جورج ستير
خلال العام الجاري، وبعد ظهر أحد أيام الثلاثاء، لم يكن مدير أحد المحافظ الاستثمارية، جاكوب سونينبرغ، في مزاج احتفالي. وبفضل حفنة من شركات التكنولوجيا الضخمة في وادي السيليكون المرتبطة بطفرة الذكاء الاصطناعي، أنهى مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الجلسة على ارتفاع، رغم تراجع 397 سهماً.
ولم يسبق أن حقق مؤشر الشركات الكبرى، على مدار 35 عاماً، مكاسب كهذه في يوم شهد بيعاً مكثفاً لأسهم العديد من مكوناته، وفقاً لمجموعة بيسبوك للاستثمار. ويقول سونينبرغ، الذي يركز على أسهم التكنولوجيا في مجموعة إيرفينغ إنفستورز الاستثمارية في كاليفورنيا: «أتفهّم جيداً أن إنفيديا تضخّ سيولة نقدية في السوق.
لكن لا يزال من المثير للقلق البالغ مدى التركز العالي الذي تشهده الأسواق». «إذا لم يكن اختيارك من بين حوالي 10 شركات، فسيكون من الصعب للغاية جني الأرباح».
وفي الأسبوع الذي أصبحت فيه إنفيديا أول شركة في العالم تبلغ قيمتها السوقية 5 تريليونات دولار، ازدادت هيمنة حفنة من شركات التكنولوجيا الكبرى وضوحاً، فثمانية من أكبر 10 أسهم في مؤشر ستاندرد آند بورز 500، هي أسهم تكنولوجيا.
تمثل هذه الشركات الثماني 36 % من إجمالي قيمة السوق الأمريكية، و60 % من مكاسب المؤشر، منذ أن بلغ السوق أدنى مستوياته في أبريل، وحوالي 80 % من نمو صافي دخل ستاندرد آند بورز 500 في العام الماضي.
ووفقاً لمحللي نومورا، فإن ارتفاع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 2.4 % تقريباً، في الجلسات الخمس حتى الأربعاء الماضي، كان مدفوعاً بالكامل تقريباً بثلاثة أسهم فقط - ألفابت، وبرودكوم، وإنفيديا.
يقول ستيفن جراي كبير مسؤولي الاستثمار في جراي فاليو مانجمنت: «في الولايات المتحدة، من الواضح أننا في سوق مدفوع بالزخم، تقوده حفنة من شركات التكنولوجيا التي تتداول بتقييمات مشكوك فيها بشكل واضح». ومع ارتفاع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنحو 16 % هذا العام، يوضح قائلاً: «لقد حقق المستثمرون الذين غضوا الطرف عن المخاطر أداءً جيداً».
قد يظن مستثمرو التجزئة أن استثمار أموالهم في مؤشر«إم إس سي آي أول ورلد»، سيمنحه محفظة استثمارية متنوعة، لكن هذا المؤشر، الذي يضم أكثر من 2000 شركة من أكثر من 40 سوقاً، يتركز ما يقرب من ربع رأسماله حالياً في 8 مجموعات تقنية أمريكية فقط.
وهيمنة التكنولوجيا ليست ظاهرة جديدة، فقد دفعت مجموعات مثل أبل ومايكروسوفت وميتا الأسواق الأمريكية، إلى الارتفاع منذ الأزمة المالية الكبرى، قبل أكثر من 15 عاماً. كما تميل الأسواق حول العالم إلى أن تشهد ثقلاً كبيراً عند القمة، بحيث يهيمن عليها عدد قليل من الشركات التي تحقق غالبية عوائد المساهمين.
في الولايات المتحدة، يُعد تركز سوق الأسهم نتيجة طبيعية لقلة عدد الشركات المسؤولة عن الجزء الأكبر من نمو الأرباح والنفقات الرأسمالية. وعلى سبيل المثال، تخطط جوجل وأمازون وميتا ومايكروسوفت، لإنفاق أكثر من 400 مليار دولار على مراكز البيانات في عام 2026، بالإضافة إلى أكثر من 350 مليار دولار هذا العام.
