مجلس تحرير فاينانشال تايمز
سيشكل فوز أي من المرشحَين الأوفر حظاً في انتخابات قيادة الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان لحظة فارقة في الحياة السياسية لرابع أكبر اقتصاد في العالم. إذا فاز وزير الزراعة شينجيرو كويزومي، البالغ من العمر 44 عاماً، في الرابع من أكتوبر، وعُين رئيساً للوزراء، فسيكون أصغر رئيس للحكومة في تاريخ البلاد منذ تولي المصلح الكبير هيروبومي إيتو منصبه عام 1885، أما إذا فازت المخضرمة المحافظة ساناي تاكايتشي، فستكون أول رئيسة وزراء لليابان.
ومع ذلك، وكما يُشير قصر فترات ولاية العديد من رؤساء الوزراء اليابانيين في السنوات الأخيرة وعدم أهميتها، فلن يكون من السهل على كويزومي أو تاكايتشي إحداث تأثير جوهري لافت؛ فاليابان تمر بمرحلة تحول صعبة نحو بيئة من التضخم المستمر، كما أنها تعاني من ضغوط مالية كبيرة وتراجع ديموغرافي وعدم يقين جيوسياسي.
وفي عهد رئيس الوزراء المنتهية ولايته شيجيرو إيشيبا، والذي لم يكن قد مضى على توليه منصبه سوى عام واحد، فقد الحزب الليبرالي الديمقراطي السيطرة على مجلسَي البرلمان. ويكافح الحزب، الذي هيمن على السلطة مدة طويلة، في مسعاه لصد منافسيه اليمينيين الشعبويين الجدد. وخسارته في أكتوبر الماضي للأغلبية في مجلس النواب التي كان يتمتع بها سابقاً في ائتلاف مع شريكه الأصغر كوميتو، تعني أن الرئيس الجديد للحزب الليبرالي الديمقراطي سيضطر إلى الاعتماد على انقسام المعارضة لضمان رئاسة الوزراء.
وعلى الأقل، لدى كويزومي، نجل رئيس الوزراء السابق جونيتشيرو كويزومي، وتاكايتشي، تلميذة رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي، نماذج واضحة للكيفية التي يمكن من خلالها لسياسي من الحزب الليبرالي الديمقراطي أن يغير المناخ السياسي. وقد تمكن كل من كويزومي الأب وآبي من صياغة رؤى شخصية واضحة للحزب والأمة، وكانا مستعدين للقتال بشراسة ضد المصالح الخاصة لتحقيق ذلك. وقد جعل جونيتشيرو كويزومي من خصخصة البريد رمزاً لقدرة اليابان على الإصلاح، في حين نجح آبي خلال فترة ولايته الثانية رئيساً للوزراء، في تعزيز الثقة في الاقتصاد من خلال دمج الإنفاق المالي المضاد للانكماش والسياسة النقدية المتساهلة، إلى جانب تعزيز حرية التجارة وإعطاء دور أكبر للمرأة في سوق العمل.
مع ذلك، يفتقر قادة الحزب الليبرالي الديمقراطي إلى رؤية شاملة. وقد أعطى كويزومي الأولوية لرفع الدخل من خلال الضغط من أجل زيادة الأجور ورفع عتبات ضريبة الدخل لمواكبة التضخم. وهذا منطقي؛ فمن المهم ألا يربط الجمهور معدلات التضخم المعتدلة الحالية بانخفاض مستويات المعيشة، كما أن استخدام منصب رئيس الوزراء بفاعلية كبرى لدفع الشركات إلى زيادة الأجور وممارسة المزيد من الضغط على المحافظات لرفع الحد الأدنى الحالي للأجور والذي يظل سخياً للغاية، من شأنه أن يساعد أيضاً. ويعد كويزومي محقاً في التراجع عن وعود الحزب الليبرالي الديمقراطي بتقديم مساعدات نقدية، والتي هددت بتأجيج الشكوك حول الاستدامة المالية لليابان مقابل فائدة ضئيلة على المدى الطويل، ولكن من الصعب -حتى الآن- استشفاف ملامح أجندة اقتصادية جديدة جريئة في حملته.
وتراجعت تاكايتشي عن دعوات خفض ضريبة الاستهلاك، إلا أن موقفها المالي أكثر إثارة للقلق. فهي من أشد مؤيدي «اقتصاد آبي»، وكانت من أشد المدافعين عن التيسير النقدي والتوسع المالي، وهما اثنان من «الأهداف الثلاثة» التي شكلت السياسة الرئيسية لمرشدها السياسي. ولكن مع عودة التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، لم يعد هناك مجال للتساهل المالي؛ ولذلك، تحتاج تاكايتشي بالتأكيد إلى أهداف جديدة.
إن استعادة ثقة الجمهور في إدارته الاقتصادية أمر بالغ الأهمية للحزب الليبرالي الديمقراطي، لكن موازنة الدوافع المتضاربة لحزب كان دائماً مجمعاً لأيديولوجية واسعة النطاق تعد مهمة لن تكون يسيرة بالمرة لرئيس وزراء ياباني في أفضل الأحوال. وعدم تحديد أولويات شخصية قوية منذ البداية يعني أن المرشحين يخاطران بالضياع وسط عاصفة الصراعات اليومية. ويجب على كويزومي وتاكايتشي أن يتذكرا أنه قد يكون من الصعب وضع رؤية واسعة خلال حملة قيادية، لكن الأمر سيزداد صعوبة بدرجة كبرى بعد الفوز.
