عندما أضاء توماس إديسون أحد أحياء مانهاتن عام 1882، لم يتعلق الأمر فقط بالمصباح الكهربائي، بل كان لا بد من التفكير في الشبكة الكهربائية التي لا بد من بنائها لإضاءة المناطق الأوسع.

وكانت السنوات الأولى للتحول إلى الكهرباء فوضوية، مع طفرة مضاربات وإفلاسات ومعايير متضاربة. لكن ما صمد هو البنية التحتية التي دفعت الاقتصاد الحديث قدماً.

الآن، يمر الذكاء الاصطناعي بمنعطف مماثل، فالاختراقات في النماذج والتطبيقات مبهرة، لكن كل قفزة تزيد الضغط على الأنظمة المادية التي تُشغّلها. ومن المغري مقارنة صعود الذكاء الاصطناعي بطفرة الإنترنت في أواخر التسعينيات.

فوفقاً لتقديرات وول ستريت، من المتوقع أن تنفق شركات الذكاء الاصطناعي العملاقة في الولايات المتحدة وشركات القطاع في 2025 على مراكز البيانات أكثر من ضعف ما أنفقته في عام 2022.

وتمثل النفقات الرأسمالية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، وتنمو بمعدل 10% تقريباً سنوياً.

وتثير هذه القفزة في النمو قلق الكثيرين وهم يتأملون أوجه التشابه مع اندفاع شركات الإنترنت لبناء البنية التحتية. فبعد انفجار فقاعة الإنترنت في تقييمات السوق، شهدنا انخفاضاً حاداً عندما انخفض مؤشر ناسداك بنسبة 78% من ذروته إلى أدنى مستوياته.

ولذلك، من الإنصاف التساؤل عما إذا كان الذكاء الاصطناعي مجرد فقاعة ستنفجر. وصحيح أن النمو المفرط يمكن أن يخلق فترات من الاستثمار المفرط في بداية بناء التكنولوجيا الصناعية، مع تفوق الحماس على حسابات الاقتصاد.

ومن خلال استثمار كبير في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، أرى إمكانات قوية لتحقيق العوائد والفوائد المجتمعية بشكل عام.

ويقدم التاريخ منظوراً مفاده أن البنية التحتية المبنية نادراً ما تهدر، وتشكل في العادة أساساً يدوم طويلاً - حتى لو لم يسلم كل مستثمر من الاضطراب. وتعد كابلات الألياف الضوئية في أواخر التسعينيات مثالاً واضحاً على ذلك:

فقد أفلست العديد من شركات البناء مثل «ورلدكوم» و«إكسودس» و«جلوبال كروسينج» ومع ذلك فإن أكثر من 500 مليار دولار استثمرتها شركات القطاع في طفرة الإنفاق الرأسمالي، شكّلت العمود الفقري للإنترنت الحديث.

وبالمثل، خسر مستثمرو السكك الحديدية ثروات طائلة في القرن التاسع عشر، ومع ذلك فإن المسارات التي مولوها وفرت ربطاً قوياً بين الأسواق الوطنية بعضها البعض.

وبالنظر إلى الماضي، وبعيداً عن المبالغة في مزايا الإنترنت، فقد تبين أنه لم يُروّج له بشكل كافٍ. وقد أعيد بناء قطاعات بأكملها مثل السفر وتجارة التجزئة والإعلان والخدمات المالية، مع اختفاء العديد من الشركات الرائدة. كما أن بعضاً من أكبر الفائزين مثل «جوجل» لم يكونوا موجودين خلال معظم فترة «الفقاعة».

ينطبق التأثير المادي للذكاء الاصطناعي - مراكز البيانات، وتوليد الطاقة ونقلها، والتبريد، وشبكات الألياف، إلخ - على نفس نمط السكك الحديدية والكهرباء والاتصالات. ومما لا شك فيه، ستكون هناك تجاوزات وهزات وبالتأكيد بعض الخاسرين.

وكما هو الحال في الطفرة الاقتصادية، لا يتخذ جميع المقرضين قرارات ائتمانية حكيمة. والسؤال الآن ليس ما إذا كانت البنية التحتية للذكاء الاصطناعي «ضرورية»، بل السؤال يجب أن يكون: أي بنية تحتية، ومكانها، وتحت أي قيود، ستكون الأكثر أهمية؟

والتفاصيل الصغيرة مهمة بدرجة كبيرة، فحتى الفرق الطفيف في أسعار الطاقة يمكن أن يحدث تأثيراً سنوياً بملايين الدولارات. وتبلغ تكلفة تغير سنت واحد فقط لكل كيلوواط / ساعة على مُجمّع فائق السعة يستخدم 50 ميجاواط من الطاقة السنوية لمنشأة ما حوالي 4.4 ملايين دولار سنوياً.

وعبر 200 جيجاواط من سعة الطاقة الإضافية المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي توقعت شركة «باين» الحاجة إليها عالمياً بحلول عام 2030، فإن هذا التغيير نفسه يعادل تكاليف تبلغ نحو 18 مليار دولار سنوياً. لهذا السبب، يعد تحسين تكلفة الطاقة وعقود الطاقة طويلة الأجل أمراً بالغ الأهمية لاقتصاديات مراكز البيانات.

وستستمر نماذج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في التطور بالتأكيد. ونحن الآن في مرحلة دمج الذكاء الاصطناعي للتعلم الآلي في سير العمل اليومي، والاكتشافات العلمية، والخدمات اللوجستية، والمالية، وغيرها - بل في كل جانب من جوانب حياتنا المهنية والشخصية.

وستكون للأنظمة القادرة على تشغيل هذه التطورات على نطاق واسع قيمة حقيقية كبيرة. في غضون ذلك، ينبغي على المستثمرين وصانعي السياسات تجاوز المبالغات والتركيز على الأسئلة المهمة.

ومن أبرزها هل يمكن لإمدادات الطاقة أن تتوسع لتلبية الطلب؟ أين ستؤدي التصاريح، وسعة الشبكات، والأراضي، إلى إطلاق الجيجاوات على أرض الواقع فعلياً؟ ومن يتحمل التكلفة الرأسمالية لضمان مرونة الأنظمة مع تزايد أحمال عمل الذكاء الاصطناعي؟

وهكذا، فإن الهدف ليس هو عناوين مراكز البيانات أو التفاخر حول حجم الجيجاوات؛ بل التنفيذ الفعلي على الأرض. وفي كل الأحوال، فلن تكون جميع استراتيجيات المعاول والمجارف بنفس الفعالية.