روبرت أرمسترونغ - أيدن رايتر

خلال مؤتمره الصحفي يوم الأربعاء الماضي صرح رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، بأن «انكماش قطاع الخدمات يبدو مستمراً» وهناك من لا يعتقدون ذلك ونحن نتفق معهم.

وبتحليل منطقي للبيانات، فإن تضخم قطاع الخدمات يتجاوز بحوالي نقطة مئوية واحدة هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%، كما يميل أحدث اتجاه له نحو الارتفاع.

صحيح أن هناك اتجاهاً هبوطياً في المتوسط المتحرك لستة أشهر، لكن التقلبات الصعودية في الأشهر الثلاثة الماضية تشير إلى قصة مختلفة، وقد يعترض البعض على أنه من غير العدل استبعاد أسعار المساكن، التي كانت العامل الرئيسي في حرب الاحتياطي الفيدرالي ضد التضخم.

والتي بدأت أخيراً في الانخفاض. لذا، من المهم أن نلقي نظرة على مكوني الإسكان، الإيجار وما يعادله من إيجارات، أو الإيجارات المفترضة.

إن الإيجارات تحوم حول متوسطها للسنوات الخمس التي سبقت الجائحة. وكانت الإيجارات المفترضة عند مستواها خلال فترة الجائحة قبل الانتعاش الأخير.

إذن، فالإسكان ليس عاملاً رئيسياً في انكماش التضخم يغفله المؤشر الأساسي. وعندما سألنا خبيرنا المفضل في تفاصيل التضخم، عمير شريف من مؤسسة «إنفليشن سايتس»، عما إذا كان يرى أي انكماش في الخدمات قال:

لا أعتقد. لقد ارتفع كل من تضخم الخدمات الأساسي والمؤشر الأساسي في التقريرين الأخيرين، وذلك في الوقت المناسب تماماً. ويتعلق هذا إلى حد كبير بتعافي أسعار تذاكر الطيران والفنادق في مؤشر أسعار المستهلك.

وما زلنا نتوقع المزيد من ذلك خلال النصف الثاني، بالإضافة إلى ذلك، شهدنا قراءة ضعيفة لخدمات الرعاية الطبية في أغسطس، ومن غير المرجح أن تتكرر.

لذا، من المرجح أن يستمر مؤشر الخدمات الأساسي في التحسن في النصف الثاني. لذلك، فقد فوجئت بتفاؤل باول بهذا الشأن نظراً للانتعاش الأخير، إننا لا ينبغي أن نطمئن إلى حقيقة أن أسعار الخدمات ترتفع فقط في فئات معينة، خصوصاً في ظل نمو الأجور، الذي كان يتسارع، مستقراً فوق 4% ومتجاوزاً بكثير اتجاهه طويل الأجل طوال العام. ومن الرائع أن نرى نمواً قوياً للأجور، لكن هذا يعني بقاء تضخم الخدمات مرتفعاً.

لكن إلى أي مدى يجب أن نقلق بشأن هذا الأمر؟ ليست هناك إجابة مؤكدة، وتبدو اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة مستعدة لتحمل بعض التقلبات الاقتصادية.

ويتوقع ملخص التوقعات الاقتصادية الصادر عنها أخيراً معدل تضخم قدره 2.6% بنهاية عام 2026، وهو المعدل المتوقع تقريباً إذا تبدد تضخم السلع المدفوعة بالرسوم الجمركية وظل تضخم الخدمات عند حوالي 3%.

ومع ذلك، لا يكمن القلق في بقاء الخدمات عند مستوى 3% لفترة من الوقت، فهذا أمر مقبول. إنما القلق يكمن في أن غياب انكماش الخدمات يعكس اقتصاداً يعمل بالفعل فوق إمكاناته، وأن تخفيضات أسعار الفائدة قد تؤدي إلى تسارع زيادات الأسعار.

من ناحية أخرى، فقد منح اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأربعاء الماضي المستثمرين خفض أسعار الفائدة الذي رغبوا فيه، لكنه أغفل مفاجأة أخرى: إنهاء التشديد الكمي، وهو برنامج البنك المركزي لخفض الميزانية العمومية.

وعندما يسمح الاحتياطي الفيدرالي، بموجب التشديد الكمي، تدريجياً لسندات الخزانة المدرجة في ميزانيته العمومية بالاستحقاق، ثم يلغي أصلها، فإنه يسحب السيولة من النظام المالي.

