لكن بدلاً من حصد الثناء، تلقى المستشار الألماني الكثير من عبارات التوبيخ اللاذع.
وانتقد كاولاث كل شيء، من الضرائب واللوائح التنظيمية إلى ارتفاع أسعار الطاقة وتكاليف العمالة.
لكن في الداخل ومع استمرار ركود الاقتصاد لأطول فترة ركود له منذ الحرب العالمية الثانية، يواجه زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي أمة متشككة ينفد صبرها.
تقول أندريا روميلي، الأستاذة في كلية هيرتي ببرلين: «التوقعات مرتفعة لهذا الائتلاف، رغم أنه لا يرتكز على أسس متينة».
وكانت حملة ميرتس الانتخابية انطلقت على وعد بإصلاح أكبر اقتصاد في أوروبا، الذي توقف تماماً خلال السنوات الثلاث الماضية، ويفقد الوظائف الصناعية بوتيرة متسارعة.
وأطلق ميرتس، البالغ من العمر 69 عاماً، على خطته الاقتصادية اسم «أجندة 2030»، في إشارة إلى «أجندة 2010» التي كان وضعها غيرهارد شرودر، المستشار الاشتراكي الديمقراطي السابق، وأسهمت في تحويل ألمانيا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من «رجل أوروبا المريض» إلى قوة تصديرية عالمية، وقد أشارت الخطة إلى شجاعة سياسية في اتخاذ إجراءات مثيرة للجدل حتى لو كانت ضارة انتخابياً.
ومنذ فوز حزبه في الانتخابات الفيدرالية في فبراير برزت حقيقة سياسات الائتلاف، فقد شكل ميرز حكومة مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي تبرأ من إرث شرودر، وخاض حملته الانتخابية على خطة إنفاق ضخمة لتحفيز الاقتصاد، وتم تقديم التحالف على أنه الفرصة الأخيرة للوسط لوقف صعود حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، الذي حصد أكثر من خُمس مقاعد البوندستاغ.
ونظراً لاعتباره روسيا بقيادة فلاديمير بوتين أكبر تهديد أمني لأوروبا، وقلقه من رغبة ترامب في الانسحاب من حلف الناتو، أبرم اتفاقاً مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، لتخفيف سقف الاقتراض الدستوري، الذي وضع في عهد المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، بهدف تطوير القوات المسلحة الألمانية.
وفي مقابل دعم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وافق على اقتراض 500 مليار يورو إضافية على مدى السنوات الـ12 المقبلة لإصلاح البنية التحتية المتداعية في ألمانيا. وأكد ميرتس أن الأسر والشركات ستشعر بتحسن «بحلول الصيف».
لكن رغم مرور ما يقرب من ستة أشهر لا يظهر الاقتصاد سوى بوادر انتعاش، ويتزايد الإحباط.
ويتوقع معهد إيفو، ومقره ميونيخ، نمواً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2 % فقط هذا العام، يليه انتعاش طفيف إلى 1.3 % العام المقبل بفضل الإنفاق العام.
وبعد فترة وجيزة من التفاؤل تراجعت ثقة الشركات مجدداً، وتفاقمت المشاكل الصناعية. وأشار معهد إيفو إلى أن «أي بصيص أمل ظهر بين مصنعي السلع الرأسمالية قد تلاشى».
وخلال الشهر الماضي ضاعف الحزب، الذي تصنفه وكالات الاستخبارات بأنه «يميني متطرف»، أصواته ثلاث مرات في الانتخابات البلدية في ولاية شمال الراين-وستفاليا، أكثر ولايات ألمانيا اكتظاظاً بالسكان، ليحقق بذلك تقدماً في معاقل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الصناعية في وادي الرور.
ووفقاً لمؤسسة إنسا لاستطلاعات الرأي أعرب ثلثا الألمان الآن عن عدم رضاهم عن الائتلاف الحاكم، بزيادة قدرها 20 نقطة مئوية عن يونيو.
