باتريك جينكينز
إذا كانت اثنتان من أهم فوائد إدراج شركة كبيرة في سوق الأسهم البريطانية هما الإيرادات الضريبية التي تحصلها البورصة من خلال رسوم الدمغة، ومكانة الإدراج نفسها، فإن شركة الأدوية العملاقة أسترازينيكا قد وجهت ضربة موجعة للندن كونها مركزاً مالياً عالمياً.
وإضافة إلى الإذلال الرمزي فإن قرار أكبر شركة مدرجة في بريطانيا بنقل إدراج أسهمها إلى نيويورك، وترك تداول حصص الإيداع فقط في بورصة لندن، سيكلف الخزانة ما يقدر بنحو 200 مليون جنيه استرليني من رسوم الدمغة المفقودة (فحصص الإيداع، وهي الأوراق المالية التي تمثل حقوقاً في الأسهم المدرجة في بورصة لندن، لا تخضع لرسوم الدمغة).
وتتشبث بورصة لندن بوجود بصيص أمل للسيولة، فبدون رسوم الدمغة يمكن نظرياً أن يزداد حجم تداول أسترازينيكا، والأرجح أن الإدراج الكامل في بورصة نيويورك سيجذب المزيد من سيولة التداول عبر المحيط الأطلسي.
عموماً، لا يختلف الاتجاه العام، حيث تتسارع ظاهرة نقل إدراجات الشركات من أوروبا، خصوصاً لندن، إلى نيويورك، لذلك فقد وصلت الأموال المجمعة من إدراجات لندن الجديدة إلى أدنى مستوياتها في 30 عاماً.
ومن المفيد النظر في جانب ثالث مهمل من مسيرة أسترازينيكا في عمليات الإدراج، إذ تحتفظ المجموعة بسجل سويدي في بورصة ناسداك ستوكهولم، ورغم أن حجم الأسهم المتداولة هناك لا يمثل سوى جزء ضئيل من الأسهم التي تمر عبر لندن أو نيويورك، إلا أن الاحتفاظ بالسجل - وهو من بقايا التراث السويدي للمجموعة – تبقى له دلالة.
وبشكل عام تقدم بورصة ستوكهولم - والنهج السويدي الأوسع نطاقاً تجاه ثقافة الأسهم في البلاد - الكثير للمملكة المتحدة، فعلى مدى 50 عاماً، حفزت سلسلة من السياسات الضريبية، وإطلاق المعاشات التقاعدية، والابتكارات في منتجات الاستثمار، ثقافة أسهم نابضة بالحياة في السويد، ووفقاً لجمعية إدارة الصناديق المحلية «فوندبولاجينز فورينينج»، فإن الاستثمار في الصناديق أكثر شيوعاً في السويد من أي مكان آخر في العالم، حيث يستثمر ثمانية من كل 10 سويديين في الصناديق.
ويوفر سوق المعاشات التقاعدية المزدهر مستثمرين رئيسيين جاهزين للاكتتابات العامة الأولية بالسويد، كما تدعم سيولة السوق استثمارات التجزئة المباشرة واسعة النطاق، والتي يتم توجيه معظمها من خلال أداة استثمار ذات كفاءة ضريبية، وهي التي تتضمن بدل استثمار سنوياً معفى من الضرائب بقيمة 150 ألف كرونة سويدية (14 ألف يورو)، وهو ما يعادل تقريباً حساب التوفير الاستثماري الفردي البريطاني، لمن مع عدم توفر خيار الادخار النقدي.
وفي نهاية عام 2023، وفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، كان هناك 3.8 ملايين من أصحاب حساب التوفير الاستثماري المخصص، من إجمالي عدد سكان يبلغ 10.6 ملايين نسمة في السويد.
المهم أن العوائد كانت مبهرة، لا سيما على المدى الطويل، وفي السنوات الأخيرة، ورغم أن السوق الأمريكي كان هو الرابح الأكبر على مستوى العالم، بفضل هيمنته على قطاع التكنولوجيا العالمي، فإن أرقام ناسداك تشير إلى أنه على مدى نصف القرن الماضي أو نحو ذلك، تجاوزت العوائد السويدية أي سوق رئيسية أخرى، حيث حققت عائداً إجمالياً بنسبة 8.2%، مقارنة بـ 5.9% للولايات المتحدة و5.8% للمملكة المتحدة.
ولا يعد هذا خفياً على صانعي السياسات في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين يدركون تماماً تفاصيل النموذج السويدي. ولذلك، فقد حث تقرير ماريو دراجي التاريخي حول القدرة التنافسية الأوروبية، والذي نشر قبل عام، الاتحاد الأوروبي على تحفيز الاستثمار في سوق الأسهم لمدخرات الأسر السنوية البالغة 1.4 تريليون يورو، مستشهداً بالمعيار السويدي.
وللصالح العام، يجب على أوروبا إقناع مواطنيها بالتخلي عن حذرهم من التعامل مع الأموال النقدية التي يحتفظون بها تحت الفرش.
العجيب أنه رغم ذلك كله لم تكن السويد بمنأى عن إغراءات التقييمات الأمريكية المرتفعة، حيث اختارت شركة كلارنا السويدية المقرضة التي تقدم خدمة «اشترِ الآن وادفع لاحقاً» إدراج أسهمها في بورصة نيويورك الشهر الماضي فقط، كما أقدمت منصة بث الموسيقى سبوتيفاي على هذه الخطوة في عام 2018.
لكن جاذبية السوق السويدية لا تزال قائمة، لذلك فضلت شركة «فيريسور»، المملوكة لشركة «هيلمان آند فريدمان»، وهي مجموعة أوراق مالية سويسرية/ سويدية، والتي أعلنت الأسبوع الماضي أنها تستهدف قيمة سوقية تصل إلى 13.9 مليار يورو، الإدراج ببورصة ستوكهولم، رغم أنها حصلت على عرض إدراج من بورصة لندن، ومن المتوقع أن يكون طرح الشركة هو الأكبر في السوق الأوروبية منذ طرح بورصة «بورشه» عام 2022.
وقد تنتقم لندن أوائل العام المقبل إذا مضت مجموعة «إتش جي»، وهي مجموعة استثمار خاصة، قدماً في خططها لإدراج مجموعة البرمجيات النرويجية «فيسما» في بورصة لندن بدلاً من بورصة جارتها الاسكندنافية، لكن في غضون ذلك، يجب على المملكة المتحدة بذل المزيد من الجهود لتعزيز مكانتها - بالاعتماد على الإعفاء المقترح للاكتتابات العامة الأولية الجديدة من ضريبة الدمغة لإصلاح نظام ضريبة الدمغة القديم بالكامل ومعاملته الجزائية لشراء أسهم الشركات البريطانية.
ويجب تشديد القواعد الخاصة بحسابات الادخار الشخصي، لإعطاء حافز إضافي للاستثمار في الأسهم بدلاً من النقد.
ومن دون اللجوء إلى فرض إلزامي غير مرغوب فيه، يجب تحفيز صناديق التقاعد على الاستثمار في الأسهم البريطانية.
وبعدما أرسلت أكبر شركة مدرجة في بريطانيا الإشارة التي أرسلتها الأسبوع الماضي، فينبغي على كل من لديه مصلحة أن ينتبه.