إليانور أولكوت - نيان ليو - كريس كوك

على جزيرة مساحتها 760 فداناً على نهر اليانغتسي، تتحوّل حقول الأرز إلى سلسلة من مزارع الخوادم الضخمة، وذلك كجزء من مساعي الصين المتواصلة لتعزيز مكانتها كقوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي. وصرح مسؤول تنفيذي بشركة موردة لأحد المشاريع بأن أعمال البناء في مدينة ووهو الزراعية تأتي ضمن جهد مكثف لبناء «ستارغيت» الصين، وذلك في إشارة إلى خطة بقيمة 500 مليار دولار من قِبل شركات «أوبن أيه آي» و«أوراكل: و«سوفت بنك» لبناء أكبر مركز بيانات للذكاء الاصطناعي في العالم في تكساس.

ولن يضاهي «مجمع ووهو العملاق» بأي حال من الأحوال حجم المشروع الأمريكي، لكنه لا يمثل سوى جزء واحد من إشراف موسع من جانب بكين على مراكز البيانات المُجزأة والمنشرة في البلاد لجعلها أكثر جاهزية للتعامل مع الطلب المتزايد على الذكاء الاصطناعي من جانب المستهلكين.

وتأتي هذه الخطوة رداً على الريادة القوية للولايات المتحدة في مجال قدرات الحوسبة القائمة على الذكاء الاصطناعي، حيث تقول مجموعة الأبحاث «إيبوك أيه آي» أن أمريكا تمتلك حوالي ثلاثة أرباع قوة الحوسبة العالمية، مقارنة بـ 15% فقط للصين.

وفي مارس الماضي، كشفت بكين عن خطة لتحويل مراكز البيانات الحالية في المناطق النائية في الغرب تركيزها على تدريب نماذج اللغات الكبيرة. وبموازاة ذلك، يجري بناء مزارع خوادم جديدة في مواقع أقرب إلى المراكز السكانية الرئيسية. وستركز هذه المزارع على «الاستدلال»- وهي العملية التي تُولّد من خلالها أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل روبوتات الدردشة، استجابات، مع قرب مادي أكبر من المستخدمين مُصمم للسماح بتطبيقات ذكاء اصطناعي أسرع.

ويقول ريان فيداسيوك، الزميل في معهد أمريكان إنتربرايز والمستشار السابق لوزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الصين: «بدأت الصين في عملية فرز للحوسبة لتحقيق أقصى قدر من الناتج الاقتصادي. وتخطط بكين الآن للبنية التحتية لمراكز البيانات مع وضع ذلك في الاعتبار».

ومن الأمثلة على ذلك «جزيرة البيانات» في ووهو – وهي موطن لأربعة مراكز بيانات جديدة للذكاء الاصطناعي، تديرها هواوي، وتشاينا تيليكوم، وتشاينا يونيكوم، وتشاينا موبايل. وستلبي مراكز بيانات في ووهو احتياجات مدن دلتا نهر اليانغتسي الثرية - شنغهاي وهانغتشو ونانجينغ وسوتشو، بينما ستغذي منطقة أولانكاب في منغوليا الداخلية بكين وتيانجين في الشمال. وفي الجنوب، ستزود قويتشو قوانغتشو، وستخدم مدينة تشينغيانغ المركزية في قانسو مدينتي تشنغدو وتشونغتشينغ.

وحتى الآن، قامت 15 شركة ببناء مراكز بيانات في جميع أنحاء المدينة، وفقًا لإشعار حكومي محلي، بإجمالي استثمارات بلغت 270 مليار يوان (37 مليار دولار). وقال مسؤول تنفيذي بشركة تشغيل سحابية مملوكة للدولة تعمل في مشروع ووهو إن الحكومة المحلية تقدم إعانات تغطي ما يصل إلى 30% من تكاليف شراء شرائح الذكاء الاصطناعي – وهي بذلك تعد أكثر سخاءً من المناطق الأخرى.

ويهدف هذا التنسيق الأكبر إلى المساعدة في سد نقاط الضعف الصينية أمام منافستها الجيوسياسية، خاصة بعد أن منعت ضوابط التصدير الأمريكية المجموعات الصينية من الوصول إلى أفضل المعالجات والأجهزة التي تصنعها شركة إنفيديا، الشركة الرائدة بصناعة شرائح الذكاء الاصطناعي.

وتواجه شركات تصنيع الرقائق المحلية، مثل هواوي وكامبريكون، صعوبة في سد الفراغ، ويعود ذلك جزئياً إلى محدودية القدرات التصنيعية في هذا المجال بالصين. كما أن الولايات المتحدة تمنع شركتي «تي إس إم سي» التايوانية وسامسونج الكورية الجنوبية من تصنيع رقائق ذكاء اصطناعي متقدمة للعملاء الصينيين.