قد يؤدي هذا، نظرياً، إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض أسعار الأصول، وتباطؤ النمو الاقتصادي، أو يتسبب في أزمة سيولة على غرار ما حدث في عام 2019 - وهي أمور سيسعد المستثمرون بالاستغناء عنها.

وكان بنك الاحتياطي الفيدرالي أعلن في مارس أنه سيبطئ برنامج التحفيز الكمي من 25 مليار دولار شهرياً إلى حوالي 5 مليارات دولار، واعتبر المستثمرون ذلك إشارة إلى أن البرنامج سينتهي في وقت ما خلال النصف الثاني من العام، ربما في سبتمبر الجاري تقريباً.

لذا، فإن استمرار البرنامج يعد مفاجئاً. كذلك، فإن وزارة الخزانة الأمريكية تعيد بناء حسابها العام لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي يسحب أيضاً السيولة من النظام.

وعندما أشار أحد المراسلين لباول يوم الأربعاء، إلى أنه من الغريب خفض أسعار الفائدة، ما يعزز السيولة، مع الاستمرار في برنامج التحفيز الكمي، الذي يؤدي إلى العكس.

رد باول قائلاً: «إننا نقلص حجم ميزانيتنا العمومية بشكل طفيف الآن..ما زلنا في حالة احتياطيات وفيرة، وقلنا إننا سنتوقف عند مستوى أعلى من مستوى الاحتياطيات الوفيرة.. لا نعتقد أن لذلك آثاراً اقتصادية كلية كبيرة».

وحتى الآن، لم يكن لبرنامج التحفيز الكمي تأثير ملحوظ على السوق أو النمو. كما كان الضغط الصعودي على عوائد سندات الخزانة ضئيلاً، ولم تكن هناك أزمة سيولة.

وكما قال بريج كورانا من ويلينغتون مانجمنت، فإن التوتر بين تخفيضات أسعار الفائدة والتيسير الكمي مبالغ فيه. وأضاف: «بعد الأزمة المالية العالمية، بدأ السوق ينظر إلى التيسير الكمي وسياسة أسعار الفائدة على أنهما مرتبطان.

لأن التيسير الكمي وسيلة لتعزيز النشاط الاقتصادي عندما تنخفض أسعار الفائدة إلى الصفر، لكنهما في الحقيقة قراران مختلفان»، التسهيل الكمي لا يتعلق بالأسعار بقدر ما يتعلق بالسيولة الإجمالية.

وكما أشار باول، فإننا لم نصل بعد إلى المستوى المستهدف للسيولة، ويأخذ المقياس القياسي للسيولة مجموع احتياطيات البنوك المحتفظ بها لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي والرصيد في تسهيل إعادة الشراء العكسي (وهي أداة أخرى لتنظيم السيولة) كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي عام 2019، بدأت أزمة إعادة الشراء عندما كان هذا المقياس حوالي 7% من الناتج المحلي الإجمالي، لذلك يهدف الاحتياطي الفيدرالي إلى إنهاء التيسير الكمي في مكان ما فوق هذا الحد.

وقد أتم استنفاد معظم أموال برنامج إعادة هيكلة الاحتياطيات النقدية، وانخفضت احتياطيات البنوك لدى البنك المركزي، لكن هذا المبلغ يمثل حوالي 11% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يتيح لسياسة التيسير الكمي بعض المساحة للتحرك. كذلك، فإن إعادة بناء حساب الخزانة العامة لا تضيف الكثير من الضغط.

وكما أشار توم سيمونز من جيفريز، فبينما تؤدي إعادة بناء خزائن الخزانة من خلال بيع المزيد من سندات الخزانة إلى سحب السيولة من النظام، فإن المهم هو كيفية إنفاق هذه الأموال، وتؤدي ميزانية دونالد ترامب.

وعلى نحو مثير للجدل، إلى تعجيل الإنفاق، كما تؤجل تخفيضات الميزانية، أما الأموال التي جمعت في حساب الخزانة العامة، فستعود إلى النظام المالي قريباً.

إن استمرار سياسة التيسير الكمي دون إحداث مشكلات، حتى مع تعثر الاقتصاد قليلاً، يشير إلى أمرين. أولاً، سياسة التيسير الكمي تجدي نفعاً: فمن الممكن عكس مسار التيسير الكمي تدريجياً دون عكس فوائده أو إحداث خلل في النظام المالي.

ثانياً، الظروف المالية في الاقتصاد الأمريكي ليست معقدة بشكل خاص، على الرغم من المخاوف بشأن سوق العمل، وهذه نقطة مهمة قد يرغب كل من الاحتياطي الفيدرالي والمستثمرون بأخذها في الاعتبار.