ليلى عبود - سيلفيا فايفر - لورا بيتيل

يُوشك مشروع الطائرة المقاتلة الرائد في أوروبا، والذي تبلغ قيمته 100 مليار يورو، على الانهيار مع تفاقم الخلاف بين فرنسا وألمانيا وشركاتهما الدفاعية.

واشتعل الصراع على النفوذ طويل الأمد حول نظام الطيران القتالي المستقبلي (FCAS) خلال الأسابيع الأخيرة عندما اتضح أن برلين تدرس استبدال فرنسا بالمملكة المتحدة أو السويد بسبب خلافات قوية مع شركة داسو للطيران الفرنسية، ردّ الرئيس التنفيذي، إريك ترابييه، قائلاً: إن شركته لصناعة الطائرات المقاتلة قادرة على المضي قدماً بمفردها نظراً لامتلاكها جميع الخبرات اللازمة.

وأعربت ثلاثة مصادر مُطلعة عن شكوكها في إمكانية إنقاذ نظام الطيران القتالي المستقبلي قبل الموعد النهائي المحدد بآخر العام الجاري لبدء العمل على طائرة تجريبية. وقال أحد هذه المصادر: «نحن على بُعد خطوات من الانهيار، وأمام طريق مسدود تماماً». لكن ما هو المُعرّض للخطر بالضبط؟

وصُمم نظام الطيران القتالي المستقبلي كنظام يجمع ما يُسمى بطائرة مقاتلة من الجيل السادس مزودة بأسلحة متطورة وطائرات بدون طيار، قادرة على التواصل بفضل نظام قيادة وتحكم يُطلق عليه اسم «السحابة القتالية».

وتم الجمع بين شركة داسو الفرنسية والذراع الدفاعية الألمانية لشركة إيرباص العملاقة في مجال الطيران والفضاء - وانضمت إليهما لاحقاً شركة إندرا الإسبانية - وتتولى كل من الشركتين الرئيسيتين زمام المبادرة في أجزاء مختلفة من البرنامج.

لكن كما هو معتاد في مشاريع الدفاع العابرة للحدود، فقد تنازعت الشركتان على تقسيم العمل، واختيار الموردين، والتحكم في تصميم الطائرة.

وسيؤدي عدم الوفاء بهذا الالتزام إلى تبديد الآمال بقدرة الدول الأوروبية على العمل معاً بشكل أوثق في مجال الدفاع، وهي أولوية رئيسية بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في عام 2022.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل يشيدان بنظام الطيران القتالي المستقبلي باعتباره إنجازاً بارزاً عندما أُعلن عنه في عام 2017.

وسيجتمع وزراء دفاع الدول الشريكة الثلاث لإجراء محادثات محورية في برلين في وقت لاحق من هذا الشهر. لكن في النهاية، سيقع على عاتق الرئيس ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرز اتخاذ قرار بشأن إبقاء المشروع قائماً.

وصرح ماكرون بأنه كان من المتوقع دائماً أن يكون مثل هذا البرنامج الطموح «صعباً للغاية» في ظل المصالح المتضاربة. وقال لصحيفة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونغ: «سنقرر ما هو ضروري دون أن نتأثر بتعليقات من طرف أو آخر».

وقال مصدر مُقرّب من المشروع إنه يعتقد أن موقف الحكومة الألمانية قد أصبح أكثر تشدداً. لذلك، هل يمكن إنقاذ المشروع؟

لقد طالبت شركة داسو - صاحبة الخبرة الأكبر في صناعة الطائرات المقاتلة من خلال طائرتها رافال التي حققت مبيعات جيدة في الخارج - بمزيد من التحكم في تطوير نظام الطيران القتالي المستقبلي. وقد اشتكى إريك ترابييه من الحاجة الدائمة لاستشارة شركاء آخرين في كل شيء، وشدد على أن داسو يجب أن تكون قادرة على اختيار الموردين وتوزيع العمل بين الدول.

لكن برلين عارضت ذلك، وأصرت، مثل إيرباص، على التزام الجانب الفرنسي بشروط الصفقة. كما تريد إيرباص حماية موقع إنتاجها الرئيسي في مجال الطيران العسكري في مانشينج جنوب ألمانيا، ومواصلة تطوير خبراتها في مجال المقاتلات.

ولذلك، ازدادت حدة التوتر بين إيرباص وداسو.

وقال مصدر مقرب من الجانب الفرنسي: «ليس لدي أمل كبير في نجاح هذا الأمر»، ورغم الصعوبات، قال مصدر آخر إنهم لا يريدون «استبعاد» إمكانية المضي قدماً في المشروع.

وقد سبق لفرنسا وألمانيا أن أنقذتا البرنامج في عام 2022 عندما اندلع صراع نفوذ مماثل بين داسو وإيرباص.

من جانبها، أكدت إيرباص أنها لا تزال «ملتزمة بنجاح البرنامج وجميع الاتفاقيات المبرمة حتى الآن بين شركاء البرنامج».

نقطة مهمة أخرى، هي ما الخيارات المتاحة أمام برلين؟ لم يكن من المتوقع أن يدخل النظام الخدمة قبل عام 2040. لذلك، تخطط ألمانيا بالفعل لتجهيز قواتها الجوية في العقود القادمة بمزيد من طائرات يوروفايتر تايفون وطائرات إف - 35 الأمريكية.