في المقابل، تتسابق شركات أمريكية مثل ميتا وجوجل و«إكس ايه آي» لنشر عشرات الآلاف من أحدث رقائق إنفيديا. ويخطط مشروع ستارغيت الأمريكي وحده لبناء مجمعات تتسع لما يصل إلى 400 ألف معالج. وتضطر مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي الصينية لذلك إلى الاعتماد على معالجات أقل قوة أو تجميع أجهزة متطورة من السوق السوداء.

وقد ظهرت بالفعل شبكة من الوسطاء في جميع أنحاء الصين للحصول على وحدات معالجة الرسومات من إنفيديا المحظورة على الصين، وفقاً لعدة أشخاص مطلعين على هيكلية إبرام الصفقات. ومن بين هؤلاء الموردين شركة «غيت أوف إيرا» ومقرها ووهو، والتي أفادت صحيفة «فاينانشيال تايمز» سابقاً بأنها حصلت على كميات كبيرة من خوادم مراكز بيانات إنفيديا التي تنشر رقائق بلاكويل المتقدمة المحظورة التصدير إلى الصين.

ورفضت الشركة التعليق. وقالت شركة إنفيديا: «إن محاولة تجميع مراكز بيانات من منتجات مهربة أمر مُجهِد تقنياً واقتصادياً. فمراكز البيانات أنظمة ضخمة ومعقدة، مما يجعل تهريبها صعبًا ومحفوفاً بالمخاطر للغاية، ونحن لا نقدم أي دعم أو إصلاحات للمنتجات المحظورة».

وتسعى الصين في الوقت نفسه إلى تحسين استخدام معالجات الذكاء الاصطناعي الحالية غير المستخدمة بمنشآت بعيدة في المناطق النائية. وأدى ازدهار البناء منذ عام 2022 إلى تركيز هذه المنشآت في مقاطعات غنية بالطاقة ولكنها بعيدة مثل قانسو ومنغوليا الداخلية، إلا أن نقص الخبرات الفنية والطلب من جانب العملاء أديا إلى عدم استغلالها بالشكل الكافي، مع ترك المعالجات القيّمة معطلة فيما يرتفع الطلب في أماكن أخرى.

وفي كثير من الحالات، تم تمويل شراء رقائق الذكاء الاصطناعي من قبل الحكومات المحلية، التي لا ترغب في التخلي عن الأصول، وتسعى في الوقت نفسه إلى تعزيز الناتج المحلي الإجمالي المحلي. وبدلاً من نقل الخوادم فعليًا، يقول إديسون لي، المحلل في جيفريز: «يجب إيجاد حل تقني. وهذا هو ربط مراكز البيانات».

ووجهت بكين باستخدام تقنيات الشبكات من شركتي «تشاينا تيليكوم»و «هواوي» لربط المعالجات المتفرقة المنتشرة عبر مواقع متعددة في مجموعة حوسبة مركزية. ويستخدم مزودو خدمات السحابة هذه التقنية بالفعل لربط مواقع متعددة معاً لتوفير التكرار في حال انقطاع الاتصال.

وتستخدم شركات الاتصالات الصينية العملاقة، بما في ذلك «تشاينا تيليكوم» و«هواوي»، نفس المجموعة من أجهزة الإرسال والاستقبال والمفاتيح وأجهزة التوجيه وحلول البرمجيات لنقل طاقة الحوسبة من مراكز البيانات في الغرب إلى الشرق. ومع ذلك، تبقى هناك بعض المشكلات في هذا النهج.

ويقول إدوارد جالفين، مؤسس شركة «دي سي بايت» للاستشارات البحثية في مراكز البيانات: «إن استخدام مراكز بيانات متعددة أصغر حجماً وأقدم يعد أقل كفاءة من استخدام مركز بيانات واحد أكبر وأحدث. الأمر يتعلق باقتصاديات الحجم».

وتعمل هواوي على إيجاد حل لمشكلة الكفاءة هذه. وتستفيد شركة التكنولوجيا العملاقة من خبرتها المزدوجة في مجال الاتصالات وأجهزة الذكاء الاصطناعي لتطوير تقنية شبكات جديدة تُسمى «يو بي-ميش»، والتي تقول إنها تضاعف كفاءة تدريب طلاب الماجستير في إدارة الأعمال عبر مجموعات حوسبة متعددة من خلال توزيع أفضل للمهام عبر الشبكة. وقال إديسون لي إن التحرك نحو ربط الرقائق معاً يعد «طريقة مهمة لتوحيد هذه السوق المجزأة».