ويتحمل ميرتس، الذي لم يحظَ بشعبية كبيرة، الجزء الأكبر: فقد تراجع إلى المركز الثامن عشر في تصنيف صحيفة بيلد للسياسيين المفضلين، متخلفاً عن ستة من وزراء ائتلافه، وعن الزعيمة المشاركة لحزب البديل من أجل ألمانيا، أليس فايدل.
ورداً على ذلك وعد ميرتس بـ«خريف من الإصلاحات» لمعالجة البيروقراطية ونظام الرعاية الاجتماعية في ألمانيا.
لكن أليس فايدل، في حديثها أمام البرلمان هذا الشهر، قالت إن موجة الإصلاحات التي طال انتظارها تحولت إلى «موسم بارد من خيبة الأمل لرواد الأعمال الألمان».
في بادربورن، معقل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، التي يبلغ عدد سكانها 150 ألف نسمة في شمال الراين-وستفاليا، ينبض مصنع بنتلر بالحياة، وينبعث منه الدخان وتصدر منه الأصوات العالية الناتجة عن صناعة أنابيب فولاذية ساخنة ومكونات أخرى لصناعة السيارات.
تأسست بنتلر عام 1876 ولا تزال شركة عائلية، وهي أكبر جهة توظيف في المدينة.
لكن توماس ميشيلز، أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في قسم الصلب بالشركة، يعتقد أن الشركة تواجه اليوم عاصفة وجودية، وهو يشكك في أن صندوقاً جديداً للبنية التحتية بقيمة 500 مليار يورو أو زيادة الإنفاق الدفاعي يمكن أن يحل المشاكل الأعمق التي تواجهها صناعته: سيل من واردات الصلب والسيارات الصينية الأرخص بكثير من جهة؛ ورسوم جمركية أمريكية بنسبة 50% على الصلب المصدر من الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.
ويسرد ميشيلز قائمة من الشكاوى المألوفة - تكاليف العمالة المتضخمة بسبب ارتفاع المساهمات الاجتماعية بسبب شيخوخة السكان، وارتفاع أسعار الكهرباء، والبيروقراطية وانخفاض ساعات العمل مقارنة بأماكن أخرى.
وتمثلت إحدى استراتيجيات حملته في تصوير حزبه على أنه الحزب الديمقراطي المسيحي الأصلي - منتقداً أنجيلا ميركل، لسماحها بدخول أكثر من مليون لاجئ في الفترة 2015 - 2016، ومتهماً ميرتس بخرق وعده بالانضباط المالي من خلال رفع قيود الديون، واعترف ميرتس بنفسه بذلك، لكنه قال في برنامج تلفزيوني، عندما طلب منه مناقشة التعهدات المنقوصة لحملته الانتخابية: «لست وحدي في هذه الحكومة».
وخلال أشهره الأولى في الحكومة لم يقف ميرتس مكتوف الأيدي.
فقد أقر ائتلافه ميزانيتين، إحداهما لم تتمكن الحكومة السابقة من الاتفاق عليها، ما أدى إلى سقوطها العام الماضي، بالإضافة إلى إنشاء صندوق البنية التحتية بقيمة 500 مليار يورو، والمخصص للجسور والمدارس والمستشفيات المتهالكة، كما أعلن عن إعفاءات ضريبية للشركات لشراء الآلات والمعدات، ووضع خططاً لدعم أسعار الكهرباء للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الكيماويات، كما عين ميرتس، مارتن بليسينغ، الرئيس السابق لبنك كوميرزبانك، مسؤولاً عن الاستثمار، للترويج لألمانيا وجهة جذابة للمستثمرين الأجانب، وقد دافع عن رحلاته باعتبارها مسألة «حرب وسلام»، قائلاً إنه «ليس من الممكن فصل السياسة الخارجية والأمنية عن السياسة الاقتصادية».
