أوليفر هارفي
دخل العديد من مستثمري الأسواق الناشئة عام 2025 بكثير من القلق، فقد تأثرت الاقتصادات متوسطة الدخل والنامية بشدة جراء صدمتي العرض المزدوجتين لكل من جائحة «كوفيد19» والحرب بين روسيا وأوكرانيا. ثم جاءت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتحمل معها تغييراً جذرياً في النظام التجاري العالمي يُلحق ضرراً غير متناسب بالأسواق الناشئة التي استفادت من العقود الثلاثة السابقة من نمو التجارة العالمية.
وجاء ذلك أيضاً بعد فترة طويلة تخلفت فيها أسهم الأسواق الناشئة عن نظيراتها في الاقتصادات المتقدمة. فخلال الفترة من 2010 إلى 2024، ارتفع مؤشر «إم إس سي آي» القياسي للأسواق الناشئة بنسبة 8.7 % فقط، مُتخلفاً عن أداء نظيره العالمي بأكثر من 200 نقطة مئوية، لكن تبين بعد مرور تسعة أشهر مع العام الجاري أن عوائد الأسواق الناشئة مذهلة.
وشهدت عملات الأسواق الناشئة أقوى ثلاثة أرباع أولى من العام منذ عام 2010 وفقاً للمؤشر المركب لـ«دويتشه بنك». وارتفعت سلة متساوية الوزن من هذه العملات بنسبة 12.7 % مقابل الدولار منذ بداية العام حتى الآن.
وتمتعت الأسهم أيضاً بأداء قياسي تقريباً منذ عام 2010 مع ارتفاع مؤشر «إم إس سي آي» القياسي لأسهم الأسواق الناشئة بنسبة 23.9 %. كما تظهر أسواق الدين المحلي مكاسب هي الأخرى، حيث ارتفع مؤشر بلومبرغ للديون المحمية من العملات بنسبة 6.3 %.
وبالنسبة للديون ذات العائد المرتفع المقومة بالدولار، فإن العوائد تبلغ 9.3 %. وتتعدد الأسباب وراء ذلك، لكن يجب أن يكون هناك تفاؤل حذر بإمكانية استمرار هذا الاتجاه. أولاً، كان هناك ضعف في الدولار. ويلعب الدولار دوراً حاسماً في تجارة الأسواق الناشئة باعتباره العملة الرئيسية لإصدار الفواتير للواردات والأنظمة المالية، مع وجود حصة كبيرة من الديون مقومة به. وبالتالي، يُسهم ضعف الدولار في تحسين ميزان الحساب الجاري للاقتصادات النامية وخفض التزاماتها الخارجية في آنٍ واحد.
علاوة على ذلك، وكما أشار بنك التسويات الدولية في تقريرٍ حديث، فقد تحوّل تمويل الأسواق الناشئة نحو تدفقات المحافظ الاستثمارية، مبتعداً عن التمويل المصرفي. وتميل تدفقات المحافظ الاستثمارية إلى أن تكون أكثر حساسيةً للتقلبات الكبيرة في شهية المخاطرة التي يُحركها الدولار. ثانياً، تُمثّل أصول الأسواق الناشئة بديلاً جذاباً للراغبين في تنويع استثماراتهم بعيداً عن التعرض للولايات المتحدة، أو القلقين بشأن نقاط الضعف المالية في الأسواق المتقدمة.
وإلى جانب تحسن مراكز الديون بشكل عام، يُوجه جانب الأصول في العديد من الميزانيات العمومية للأسواق الناشئة نحو السلع الحقيقية، مثل المعادن الثمينة والصناعية والمنتجات الزراعية، كتحوطٍ من مخاطر التضخم. وفي الوقت نفسه، تجنّبت الاقتصادات الآسيوية إلى حدٍ كبير مستويات التضخم المرتفعة التي ابتليت بها بقية العالم في السنوات الأخيرة.
أخيراً، كانت السياسة الحصيفة بهذه الدول مُفيدة بدرجة كبيرة. ووفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، دأبت غالبية كبيرة من اقتصادات الأسواق الناشئة على تشديد سياساتها المالية منذ عام 2024، وهو ما يُقاس بالتغير في رصيد الميزانية الأولية المعدل دورياً.
وبوجه عام، كانت البنوك المركزية حذرة هي الأخرى. وبدأت أسعار الفائدة في الأسواق الناشئة بالارتفاع قبل الاحتياطي الفيدرالي في أواخر عام 2021 وأوائل عام 2022، وبوتيرة أسرع. وقد سمح ذلك للبنوك المركزية في الأسواق الناشئة بأن تكون أكثر سخاءً في تخفيضات أسعار الفائدة عند عودتها إلى الانخفاض. وفي المقابل، أدى ذلك إلى تباين ملحوظ بين عوائد الدخل الثابت في الأسواق الناشئة والمتقدمة خلال الأشهر الاثني عشر الماضية.
لكن النمو هو العنصر المفقود حتى الآن. وبينما حققت بعض الأسواق الناشئة أداء جيداً - تركيا وبولندا مثالان - فقد شهدت العديد منها أداء ضعيفاً في النمو منذ الأزمة المالية الكبرى في عامي 2008 و2009. وأحد الأسئلة المهمة المطروحة هو نجاح إصلاحات الصين لمكافحة الانكماش، والتي يبدو أنها تكتسب زخمًا.
وأما السؤال الآخر فهو ما إذا كانت فوائد الذكاء الاصطناعي الإنتاجية ستتلاشى بعيداً عن رواد التكنولوجيا مثل الولايات المتحدة. وبينما لا تزال هذه الأسئلة بحاجة إلى إجابة، فإن عالماً تتزايد فيه الشكوك تجاه «الاستثنائية الأمريكية» يُعدّ بيئة إيجابية لتوجيه الاستثمارات إلى الأسواق الناشئة.
ومن شأن زيادة الوصول إلى رأس المال الأجنبي أن تُوفر للأسواق الناشئة أموالاً للاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها، وهو أمر تعول عليه العديد من الاقتصادات المتنوعة. وقد يتبع ذلك دورة إيجابية، وعودة إلى التفاؤل بشأن فئة الأصول.
