الذكاء الاصطناعي هو جهد جماعي، وعلى سبيل المثال: تحتاج «أوبن أيه آي» إلى رقائق دقيقة.. الكثير منها، وتُقوم «إنفيديا» بتصنيع أفضل الرقائق في السوق، لذا من البديهي والحتمي أن تجد الشركتان التقنيتان أرضية مشتركة بينهما، ومع ذلك فإن الشراكة الضخمة، التي أعلن عنها منذ أيام بقيمة 100 مليار دولار تبدو أشبه باستعراض مالي.
وجوهر الصفقة بسيط، حيث ستوفر «إنفيديا» رقائق لمساعدة «أوبن ايه آي» على بناء مراكز بيانات ضخمة، حيث سيتم تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، مثل «جي بي تي - 5»، الذي أطلق مؤخراً، ثم تستضيفها، لكن مع ذلك هناك مفاجأة: ستشتري «إنفيديا» أيضاً ما قيمته 100 مليار دولار من أسهم «أوبن ايه آي» غير المدرجة بمرور الوقت، لتضيف بذلك إلى الحصة الصغيرة التي تمتلكها بالفعل، وهذا يفوق بكثير مبلغ الـ 72 مليار دولار، الذي جمعته «أوبن ايه آي» خلال عمرها، الذي يمتد لعشر سنوات، وفقاً لـ«كرنش بيس».
وللوهلة الأولى يبدو هذا الترتيب القائم على مبدأ «ساعدني. وسأساعدك»، في ما يشبه تمويل البائعين، الذي كان شائعاً خلال فترة جنون عالم الاتصالات في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حينها دفعت شركات مثل نورتل ولوسنت وموتورولا أموالاً لعملائها من أجل الحفاظ على نمو إيراداتها بسرعة، لكنها أثقلت كاهلها بالديون المعدومة عندما انتهى هذا الهوس، ومع أن عصر الذكاء الاصطناعي يحمل بالفعل علامات واضحة على الإفراط، إلا أن هناك أيضاً بعض الاختلافات المهمة، هنا تقدم «إنفيديا» أسهماً، ولا يوجد التزام على أوبن إيه آي بالسداد، صحيح أن استثمار إنفيديا قد ينخفض في قيمته، أو قد تفشل طلبات أوبن إيه آي في تحقيق أهدافها، ولكن نظراً لأن إنفيديا تتمتع بتدفق نقدي حر يبلغ حوالي 100 مليار دولار سنوياً وقيمة سوقية تبلغ 4.5 تريليونات دولار فإن مؤسسها جنسن هوانغ لا يخاطر في النهاية بوجوده.
ويكمن الغموض في سبب هذا كله، إذ تبقى شركة إنفيديا الخيار الوحيد المتاح عندما يتعلق الأمر برقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة بكميات كبيرة، حتى مع وجود شركات أخرى - بما في ذلك شركة أوبن إيه آي نفسها - تعمل على بدائل، لذا ليس من الضروري أن يلتزم هوانغ بمثل هذه الوعود. وقد أضافت اتفاقية يوم الاثنين حوالي 180 مليار دولار إلى القيمة السوقية لشركة إنفيديا، ولكن حتى هذا المبلغ لا يُذكر بالنسبة لشركة بهذا الحجم.
أما بالنسبة لشركة أوبن إيه آي، فهي بحاجة إلى المال - أو على الأقل إلى دليل واضح على توفره، وشركة سام ألتمان في طريقها تقريباً لتحقيق إيرادات تبلغ 12 مليار دولار هذا العام، لذا لا يُمكنها تمويل مئات المليارات من الدولارات من النفقات الرأسمالية دون مساعدة. ومع ذلك إذا كانت أوبن إيه آي رائدة حقاً في مجالها فإن جمع الأموال على دفعات بقيمة 10 مليارات دولار من السوق بمرور الوقت ينبغي ألا يكون مشكلة.
ولكلا الجانبين ما يكسبه من الانطباع بأن سباق الذكاء الاصطناعي يتسارع، فشركة «اوبن ايه آي» تسعى جاهدة لتحقيق ذكاء اصطناعي، يتفوق على الذكاء البشري؛ ويعود تقييمها البالغ 500 مليار دولار إلى إيمان المستثمرين بفرصتها في المنافسة، ومن شأن خططها لإطلاق المزيد من مراكز البيانات العملاقة أن تُبقي هذا الطموح قائماً. أما بالنسبة لشركة «إنفيديا» فإن الاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي سيكون بمثابة منافسة شرسة بين «أوبن ايه آي» ونظيراتها ليس إلا نعمة، فهناك أيضاً تسابق من جانب «ألفابت»، و«ميتا» و«أنثروبيك» نحو الذكاء الخارق، وهذه الشركات تنطلق في هذا السباق مدفوعة بقناعة راسخة بأن من يقلل من استثماراته في هذا المجال سيكون خاسراً تاريخياً، ولديهم الآن سبب وجيه لمحاولة انتزاع صفقات ضخمة مماثلة من «أنفيديا»، إن أمكنهم ذلك، وعموماً فقد رسخ هوانغ مكانته شخصية مؤثرة بامتياز في مجال الذكاء الاصطناعي.