لكن، كغيرها من الدول، ستحتاج ألمانيا في نهاية المطاف إلى طائرة مقاتلة من الجيل السادس قادرة على الاندماج مع الطائرات بدون طيار وتبادل المعلومات عبر الجو والبر والبحر والفضاء والفضاء السيبراني.

وفي حال انهار نظام الطيران القتالي المستقبلي، قد تبحث برلين عن بدائل لشركة داسو، مثل شركة ساب السويدية، التي تُصنّع طائرة جريبن المقاتلة، وشركة بي إيه إي سيستمز البريطانية التي تُطوّر مقاتلة من الجيل السادس مع اليابان وإيطاليا.

وعلى مدى العقود القليلة الماضية، طورت إيرباص طائرات مقاتلة، بما في ذلك تايفون، بالتعاون مع شركاء آخرين، لكن بعض الخبراء يشككون في قدرتها على تصميم طائرة بمفردها. وقال ساش توسا، المحلل في وكالة بارتنرز:

«تكمن مشكلة ألمانيا في أنها، على الرغم من امتلاكها الميزانية الكافية حالياً، إلا أنها تفتقر إلى المهارات الصناعية اللازمة لتطوير طائرة مقاتلة جديدة بالكامل. لذلك، هي بحاجة إلى شركاء يمتلكون تلك المهارات المفقودة».

وقد صرح وزير الدفاع السويدي، بول جونسون، لصحيفة فاينانشيال تايمز بأنه متشكك في إمكانية تطوير طائرة مقاتلة مشتركة مع ألمانيا، لأنهم يريدون الاحتفاظ «بالقدرة على تصميم الطائرات المقاتلة وفقاً لاحتياجاتنا التشغيلية».

وتبدو المملكة المتحدة أكثر انفتاحاً على التعاون، لكنها حذرة من وقوع اضطرابات إذا ما أضافت مشاركاً متأخراً إلى مشروعها مع اليابان وإيطاليا، وهو برنامج القتال الجوي العالمي، والمقرر إطلاقه بحلول عام 2035. وتعمل شركة إيرباص بالفعل مع شركتين من شركات البرنامج - بي إيه إي وليوناردو الإيطالية - على طائرة تايفون.

وقال ريتشارد بيرثون، مدير القتال الجوي المستقبلي في وزارة الدفاع البريطانية، إن أولوية بريطانيا هي تقدم برنامج القتال الجوي العالمي «بالفريق الموجود لدينا حالياً». لكنه أضاف أن البرنامج «مفتوح للعمل» ويمكنه النظر في المزيد من الشراكات.

وقال مصدر مطلع على مشروع الطيران القتالي المستقبلي إنه يمكن تقديم الجدول الزمني لتطوير الأجزاء الأخرى من النظام، باستثناء الطائرة، نظراً للحاجة إليها في وقت أبكر بكثير، بدءاً من عام 2030 تقريباً.

سؤال آخر هو: ماذا يمكن لفرنسا أن تفعل؟

وفي حال فشل مشروع الطيران القتالي المستقبلي، ستمضي شركة داسو قدماً في مشاريعها الخاصة بالطائرات المقاتلة بدعم من الحكومة الفرنسية. وبالفعل، وجّهت القوات الجوية الفرنسية شركة داسو لتطوير طائرة رافال، بحيث تُدمج الطائرة مع طائرة مسيرة شبحية، مع إمكانية تزويدها بقدرات حمل صواريخ نووية تفوق سرعة الصوت في المستقبل.

وتقدر باريس أن هذا النموذج قد يكون جاهزاً بحلول عام 2030 أو 2035، لكن الطائرة ستظل تفتقر إلى قدرات التخفي الخاصة بها، والتي تمتلكها بالفعل طائرة F-35 الأمريكية، بالإضافة إلى الجوانب المتكاملة التي من المقرر أن يتمتع بها نظام الطيران القتالي المستقبلي.

ويصر إريك ترابييه على أن داسو تمتلك الخبرة الكاملة لصنع طائرة مقاتلة من الجيل السادس بمفردها، لكن محللين يقولون إن المجموعة ستحتاج على الأرجح إلى شركاء لصنع الأجزاء الأخرى.

مشكلة أخرى، هي أن فرنسا تفتقر إلى القدرات المالية اللازمة لتمويل تطوير مشروع مماثل لنظام الطيران القتالي المستقبلي بمفردها نظراً لتدهور ماليتها العامة. وقدّر تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي عام 2022 أن البرنامج سيكلف ما بين 80 و100 مليار يورو - في حين تبلغ الميزانية العسكرية الفرنسية الإجمالية حوالي 50 مليار يورو هذا العام.

وكانت فرنسا اختارت في عام 1985 المضي قدماً بمفردها في مشروع طائرة مقاتلة - أصبحت فيما بعد رافال – بعدما قررت الانسحاب من المشروع الأوروبي الذي تطور إلى تايفون.

لكن اليوم، كما قال ديروكليس من شركة أودو، «لا يمكن لفرنسا أن تسمح لنفسها بتكرار ما حدث مع طائرة رافال الأولى. فهي لا تملك القدرة على تمويل نظام مقاتلات مستقبلي كامل».