راشيل ميلارد - كريستينا شيفوري

أشارت شركة رائدة في تطوير تقنية التقاط ثاني أكسيد الكربون من الهواء، إلى أن تكاليفها تنخفض بوتيرة أبطأ كثيراً من المتوقع، ما يثير الشكوك حول دور فعال لهذه التقنية الناشئة في معالجة التغير المناخي.

وترى بعض شركات التكنولوجيا والحكومات، أن الالتقاط المباشر للكربون، الذي يتضمن تشغيل مراوح كبيرة لشفط ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الغلاف الجوي، أمر بالغ الأهمية، لتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفري، لكن شركة كلايم ووركس، مالكة أكبر محطة لالتقاط الهواء المباشر في العالم، قالت إنها لا تزال بعيدة عن تحقيق أهداف خفض التكاليف التي سعت إلى تحقيقها قبل عامين، ما يُظهر قوة التحدي الذي تواجهه الشركات التي تحاول توسيع نطاق العملية، وتقليل استهلاكها للطاقة.

وكانت الشركة السويسرية الناشئة، التي جمعت أكثر من مليار دولار من المستثمرين، توقعت في عام 2019 أنها ستخفض تكاليف التقاطها من 600 دولار للطن، إلى حوالي 100 دولار للطن خلال «أربع سنوات أخرى»، أما الآن، فقد بات لديها توقعات أكثر تواضعاً، تتراوح بين 250 و350 دولاراً للطن بحلول نهاية العقد، و100 دولار للطن بحلول عام 2050، وذلك وفقاً للأرقام التي شاركتها شركة كلايم ووركس مع صحيفة فاينانشال تايمز.

وتضررت كلايم ووركس - التي تعكف على تسريح نحو 100 من موظفيها، أو ما يعادل 20 % من إجمالي القوى العاملة لديها، ومعها نظراؤها، من ارتفاع التكاليف. كما أن عداء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمبادرات المناخ، يعرّض التمويل الحكومي لخطر كبير. كذلك، فقد أثارت حالة عدم اليقين السائدة بشأن السياسات، تساؤلات حول جدوى أسواق مبادلة الكربون، وهي أسواق حيوية لتمويل المشاريع وتوسيع نطاقها.

وأظهر تحليل أجرته «بلومبيرغ إن إي إف»، أن تكاليف الصناعة ككل، أعلى من المتوقع، حيث يبلغ متوسط تكلفة احتجاز الكربون حالياً 900 دولار للطن، ومن المرجح أن يصل إلى 487 دولاراً للطن بنهاية العقد. تُقدّر وكالة الطاقة الدولية أنه ستكون هناك حاجة إلى التقاط ما يصل إلى 1.2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون السنوي بحلول عام 2050، فيما لا يتم حالياً سوى التقاط وتخزين حوالي 100 ألف طن فقط، كحد أقصى متاح حالياً، وهو مُوزّع على 40 منشأة حول العالم.

ويُعتبر التقاط الكربون المباشر من الهواء مُكمّلاً للأنشطة التقليدية لالتقاط الكربون وتخزينه، إذ يُمكن استخلاص ثاني أكسيد الكربون الموجود، بدلاً من التقاطه عند نقطة الانبعاث فقط. إلا أن هذا الأمر أغلى ثمناً، كما أنه يتطلب طاقة أكبر. وقد انتقد بعض دعاة حماية البيئة هذه التقنيات لصرفها الانتباه عن الاستثمار في خفض الانبعاثات.

وقال مورتن هاليراكر نائب الرئيس الأول للأعمال الجديدة والاستثمارات في مجموعة الطاقة النرويجية «إكوينور»، التي تُطوّر تقنية التقاط الكربون المباشر من الهواء، والتي اشترتها من رولز رويس: «الأمر كله يتعلق بخفض التكلفة إلى مستوى يُمكّن هذه العملية من المنافسة».

ويبقى كريستوف جيبالد الرئيس التنفيذي لشركة كلايم ووركس، متفائلاً، رغم التحديات القائمة بالقطاع، والتي أجبرت أيضاً شركة هيرلوم، الشركة الناشئة في مجال تقنية التحكم الرقمي، ومقرها سان فرانسيسكو، على تسريح موظفين، وسط شكوك حول الحصول على تمويل بقيمة 1.8 مليار دولار من الحكومة الأمريكية. ويتوقع جيبالد أن تُسهم التحسينات في المواد والعمليات في مساعدة كلايم ووركس، التي جمعت 162 مليون دولار خلال آخر جمع تمويل لها في يوليو، على خفض استهلاكها من الطاقة إلى النصف في نهاية المطاف، ليصل إلى 1.5 ميغاواط/ ساعة.

