ريتشارد ووترز

تتحرك بعض الثورات التكنولوجية ببطء شديد، فقد مر 13 عاماً منذ أن كشفت جوجل عن نظارتها الذكية «جلاس» وهي شكل من أشكال شاشات الحوسبة تُلبس كنظارات، والتي اعتبرها كثيرون مشؤومة.

ومع الكشف عن أحدث نظارات ذكية من «ميتا» والتي عرضتها منذ أيام، فقد تغيرت بعض الأمور تماماً، فبدلاً من التصميم الغريب لجهاز جوجل الذي سخر منه الكثيرون، أصبحت شاشات «ميتا» مدمجة في إطارات سميكة من «راي بان».

ولكن من نواحٍ أخرى، تمثل أحدث النظارات صدى قريباً لما حاولت مجموعات البحث على الإنترنت تحقيقه عام 2012، ومؤشراً إلى أن فئة جديدة من الأجهزة التي طالما حلمت بها صناعة التكنولوجيا قد تكون جاهزة أخيراً لدخول السوق، وهكذا، فقد كان إطلاق «ميتا راي بان ديسبلاي» التي تحمل اسماً عادياً كان بمثابة إشارة انطلاق لسباق تقني جديد.

ولدى جوجل اتفاقية مع شركة واربي باركر، وهي شركة أخرى لتصنيع النظارات العصرية، ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى إطلاق خط من النظارات الذكية العام المقبل، كما وضعت سناب الخطوط العريضة لجهاز مماثل في عام 2026.

وتشير التقارير كذلك إلى أن «أبل» تقترب من إنتاج سماعة رأس خفيفة الوزن خاصة بها.

وبعد سنوات من العروض التقنية اللافتة للنظر، والتي كانت إلى حد كبير غير واقعية في مجال الواقع المعزز، بدأت فئة منتجات جديدة ومثيرة للاهتمام في التبلور، ومع ذلك، فلا يزال الطريق طويلاً قبل الوصول إلى منصة الحوسبة الشاملة لما بعد الهواتف الذكية، والتي لطالما حلمت بها شركة ميتا، خصوصاً بعد أن استثمرت ما يقرب من 100 مليار دولار في سماعات الواقع الافتراضي والمعزز.

ومثلما كانت الحال مع نظارة جوجل جلاس، تضع نظارات ميتا راي بان ديسبلاي شاشة صغيرة وشفافة أمام العين اليمنى لمرتديها لعرض معلومات رقمية مثل الرسائل النصية، والاتجاهات خطوة بخطوة، أو مقاطع الفيديو القصيرة.

لكن أهم ما يميز جهاز ميتا - إلى جانب كونه جهازاً قد يسعد الناس بارتدائه لساعات طويلة يومياً - هو أن التكنولوجيا قد تطورت بما يكفي لتمنحه فرصة لأن يصبح منتجاً حقيقياً يُطرح في السوق.

وقد تشير الإخفاقات في عروض الإطلاق التي قدمتها الشركة إلى أن تجميع كل هذه التكنولوجيا في مساحة صغيرة جداً وجعلها تعمل بسلاسة مع وحدة تحكم سوار المعصم الجديدة قد تصيب الإصدار الأول ببعض أوجه الخلل، ولكن مع طرحه بسعر 799 دولاراً، يمكن بيع الملايين منه.

وعلى الرغم من كل هذه العثرات والشكوك تُظهر شاشة ميتا راي بان أن شركات التكنولوجيا العملاقة تقوم بتحول كبير في إطار سعيها نحو الواقع المعزز، وذلك للتعويض عن البداية الخاطئة من جانب جوجل في هذا المجال.

وكان قد تم الكشف عن نظارة «هولولينس» من مايكروسوفت عام 2015، وتبعتها النظارات التي أطلقتها شركة «ماجيك ليب» الناشئة في 2017، وحظيت بدعاية كبيرة.

ومثّل ذلك محاولة لإضفاء طبقة رقمية على العالم الحقيقي، لكن تقنية الواقع المعزز لم تكن جاهزة بعد لدعم شاشات العرض المجسمة التي كانت هذه الشركات تسعى إليها.

وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان الكثير من الناس يرغبون في أن يضعوا على وجوههم نوعاً جديداً من أجهزة الكمبيوتر متعددة الاستخدامات القادرة على استبدال الكثير مما يفعلونه على أجهزتهم الأخرى، ووصل اتجاه «المزيد يعني المزيد» في الواقع المعزز إلى نقطة جديدة في أوائل العام الماضي مع طرح «أبل» لجهاز «فيجن برو»، وهي سماعة رأس حاولت القيام بكل شيء ولكنها فشلت في تحقيق ذلك.

لكن بدا الطريق واعداً بدرجة أكبر مع طرح شركة «سناب» لنظارة «سبكتاكلز»، وهي عبارة عن جهاز بسيط يضع كاميرا في مجموعة من الإطارات، وقد ساعد ذلك في تحديد حالة استخدام واضحة للنظارات الذكية: التقاط الصور أو مقاطع الفيديو دون الحاجة إلى إخراج الهاتف الذكي.

ثم جاءت «ميتا» التي تبنت فكرة الكاميرا البسيطة في أول نظارات ذكية لها قبل 4 سنوات، لتأخذ الأمور إلى أبعد من ذلك، حيث جلبت الذكاء الاصطناعي إلى الإطارات، في شكل مساعد صوتي يتم الوصول إليه من خلال ميكروفون مدمج ومكبرات صوت.

وهكذا يبدو البحث عن حالات الاستخدام أشبه ما يكون برمي الأشياء على الحائط لمعرفة ما سيلتصق وما سيسقط وبذلك، يمكن التعامل مع العديد من ميزات الذكاء الاصطناعي - مثل الترجمات المباشرة – كخدمة صوتية من خلال سماعات الأذن ولا يلزم تضمينها في سماعة رأس.

وعموماً فإن التكنولوجيا اللازمة لدعم الشاشات ذات التكنولوجيا الغامرة التي تحلم بها «ميتا» لا تزال بعيدة المنال، كما أن عمر البطارية منخفض، ولذلك لا يعد الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا»، مارك زوكربيرج، سوى بـ«ساعة أو ساعتين» فقط من التفاعل المستمر مع الذكاء الاصطناعي.

ومثل سماعات الأذن والساعات تحتاج النظارات الذكية مثل هذه أيضاً إلى الاتصال بهاتف ذكي، ما يجعلها مجرد بحث إضافي عن غرض في عالم سيظل مركزه هو الهاتف الذكي.

ومع ذلك فإنها تحمل بذرة منصة جديدة، وفي البداية لا تعرض شاشة «ميتا» سوى خدمات الشركة الخاصة، مع رسائل من «واتس آب» ومقاطع فيديو من «ريلز»، لكن إذا نجحت الشركة في تحقيق مبيعات ضخمة، فإن مطوري التطبيقات الأخرى سيبدؤون بالتطلع إلى الاستحواذ على بقعة بارزة في المساحات التي ستضعها الشركة أمام عينيك.

وفي كل الأحوال قد يستغرق الأمر بضع سنوات لمعرفة ما إذا كان هذا المنتج سيصبح منصة حوسبة مهمة بحد ذاته، لكن المهم أن سباق النظارات الذكية قد انطلق أخيراً.