وفي أكتوبر، قال كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، إن طفرة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، والتي تُعد بالفعل واحدة من أكبر تحركات رأس المال في التاريخ الحديث، قد ساعدت الولايات المتحدة على تجنب تباطؤ حاد. ومع ذلك، بلغت المخاوف المستمرة بشأن الطاقة الفائضة، ومتى قد تحقق موجة الاستثمار عوائد مجزية ذروتها يوم الخميس، بعد أن نشرت ألفابت وميتا ومايكروسوفت أحدث نتائجها الفصلية.
وفي حين ارتفعت أسهم ألفابت بنسبة 3 %، بعد أن عززت الشركة الأم لجوجل خطط الإنفاق الرأسمالي لعام 2025 بمقدار 8 مليارات دولار، لتصل إلى 93 مليار دولار، انخفض سهم ميتا بنسبة 12 %، حيث قالت شركة مارك زوكربيرج إن إنفاق الذكاء الاصطناعي سيتجاوز 100 مليار دولار العام المقبل.
ومن المتوقع أن يؤدي الاستثمار الضخم في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، إلى إبطاء زخم الأرباح في مجموعات التكنولوجيا الرائدة. لذلك، يتوقع أن تنمو أرباح ميتا بمعدل 1 % فقط في كل من الأرباع الأربعة المقبلة، بعد أن ارتفعت بمعدل 37 % في الأرباع الأربعة السابقة، وفقاً لبيانات ستاندرد آند بورز كابيتال آي كيو.
وتراجعت أسهم مايكروسوفت - التي تجاوزت قيمتها 4 تريليونات دولار هذا الأسبوع، بعد إبرام اتفاقية إعادة هيكلة مع شركة «أوبن ايه آي»، مطوّرة شات جي بي تي - بنسبة 3 %، بعد أن أعلنت عن زيادة في الإنفاق بنسبة 74 % على أساس سنوي.
وتقول كاثرين كامينسكي كبيرة استراتيجيي الأبحاث في مجموعة الاستثمار ألفا سيمبلكس: «لقد استفاد الكثير من الناس من هذا التركز، لكن في الوقت نفسه، إذا انهارت إحدى الشركات العملاقة أو جميعها، فقد تخسر السوق بكاملها معها».
وكانت المرحلة الجديدة من تركز السوق بدأت مع إطلاق «شات جي بي تي» في نوفمبر 2022. ومنذ ذلك الحين، أدى إقبال المستثمرين على البرامج التي تُمكّن من توليد استجابات بشرية للأسئلة، وكتابة القصائد الشعرية، وتوليد الصور عند الطلب، إلى ارتفاع بنسبة 165 % في أسهم مجموعة من الأسهم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. وارتفع مؤشر «إس آند بي 500» بنحو 70 % خلال الفترة نفسها، بينما ارتفعت أسهم الشركات التي لا تُوظّف الذكاء الاصطناعي كجزء أساسي من أعمالها بنسبة 25 % فقط.
بين عامي 2023 و2024، كانت الشركات السبع الكبرى، وهي أبل ومايكروسوفت وميتا وأمازون وألفابت وإنفيديا وتسلا، مسؤولة عن الغالبية العظمى من مكاسب السوق الأوسع، بينما حققت الشركات الأصغر حجماً، المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، عوائد أكثر تواضعاً.
ومع ذلك، فقد انعكس هذا الاتجاه حتى الآن هذا العام، فأسهم الذكاء الاصطناعي، التي تتجاوز قائمة «الشركات السبع الرائعة»، بما في ذلك مجموعتا الطاقة «جي إي فيرنوفا» و«فيسترا»، ومجموعات البرمجيات، مثل «بالانتير» - التي تتمتع بأعلى تقييم نسبي لأرباحها، مقارنةً بأي شركة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 - وأوراكل، تتفوق الآن على منافسيها الأكبر حجماً، حيث يبتعد المستثمرون عن الأسماء الكبيرة. واستمرت الأسهم غير المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في التخلف عن الركب.
