جون ثورنيل

عند النظر إلى الوضع من الخارج، يبدو أن بروز الصين كقوة عظمى قائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في القرن الحادي والعشرين مسألة وقت لا أكثر. أما في الغرب.

فهناك ميل للتركيز على الريادة الكبيرة للولايات المتحدة في مجال أشباه الموصلات، وأبحاثها المتطورة في مجال الذكاء الاصطناعي، واستثماراتها الضخمة في مراكز البيانات.

ولذلك، حذّر المستثمر الأسطوري وارن بافيت ذات مرة قائلاً: «لا تراهنوا ضد أمريكا». وهو قد يكون محقاً لأنه لأكثر من قرنين من الزمان، لم تقترب أي «حاضنة لإطلاق العنان للإمكانات البشرية» من الولايات المتحدة. أما اليوم، فتمتلك الصين الوسائل والدوافع والفرصة لتحقيق ما يُعادل «السحق التكنولوجي».

وعندما يتعلق الأمر بتعبئة المجتمع بأسره للموارد اللازمة لتطوير الذكاء الاصطناعي ونشره بأقصى فعالية، فقد يكون من التهور الرهان ضد الصين. وتؤكد البيانات هذا الاتجاه. ففي منشورات وبراءات الاختراع في مجال الذكاء الاصطناعي، تتصدر الصين المشهد.

وحتى عام 2023، شكلت الصين 22.6 في المئة من الإجمالي العالمي، مقارنة بـ 20.9 في المئة من أوروبا و13 في المئة من الولايات المتحدة، وفقاً لتقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي لجامعة ستانفورد لعام 2025.

واعتباراً من عام 2023، شكلت الصين أيضاً 69.7 في المئة من جميع براءات اختراع الذكاء الاصطناعي. وصحيح أن الولايات المتحدة تحافظ على صدارة قوية في أفضل 100 منشور الأكثر استشهادًا (50 مقابل 34 في عام 2023) لكن حصتها في انخفاض مطرد.

كما تتفوق الولايات المتحدة على الصين في أفضل المواهب البحثية في مجال الذكاء الاصطناعي - لكن الفجوة تضيق.

ووفقاً لتقرير صادر عن مجلس المستشارين الاقتصاديين الأمريكي، عمل 59 في المئة من أفضل باحثي الذكاء الاصطناعي في العالم في الولايات المتحدة في عام 2019، مقارنة بـ 11 في المئة في الصين. ولكن بحلول عام 2022 كانت هذه النسبة 42 في المئة مقابل 28 في المئة.

وقد يؤدي تشديد إدارة ترامب للقيود على حاملي تأشيرات H-1B الأجانب إلى عودة المزيد من باحثي الذكاء الاصطناعي الصينيين في الولايات المتحدة إلى ديارهم. وقد تتجه نسبة المواهب لصالح الصين.

وفيما يتعلق بالتكنولوجيا نفسها، أنتجت المؤسسات الأمريكية 40 من أبرز نماذج الذكاء الاصطناعي في العالم في عام 2024، مقارنة بـ 15 نموذجاً صينياً.

لكن الباحثين الصينيين تعلموا إنجاز المزيد بموارد أقل، وتتفوق أقوى نماذجهم اللغوية الكبيرة - بما في ذلك «ديب سيك – في 3» مفتوح المصدر و«كوين 2.5- ماكس» من «علي بابا» على أفضل النماذج الأمريكية من حيث الكفاءة الخوارزمية.

ومن المرجح أن تتفوق الصين في المستقبل في تطبيق هذه النماذج مفتوحة المصدر، إذ يُظهر أحدث تقرير صادر عن «أير ستريت كابيتال» أن الصين قد تجاوزت الولايات المتحدة من حيث عدد التنزيلات الشهرية لنماذج الذكاء الاصطناعي.

وفي مجالات التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية والخدمات اللوجستية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تتفوق الصين بالفعل على أمريكا. ولعل أكثر تطبيقات الذكاء الاصطناعي إثارة للاهتمام - وربما الأكثر إنتاجية - قد تأتي في مجال الأجهزة، خاصة الطائرات بدون طيار والروبوتات الصناعية.

ومع تطور مجال البحث نحو الذكاء الاصطناعي المُجسّد، ستبرز ميزة الصين في مجال التصنيع المتقدم. وقد سلّط دان وانغ، محلل التكنولوجيا ومؤلف كتاب «السرعة الفائقة:

سعي الصين لهندسة المستقبل»، الضوءَ عن حق على نقاط قوة الدولة الهندسية الصينية في مجال التصنيع، حتى وإن كان قد أظهر أيضاً الآثار الضارة لتطبيق هذه العقلية الهندسية في المجال الاجتماعي.

من جانبها، ترى كايوي تشين، مراسل مجلة «إم آي تي تكنولوجي ريفيو» لشؤون الصين أن الولايات المتحدة لا تزال تتصدر بوضوح في مجال الأبحاث الرائدة والبنية التحتية. لكن «الفوز» بالذكاء الاصطناعي قد يعني أموراً مختلفة.

