حيثما تتدفق الأموال تتبعها أنشطة الشركات، فقد أدت التغييرات الجذرية في الإنفاق العسكري الأوروبي إلى ظهور عمليات استحواذ، ومشاريع مشتركة، ونشاط لأنشطة جمع التمويلات، وذلك في ظل سعي الشركات إلى مشاركة القدرات.

ورغم أن هذه الأنشطة ركزت بشكل كبير على المعدات البرية والجوية، إلا أن هناك دلائل على ازدهار النشاط في القطاع البحري، وأحدث مثال على ذلك هو فصل شركة تيسنكروب لقسمها البحري، والذي حققت رحلته الأولى نجاحاً ملحوظاً، فقد أنهت أسهم وحدة صناعة الغواصات والسفن التابعة للمجموعة الألمانية العملاقة التداولات أمس الأول عند 81.10 يورو، ما رفع قيمة أسهم تيسنكروب للخدمات البحرية إلى 5.15 مليارات يورو، وهذا الإجراء يمكن مجموعة الصلب المتعثرة من الاستفادة من فرصة مواتية.

وللعلم، فقد تضاعف مؤشر الدفاع الأوروبي ثلاث مرات منذ فبراير 2022.

وحتى مع افتراض جريء بأن الحروب الجارية قد انتهت فسيبقى على أوروبا أن تجتهد لتعويض عقود من نقص الاستثمار في الأساطيل والدبابات وغيرها من المعدات العسكرية.

وتتوقع شركة «تي كيه إم إس» أن يتضاعف سوقها إلى 61 مليار يورو بحلول عام 2033، وذلك بناءً على الإنفاق الحكومي المقترح على السفن والغواصات والتكنولوجيا المرتبطة بها.

لكن هناك آخرون يتنافسون على هذه اليوروهات والدولارات، وتعلم شركة «تي كيه إم إس» ذلك جيداً، بعد أن خسرت مؤخراً أمام شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة اليابانية طلبية لبناء أسطول من الفرقاطات لأستراليا، بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار أسترالي (6.5 مليارات دولار أمريكي) في مرحلتها الأولى.

لكن تبقى الشركة في وضع جيد، لا سيما بالنظر إلى عروضها المتكاملة التي تشمل السفن فوق وتحت سطح البحر، إلى جانب أنظمة السونار والاستشعار.

وتؤكد ذلك الأرقام بدفتر طلبات الشركة البالغ 18.6 مليار يورو، مع قطع ضخمة من المعدات التي قد يستغرق بناؤها ست سنوات، وهذا الرقم يعادل 10 أضعاف مبيعات عام 2022.

وهناك توقعات قوية بارتفاع إيرادات الشركة بنسبة 50 في المئة حتى عام 2033، كما تم في الوقت نفسه رفع هوامش التشغيل إلى أكثر من 5 في المئة، بل تتوقع المجموعة أن ترتفع هذه النسبة إلى 7 في المئة على المدى المتوسط.

ويعد الدمج تياراً خفياً لكنه عميق في الصناعة، خصوصاً أن قطاع الدفاع البحري ينظر إليه بوصفه سوقاً مجزأة.

وتشمل الشركات الرائدة شركة «فينكانتييري» الإيطالية، أكبر شركة لبناء السفن في أوروبا، والتي اشترت العام الماضي وحدة «واس» للغواصات التابعة لمجموعة «ليوناردو» للدفاع، كما خاضت شركة «راينميتال» الألمانية الشهر الماضي في النشاط البحري عبر صفقة لشراء شركة «نافال فيسيلز لورسن» المملوكة للقطاع الخاص؛ حيث تريد شركة تصنيع الدبابات والذخائر بناء «قوة بحرية» في ألمانيا.

ويبقى السؤال مطروحاً حول ما إذا كانت شركة «تي كيه إم إس» قد تقوم بعمليات شراء في المستقبل أو حتى يتم شراؤها.

رفضت شركة تيسنكروب المشاركة حتى الآن، فقد أعاقت التقلبات السياسية العام الماضي استحواذاً مقترحاً من جانب شركة الاستثمار الخاصة الأمريكية كارلايل بعد محادثات مطولة.

في الوقت نفسه، تعد الآفاق القوية للوحدة كونها شركة مستقلة مصدرَ تفاؤل كافياً للشركة الأم، فالأداء الذي حققه الكيان المنفصل الجديد (الوحدة البحرية) في اليوم الأول يمنحه بالفعل قيمة أسهم أعلى بكثير من الـ 2 - 4 مليارات يورو التي كان المحللون يتوقعونها في تقييماتهم لشركة تيسنكروب، ومع ذلك، فإنه مع تداول أسهم «تي كيه إم إس» عند 45 ضعفاً لأرباح هذا العام المقدرة - بخصم 13% عن منافستها فينكانتييري التي تشهد نمواً مماثلاً وفقاً لتقديرات «إس آند بي كابيتال آي كيو» - لا يزال هناك الكثير مما يمكن طرحه.