وتقول كيو نغوين، رئيسة قسم أبحاث واستراتيجيات الأسهم المقطعية في «ريسيرش أفلييتس»: «أنا مهتمة بشركات التكنولوجيا الأرخص، التي لا تزال قادرة على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وقد فعلت ذلك بعض الشركات، مثل مجموعة تخزين البيانات «سيجيت»، ومجموعة اختبار أشباه الموصلات تيرادين».
وهي تتحدى فكرة أن الذكاء الاصطناعي وحده هو الذي يدفع سوق الأسهم الأمريكية للارتفاع. وتضيف: «لو كان لديك سبع شركات مثل «إنفيديا» تهيمن على السوق والاقتصاد، لكان ذلك ضرباً من الجنون». لكن أمازون تبيع الحوسبة السحابية، وتبيع حبوب الإفطار أيضاً.
وأبل لديها أجهزة وبرامج. وميتا وألفابت تعملان في مجال الاتصالات. إنها ليست مجرد شركات ذكاء اصطناعي. الفكرة التي تربطها جميعاً، هي أنها تُعتبر رائدة في تسخير التكنولوجيا الجديدة لصالح أعمالها.
وتضيف نجوين أن وصف الأسواق ذات الثقل الكبير في القمة بأنها محفوفة بالمخاطر بطبيعتها، يتجاهل أيضاً كيف ينجذب المستثمرون إلى «الشركات الكبيرة والمستقرة والمتنوعة».
وهناك دراسة حديثة بعنوان «مغالطة التركز»، أجراها مارك كريتزمان، الرئيس التنفيذي لشركة ويندهام كابيتال مانجمنت، وديفيد توركينجتون، من شركة ستيت ستريت أسوشيتس.
ولتحديد ما إذا كانت أسواق الأسهم ذات الثقل الكبير في القمة، تُمثل استثماراً أكثر خطورة، اختبر المؤلفان ما وصفاه بـ«قاعدة تداول ديناميكية»، قللت من تعرضهم للأسهم، مع ارتفاع تركيز السوق، وزادت من تعرضهم للأسهم، مع ازدياد توازن مؤشر ستاندرد آند بورز 500. وخلص كريتزمان وتوركينجتون إلى أن استراتيجية الشراء والاحتفاظ «ولّدت ثروةً تفوق ضعف ثروة الاستراتيجية الديناميكية... وحققت ذلك بمخاطر أقل».
في وول ستريت، ينتشر التفاؤل بشأن الذكاء الاصطناعي في كل مكان. ومن السمات البارزة في انتعاش الذكاء الاصطناعي، مدى اعتماد التقييمات الضخمة للشركات على أكبر الأسهم التي تُولّد باستمرار مبالغ نقدية غير مسبوقة في المستقبل، على الرغم من احتمال ظهور منافسين في نهاية المطاف لتقليص حصتهم السوقية.
في الواقع، يبدو أن بعض المستثمرين قد استبعدوا فكرة أن الذكاء الاصطناعي قد يُثبت أي شيء أقل من كونه ثورياً مُذهلاً، وفقاً لكيان وانغ الخبير الاقتصادي في «فانجارد».
تُتداول الأسهم الأمريكية عند مستويات مرتفعة للغاية بكل المقاييس تقريباً، وتُلام شركات الذكاء الاصطناعي بشكل شبه كامل. فقد بلغت نسبة السعر إلى الأرباح المعدلة دورياً لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 - والتي تقارن أسعار الأسهم بمتوسط الأرباح المعدلة حسب التضخم على مدى عشر سنوات - أعلى مستوياتها منذ 25 عاماً.
كما أن نسبة السعر إلى المبيعات في السوق - أي المبلغ الذي يرغب المستثمرون في دفعه مقابل كل دولار من إيرادات الشركة - أعلى من المستويات التي بلغتها خلال فقاعة الدوت كوم عام 1999.
