مارثا موير

خلال الأيام الأخيرة من رئاسة جو بايدن حرص على التحذير من أن سباق بناء مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي يجب ألا يُعيق التحول نحو الطاقة الخضراء. وفي أمر تنفيذي أصدره في يناير 2025 ألزم الرئيس الأمريكي السابق أي مطور يتم اختياره للبناء على أراضٍ حكومية أمريكية بتوفير ما يكفي من الطاقة النظيفة، لتلبية احتياجاته من الطاقة.

وقال بايدن: «لن ندع أمريكا تتخلف في سباق البناء عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا، التي ستُحدد مستقبل البلاد، لكن لا ينبغي لنا التضحية بالمعايير البيئية الأساسية وجهودنا المشتركة لحماية الهواء النقي والمياه النظيفة». بعد ذلك بأشهر قليلة مزق خليفته دونالد ترامب هذه القواعد، وألغى الأمر التنفيذي لبايدن، واصفاً الطاقة المتجددة بأنها «خدعة».

ويَعِد الذكاء الاصطناعي بتعزيز الإنتاجية، والمساعدة في الاختراقات العلمية، والحد من الهدر الحكومي، لكن مراكز البيانات المُستهلكة للطاقة، اللازمة لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، تثير المخاوف من انتكاسة في مسار التحول نحو الطاقة الخضراء، خصوصاً مع الارتفاع الحاد في الطلب على الطاقة، وتوقف الإدارة الأمريكية عن تمويل مشاريع الطاقة المتجددة وعرقلتها.

وفي قانونه «الكبير والجميل» للضرائب والإنفاق خفض ترامب الإعفاءات الضريبية الممنوحة في عهد بايدن لطاقة الرياح والطاقة الشمسية، وحرص على تشديد شروط الحصول على التصاريح، كما أوقف بناء مشاريع بارزة مثل مشروع «ريفولوشن ويند» التابع لشركة أورستيد لطاقة الرياح البحرية.

وتسهم مراكز البيانات بالفعل في تزايد الطلب على الطاقة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، فوفقاً لبلومبرغ إن إي إف فإنه بحلول العام 2035 ستكون مراكز البيانات مسؤولة عما نسبته 8.6 % من إجمالي الطلب على الطاقة، أي ضعف حصتها الحالية البالغة 3.5 %، وبينما يتكتم بعض المطورين على توزيع مزيج الطاقة في مراكز بياناتهم تُشير التقديرات إلى أن الوقود الأحفوري هو المساهم الأكبر.

ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية يلبي الغاز الطبيعي 40 % من طلب مراكز البيانات على الكهرباء، وتوفر مصادر الطاقة المتجددة ما يقل قليلاً عن الربع، بينما توفر الطاقة النووية والفحم 20 و15 % على التوالي. ويُشير الخبراء إلى أن جزءاً كبيراً من معضلة الطاقة، التي تواجه مراكز البيانات يكمن في التوقيت، حيث يفضل المطورون مصادر الطاقة المتاحة بسهولة لعمليات البناء الأولية.

ويقول براندون ميشالسكي، كبير الاقتصاديين في شركة «موكا سيستمز»، وهي مجموعة هندسية وإنشائية، إن مراكز البيانات بحاجة دائماً إلى «التشغيل الفوري». ويضيف: «إذا تمكنوا من تحقيق الأمر مع ضمان الالتزامات المتعلقة بالطاقة المتجددة فسيفعلون ذلك، لكن في النهاية، سيكون الحل المؤقت هو أي مصدر متاح، مثل الغاز الطبيعي والفحم».

وتعتمد مراكز البيانات الكبيرة على الغاز الطبيعي لتكملة احتياجات الطاقة اللازمة لشبكاتها. وفي يونيو وافقت الجهات التنظيمية في ولاية أوهايو على بناء محطة طاقة تعمل بالغاز بقدرة 200 ميجاوات لخدمة مركز بيانات تديره شركة «سايدكات» التابعة لشركة «ميتا».

واستخدمت «كولوساس» التابعة لإيلون ماسك، والتي تقول شركته «إكس أيه آي» المتخصصة في الذكاء الاصطناعي إنها أكبر حاسوب عملاق في العالم، في مرحلة ما 35 توربيناً يعمل بغاز الميثان - وهو ما يكفي لتزويد أكثر من 300 ألف منزل بالطاقة — وفقاً لمركز القانون البيئي الجنوبي، وقد تعهد العديد من مشغلي مراكز البيانات بأن تعمل منشآتهم بالطاقة المتجددة.

وتعهدت «جوجل» بأن يعمل مجمعها بالطاقة الخالية من الكربون على مدار 24 ساعة في اليوم بحلول عام 2030، بينما تخطط «مايكروسوفت لأن تصبح سلبية الكربون بحلول عام 2030. وتقول «أمازون ويب سيرفيسيز» إنها أكبر مشترٍ مؤسسي للطاقة النظيفة في العالم.

ومع ذلك يشير النقاد إلى أن هذه الأهداف تعتمد بشكل كبير على شهادات الطاقة المتجددة، وتسمح شهادة الطاقة المتجددة للشركات بالادعاء بأن جزءاً من الكهرباء، التي تستهلكها يأتي من مصادر متجددة، حتى ولو كانت الطاقة الفعلية، التي تستهلكها تأتي من المزيج العام للشبكة. وفي بعض الأحيان يساعد ذلك في تمويل تطوير مصادر جديدة للطاقة المتجددة.

في مايو 2024 وقعت مايكروسوفت وبروكفيلد أسيت مانجمنت اتفاقية لتطوير الأخيرة أكثر من 10.5 جيجاوات من الطاقة النظيفة في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا، بينما التزمت ميتا في أغسطس بشراء ائتمانات مزرعة شمسية جديدة بقدرة 100 ميجاوات في ساوث كارولينا.

وبعض شهادات الطاقة المتجددة «مجمعة»، ما يعني أنها توفر مصدر دخل جانبي للمشاريع الحالية، وفي حين أن هذا قد يشير إلى وجود طلب على المشاريع المستقبلية إلا أن الأسعار غالباً ما تكون منخفضة جداً، بحيث لا تكفي لتمويل قرارات الاستثمار الجديدة.

ويمكن أن تدفع قيود سلسلة التوريد في سوق الغاز الطبيعي شركات المرافق والمطورين نحو الطاقة النظيفة وزيادة الكفاءة. وقدرت شركات تصنيع كبيرة مثل «ميسوبيشي باور» أن التوربينات التي يتم طلبها اليوم لن يتم تسليمها إلا في عام 2030، بينما تقدر «سيمنز إنيرجي» أن هناك تراكماً قياسياً في الطلبات بقيمة 148 مليار دولار.

وتقول لورين شويسبرغ، مديرة قسم الكهرباء الخالية من الكربون في معهد روكي ماونتن: «إن مراكز البيانات تجرب بشكل متزايد موارد الطاقة النظيفة في الموقع وتحتاج للمرونة، ما يعني أن هذه المراكز يمكنها تغيير أو تقليل استخدام الطاقة عندما تكون الشبكة تحت ضغط أو عندما تتوفر المزيد من الطاقة المتجددة.

وتشير إلى أنه بعد تراكم الطلبات المتأخرة أصبحت الشركات أقل ثقة بقدرتها على تسليم محطة غاز قبل نهاية هذا العقد». وعبّرت عن تفاؤلها بأننا سنشهد تحولاً نحو موارد أسرع في النشر وأكثر تكلفة.