وفي العام الماضي، افتتحت الشركة مصنع ماموث، أكبر مصنع في العالم للالتقاط المباشر لثاني أكسيد الكربون وتخزينه، في آيسلندا. وتبلغ القدرة الاستيعابية للمصنع إلى 36,000 طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وقد أزال وخزن 873 طناً في أول 13 شهراً من تشغيله، ليصل صافي الإزالة إلى 205 أطنان عند أخذ انبعاثات دورة الحياة في الاعتبار. وقال كريستوف جيبالد إن المصنع «يؤدي وظيفته بدقة. ونحن نواصل كذلك دفع عجلة الابتكار التكنولوجي»، مضيفاً أنه من الطبيعي أن تشهد كلايم ووركس بعض عمليات الدمج بعد «مرحلة من النمو المفرط».

وتشير بيانات «بلومبيرغ إن إي إف»، إلى أن الاستثمار في هذا القطاع لا ينمو بالسرعة الكافية. وفقد استقطب ما لا يزيد على المليار دولار خلال العام الماضي، بانخفاض عن 1.3 مليار دولار في عام 2023. وضخ المستثمرون 11.2 مليون دولار في الربع الأول من عام 2025، مقابل 52 مليون دولار في العام السابق.

وقال نك ستانسبيري رئيس حلول المناخ في شركة ليغال آند جنرال لإدارة الاستثمارات: «نحن بحاجة إلى تخصيص المزيد من رؤوس الأموال لكل شيء في مجال إزالة الكربون».

وتظل التكاليف الحالية أعلى بكثير من تكلفة أرصدة الملوثين في الأسواق، التي يُلزمون فيها قانوناً بدفع ثمن انبعاثاتهم. كما أنها أعلى بكثير من أرصدة الضرائب المفروضة من جانب الحكومة الأمريكية. كما أن توقعات تكاليف التقاط الكربون من شركة كلايم ووركس لا تشمل تكلفة تخزين الكربون تحت الأرض، ما يعني أن إجمالي تكاليف إزالة الكربون سترتفع، لتتراوح بين 400 و600 دولار للطن، بدلاً من 250 و350 دولاراً، بحلول نهاية العقد، و100 و250 دولاراً بحلول عام 2050.

ولجمع الأموال، تلجأ الشركات إلى بيع أرصدة الكربون للشركات التي ترغب طواعيةً في تعويض انبعاثات الكربون الخاصة بها. لكن أرصدة «الالتقاط المباشر من الهواء»، تميل إلى أن تكون أكثر تكلفة من تلك القائمة على تجنب الانبعاثات أو تقليلها، من خلال إعادة التشجير وغيرها من التدابير. وقال بريندان كوك نائب رئيس قسم احتجاز وتخزين الكربون في أمريكا الشمالية بشركة ريستاد إنرجي: «يجب إبرام اتفاقية بيع ائتماني لإنجاح الأمر، لكن السؤال هو: هل يمكنك تغطية التكلفة؟».

وستخضع آفاق هذه التقنية لاختبار كبير هذا العام، عندما تفتتح شركة أوكسيدنتال بتروليوم، وهي شركة نفط وغاز قيمتها 42 مليار دولار، منشأة ستراتوس للالتقاط المباشر للكربون في غربي تكساس، والتي ستكون الثانية فقط في الولايات المتحدة، وستتجاوز ماموث كأكبر منشأة في العالم.

وتعهدت شركة بلاك روك لإدارة الأصول، بتقديم ما يصل إلى 550 مليون دولار لمشروع ستراتوس، الذي سيكون قادراً على التقاط 500 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ومن المقرر أن يبدأ تشغيله خلال العام الجاري. من جانبها، وافقت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) على تقديم ما يصل إلى 500 مليون دولار لمشروع آخر لشركة أوكسي.

وقالت فيكي هولوب الرئيسة التنفيذية لشركة أوكسيدنتال بتروليوم، خلال مؤتمر عبر الهاتف لمناقشة النتائج في أغسطس: «نعتقد أن عمليات التقاط الكربون، وتحديداً الالتقاط المباشر للكربون، سيكون لها دور فعال في تشكيل مستقبل الطاقة».

لكن بعض المحللين يحذرون من أن هذا القطاع لا يزال بعيداً عن خفض التكاليف بما يكفي لتمكينه من النمو على نطاق واسع. وقال جيفري جين كبير المحللين في شركة إنفيروس لبيانات الطاقة: «لا يزال سعر 100 دولار للطن، هو ذلك الرقم السحري، ونحن حتى الآن بعيدون عن ذلك».