرير دراغي عن الكثير».

إن التفاوت في الأداء بين الأسواق الأمريكية والأوروبية ليس بالأمر الجديد، لكن الولايات المتحدة عززت تفوقها بشكل كبير في الأيام الماضية. فبعد إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً جديداً للولايات المتحدة.

قفز مؤشر «إس آند بي 500» للأسهم الأمريكية بنسبة تزيد على 4% محققاً أرقاماً قياسية جديدة، بينما ارتفع مؤشر «راسل 2000» للشركات الصغيرة بنسبة وصلت إلى 10% قبل أن يتراجع قليلاً، أما مؤشر «يورستوكس 600» فشهد تراجعاً خلال الفترة ذاتها بدلاً من أن يواكب هذا الزخم الأمريكي.

كما تبدو أوضاع أسواق السندات الحكومية في منطقة اليورو مقلقة في الوقت الراهن. فالسندات الألمانية، التي تُعد الملاذ الآمن للمستثمرين، شهدت انخفاضاً في الأسعار، وهو ما أدى إلى بلوغ العوائد 2.3%، رغم التوقعات التي تُشير إلى أن البنك المركزي الأوروبي سيواصل خفض الفائدة.

وفي المقابل، تبدو إيطاليا، التي غالباً ما تُعتبر الحلقة الأضعف في الكتلة النقدية، أكثر استقراراً، مع عوائد تقارب 3.5%. والحديث عن تقارب العوائد في منطقة اليورو من قبل الساسة والمستثمرين عادةً ما يهدف إلى خفضها باتجاه العوائد الألمانية، وليس رفعها لتلحق بالمستويات الإيطالية، لكن هذا هو الوضع الحالي.

كما شهد اليورو تراجعاً بنسبة 3% أمام الدولار منذ الانتخابات الأمريكية، ليهبط إلى ما دون 1.06 دولار. ويعبر هذا الانخفاض عن وجهة نظر السوق بأن التفوق الأمريكي لا يزال قوياً ومتواصلاً. وتُعاني الأسواق الأوروبية من وطأة ضعف الاقتصاد الصيني، الذي يشكل سوقاً رئيسياً للصادرات، إلى جانب الأداء المذهل للاقتصاد الأمريكي، والذي يبدو أنه يحتفظ في جعبته بمجموعة من التعريفات الجمركية العدوانية، مما سيزيد من وطأة التحديات.

وقالت كارين وارد، الخبيرة الاستراتيجية لدى شركة «جي بي مورغان» لإدارة الأصول: «عندما أتحدث مع العملاء، أجد لديهم شكوكاً عميقة حول قدرة أوروبا على تقديم استجابة سريعة لدعم الطلب».

مؤكدة أن خفض أسعار الفائدة قد يسهم في تحسين الأوضاع، لكنه غير كافٍ ما لم يتم اللجوء إلى بعض التدخلات المالية، رغم حساسيتها السياسية، ودون التصدي للتعريفات الجمركية التي قد تفرضها الولايات المتحدة في المستقبل.

من جانبه، وصف ألطاف قسام، المدير التنفيذي لشركة «ستيت ستريت غلوبال أدفايزرز» الأداء الضعيف للأسهم الأوروبية بأنه يضع المنطقة في «مفترق طرق فعلي». وأوضح: «هناك حاجة ماسة لاتخاذ قرارات حاسمة وصعبة» لجذب اهتمام المستثمرين مجدداً.

ويتذكر المستثمرون جيداً استجابة الاتحاد الأوروبي السريعة لتفشي جائحة كوفيد 19، رغم بعض التردد، وتعامله مع أحلك لحظات أزمة ديون منطقة اليورو.

ويدرك هؤلاء المستثمرون أن صانعي السياسات يتدخلون بقوة عندما تشتد تقلبات السوق. صحيح أن اليورو قد لا ينخفض إلى دولار واحد قبل حدوث هذا التدخل، لكن مثل هذا السيناريو قد يعزز الحاجة إلى تدخل عاجل.

ويرى المستثمرون ضرورة أن تبدي السلطات الأوروبية جدية أكبر في تعزيز التنافسية، ومواجهة التهديدات الناجمة عن الرسوم الجمركية التي تعهد الرئيس المنتخب دونالد ترامب بفرضها.

وفي هذا السياق، قال درو جيلانديرس، رئيس الأسهم الدولية لأوروبا في صندوق التحوط «سيتاديل»: «نحن بارعون في التعامل مع الأزمات. تكمن قيمة الأزمة في استغلالها، والوقت الحالي هو الأنسب للاستفادة منها».