وتقول إن جيفري دينغ، في كتابه «التكنولوجيا وصعود القوى العظمى» يطرح في هذا السياق نقطةً غير بديهية، حيث يبين أنه بالنسبة لتكنولوجيا عامة الأغراض مثل الذكاء الاصطناعي، غالباً ما تتلخص الميزة طويلة المدى في مدى انتشار التقنيات وعمقها في المجتمع. والصين في وضع جيد للفوز بهذا السباق (مع أن مسألة «السحق التكنولوجي» قد يكون مبالغاً فيه بعض الشيء!).

وتلفت تشين إلى أن الرقائق ستظل أكبر عقبة أمام الصين. وقد أدت قيود التصدير إلى خنق وصول الصين إلى أفضل وحدات معالجة الرسومات، مما دفع المشترين إلى الأسواق الرمادية وأجبر المختبرات على إعادة تدوير أو إصلاح مخزون إنفيديا المحظور.

وحتى مع توسع برامج الرقائق المحلية، لا تزال فجوة الأداء في القمة قائمة. ومع ذلك، دفعت هذه القيود نفسها الشركات الصينية إلى اتباع نهج مختلف: تجميع الحوسبة، وتحسين الكفاءة، وإصدار نماذج مفتوحة.

على سبيل المثال، استخدم تشغيل تدريب «ديب سيك - في 3» 2.6 مليون ساعة فقط من وحدات معالجة الرسومات - وهو أقل بكثير من نطاق نظيراتها الأمريكية. كما أن نماذج «كويم» من «علي بابا» تصنف الآن من بين الأكثر تنزيلاً على مستوى العالم.

وتقوم شركات مثل «شيبو» و«ميني ماكس» ببناء نماذج متعددة الوسائط ونماذج فيديو تنافسية. وتساعد السياسات الصناعية للصين على سرعة انتقال النماذج الجديدة من المختبر إلى التنفيذ. وتطرح الحكومات المحلية والشركات الكبرى بالفعل نماذج التفكير في الإدارة والخدمات اللوجستية والمالية.

والتعليم هو مؤشر آخر، حيث تنفذ الجامعات الصينية الكبرى برامج محو أمية الذكاء الاصطناعي في مناهجها الدراسية، وتدمج المهارات بشكل استباقي قبل أن يتطلبها سوق العمل. كما أعلنت وزارة التعليم عن خطط لدمج تدريب الذكاء الاصطناعي للأطفال في جميع الأعمار الدراسية.

وليس أكيدا أن «دولة الهندسة» تعكس تماماً علاقة الصين بالتقنيات الجديدة، لكن عقوداً من بناء البنية التحتية والتنسيق من أعلى إلى أسفل جعلت النظام فعالاً بشكل غير عادي في دفع التبني على نطاق واسع، وغالباً مع مقاومة اجتماعية أقل بكثير مما تراه في أي مكان آخر.

يسمح الاستخدام على نطاق واسع، بطبيعة الحال، بتحسينات تكرارية أسرع. ويشعر الجمهور في الصين بنفس الشعور. فقد وجد مؤشر ستانفورد هاي للذكاء الاصطناعي لعام 2025 أن المشاركين الصينيين هم الأكثر تفاؤلاً في العالم بشأن الذكاء الاصطناعي - أكثر بكثير من الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة. وهذا أمر مثير للدهشة، بالنظر إلى تباطؤ الاقتصاد الصيني منذ جائحة كوفيد لأول مرة منذ أكثر من عقدين.

ويرى الكثيرون في الحكومة والصناعة الآن أن الذكاء الاصطناعي شرارة ضرورية. يمكن أن يكون التفاؤل وقوداً قوياً، لكن قدرته على الاستمرار في ظل تباطؤ النمو لا تزال سؤالاً مفتوحاً. ولا تزال السيطرة الاجتماعية جزءاً من الصورة، لكن نوعاً مختلفاً من الطموح يتبلور.

يُعد الجيل الجديد من مؤسسي الذكاء الاصطناعي الصينيين الأكثر توجهاً نحو العالمية، حيث يتنقلون بسلاسة بين هاكاثونات وادي السيليكون واجتماعات العروض التقديمية في دبي، ويتقن معظمهم اللغة الإنجليزية ويواكبون إيقاعات رأس المال الاستثماري العالمي.

وبعد أن شاهدوا الجيل السابق وهو يصارع عبء النظرة السلبية للصين، فإنهم الآن يبنون شركات عابرة للحدود بهدوء منذ البداية. وربما لا تزال الولايات المتحدة رائدة في السرعة والتجريب، لكن الصين قادرة على تشكيل كيفية تحول الذكاء الاصطناعي إلى جزء من الحياة اليومية، محلياً ودولياً. ومع التأكيد على أن السرعة مهمة، لكنها لا تعني التفوق.

عموماً، فهذا ليس مجرد صراع بين نموذجين اقتصاديين لبلدين مختلفين، بل أيضاً بين طريقتين مختلفتين تماماً لنشر التكنولوجيا.